لا شك فى أن تنمية ونهضة مصر مسئولية مشتركة بين جميع المصريين وخاصة المهنيين المصريين أصحاب العلم والمعرفة والخبرة فى التخصصات المختلفة، كما أنهم أدرى الناس بمشاكل مجال تخصصهم، وآفاق التطوير الواجبة والممكنة فى كل منها. ومن المعلوم أن أصحاب المهنة الواحدة بداية من رأس الهرم المهنى حتى قاعدته هم المعنيون بدورة حياة المعرفة فى مجال تخصصهم، بداية من مركز البحث والدراسة مرورًا بقاعات التدريس الجامعية وصولاً إلى التنفيذ الميدانى فى ميدان الإنتاج والخدمة المقدمة للمجتمع، ومن ثم هم الملمون بمنظومة تخصصهم والأكثر فهمًا وإدراكًا لها، ومن ثم فإن أصحاب المهنة الواحدة هم المكلفون مهنيًا ووطنيًا وشرعًيا بالنهوض بمجال تخصصهم. ومما هو معلوم أيضا بالضرورة التنموية أن مهام أى مؤسسة داخل الدولة مرتبطة بطبيعة المرحلة التى تمر بها الدولة، فجميع مؤسسات الدولة الحكومية والمدنية منها نابعة وتابعة لمهمة ووظيفة الدولة فى خدمة أفراد المجتمع. وبالتأكيد فإن مفهوم وأدوار ومهام النقابات المهنية المصرية يجب أن يختلف ويتطور عن المرحلة السابقة والتى كانت تمر مصر فيها بظروف خاصة، حجمت واختزلت دور النقابات المهنية فى رعاية أصحاب المهنة والعمل على حل مشاكلهم وتقديم بعض أوجه الرعاية والخدمة، تخفيفًا عليهم من أعباء الحياة، وربما تعزيز قدراتهم المهنية للارتقاء بمستوى أدائهم. وأحسب أن الأمر لا يجب أن يتوقف على مجرد التطور فيما تقدمه النقابات المهنية من خدمات لأعضائها، بل الأمر أكبر من ذلك بكثير، حيث يتطلب تحولاً إستراتيجيًا كبيرًا يبدأ من التحول فى عالم الأفكار ثم المشروعات. وبالتأكيد فى عالم الأشخاص إن لم تكن لدى المسئولين الحاليين منهم قدرة كبيرة على فهم طبيعة واحتياجات المرحلة والاستجابة لها وحسن التعاطى معها. دعيت من قبل كبار المسئولين عن مؤسسات مجتمع مدنى بعضها يأخذ الطابع الدولى لرسم خريطة أفكار وإستراتيجيات عمل جديدة تعزز من أدوارها ومساهمتها الوطنية فى تطوير المجتمع والدولة والأمة فى مفتتح القرن الواحد والعشرين، وفى ظل ربيع عربى يمهد الطريق لمرحلة واعدة من مراحل التنمية والنهوض ويفتح آفاق مساهمات المجتمع المدنى. ووجدتنى مجبرًا أتجه بقلبى وعقلى وقلمى نحو حبى الكبير وأمل العرب جميعًا مصر، وما تمتلكه من مؤسسات مجتمع مدنى خاصة المهنية المتخصصة منها والتى تغطى كل مجالات وقطاعات العمل والإنتاج، فى الهندسة والطب والزراعة والعلوم والتربية والتجارة والإدارة، والتى تتمتع بعراقة كبيرة وتاريخ طويل وممتد لما يقارب القرن من الزمان، ولكنها للأسف الشديد مازالت على هامش خطط التنمية بفعل طول سنوات الحصار والتقييد والاستبداد والتخلف الماضية. فى ظل ديمقراطيتنا العربية الواعدة أحسب وأعد وأخطط لأن تكون النقابات المهنية العمود الفقرى لعمليات التنمية التى يمكن أن تتم فى مصر والعالم العربى الكبير. مسارات التحول الواجبة فى فكر وخطط ومشروعات النقابات المهنية التحول الاستراتيجى من خدمة أصحاب المهنة فقط إلى خدمة التخصص والمهنة.. بمعنى تحمل مسئولية النهوض بمجال المهنية بحثيًا وتكنولوجيًا وبشريًا وماديًا وقانونيًا... إلخ. التحول من الانشغال بممارسة العمل السياسى إلى العمل المهنى التخصصى الاحترافى. التحول من نظم الإدارة العادية إلى نظام الإدارة المؤسسية الحديثة وفق المعايير العالمية لمفهوم المؤسسية. التحول من التمذهب السياسى أو الأيديولوجى إلى المذهبية الوطنية الخالصة القادرة على جذب واصطفاف وحشد كل الخبرات المهنية لخدمة المجال والتخصص. التحول من الاستناد إلى التمويل المحدود لاشتراكات الأعضاء إلى البحث فى مصادر تمويل متنوعة قادرة على تغطية الاحتياجات المالية الضخمة للمرحلة المقبلة، لأن ذلك هو الذى سيرتقى بمصر وأصحاب المهنة معًا، حيث سيعزز دور النقابات المهنية من المشاركة فى مشروع تنمية ونهضة مصر عبر مجال تخصص كل منهم كمهنيين يغطون كل مجالات وقطاعات العمل والإنتاج فى المجتمع. ويمكننا إيجاز بعض المهام الجديدة الواجب أخذها فى الاعتبار تمهيدًا لصناعة إستراتيجية متكاملة ترسم دور النقابات المهنية فى تلك المرحلة المفصلية من تاريخ مصر. الانفتاح والتواصل ومد جسور تعاون مع كل المؤسسات العالمية ذات العلاقة بتطور مجال المهنة. تدريب وتأهيل أبناء المهنة وصولاً إلى المعايير المهنية العالمية للتخصص. الارتقاء بمستوى المهنة بشكل عام. نقل واستيعاب أحدث علوم ومعارف التخصص. المساهمة فى تطوير مجال التخصص. توطين أحدث علوم ومعارف وخبرات ومهارات مجال التخصص. مشاركة الدولة فى استكمال البنية التأسيسية اللازمة للنهوض بمجال التخصص واللحاق بالمستويات العالمية للتخصص فى الدول المتقدمة. الارتقاء بالكليات والأكاديميات التعليمية التى تدرس التخصص. تنمية عمليات البحث العلمى الخاصة بمجال عمل النقابة. العمل على الاكتفاء الذاتى المتدرج لتكنولوجيا ووسائل وأدوات مجال التخصص. المساهمة فى تطوير الصناعة المعيارية للمهنة على مستوى معايير التقييم للبحوث والوسائل والأدوات والأداء وقوانين تنظيم المهنة... إلخ. استيعاب موهوبى ومتميزى المهنية وتحويلهم إلى حالات إبداعية وطنية وعالمية تخدم مشروع تنمية مصر. الرعاية والكفالية المحلية والدولية لأبناء المهنة. مواجهة وحل المشاكل الكبرى التى تواجه المهنة. بطبيعة الحال هذه الآمال والتطلعات ستدعونا إلى البحث فى مواردنا وأدواتنا الذاتية والعمل على استثمارها بطريقة مثلى تمكننا من بلوغ أهدافنا الجديدة، ومما هو جدير بالذكر أن نقاباتنا المهنية تمتلك العديد والمتنوع من أدوات القوة الكامنة والتى يمكن استثمارها بأشكال مختلفة شرط أن يتوفر لها العقول الكبيرة التى تديرها. أدوات القوة والفعل التى تمتلكها النقابات والتى يجب تحديدها ودراستها بدقة والبحث فى سبل تفعيلها لإدارة عجلة تنمية ونهضة المجال لتصب جميعها فى تيار تنمية ونهضة مصر. القوة البشرية بمستوياتها البحثية والفكرية والتخطيطية والإدارية والتنفيذية. القوة العلمية بعدد ونوع الأبحاث التى يمتلكها وينتجها أبناء المهنة. قوة الأفكار المخزونة إهمالاً، والحالية والتى ينتجها أبناء المهنة باستمرار. قوة الرصيد السابق من الأعمال والنجاحات والإنجازات التى قدمها أبناء المهنة. قوة الكيان الرسمى المؤسسى كمؤسسة مجتمع مدنى مهنية متخصصة تستطيع التواصل مع كل مؤسسات وأكاديميات ومراكز البحث العلمى ذات العلاقة بمجال التخصص. قوة سوق الشراء فيما يستخدمه أصحاب المهنة من وسائل وأدوات وخدمات. قوة الإنتاج أو الخدمات التى تقدمها لشرائح وأعداد كبيرة من المجتمع.