لم ينتظروا الرئيس حتى ينتهي من إلقاء بيانه إلى الشعب من خلال حواره التليفزيوني، وإنما أصدروا بياناً استباقياً عاجلاً لمباغتة الرئيس من قصر بيت الأمة أعلنت فيه جبهة الرفض التي تسمي نفسها جبهة الإنقاذ رفض الحوار مع الرئيس وإعلان العصيان المدني بعد اعتصام القضاة.. وقبلها بساعات وجه المهندس الشهير ممدوح حمزة أحد رواد الحركة الثورية الحديثة نداءً للقوى السياسية المدنية أعلن فيه أن كل من يقبل الحوار مع مرسي قبل أن يقوم بسحب إعلانه الدستوري فهو خائن.. إلى هذا الحد يا بشمهندس أصبح قبول الحوار خيانة؟ لكنه لم يوضح لنا هل هي خيانة للوطن؟ أم خيانة لمبادئ القبيلة الليبرالية التي ترفض الحوار مع الرئيس؟ وبين قوسين، نحن نفترض ابتداء أن هناك فرقاً ضرورياً بين التي لا هم لها إلا الصراخ والعويل ثم نسيان الأمر والتحول إلى غيره بمجرد أن ينتهي الوقت المحدد للإرسال.. وتتوالى بيانات الرفض والعصيان بل والتهديد للرئيس بالرحيل عندما يوجه جورج إسحاق زعيم حركة كفاية تهديداً مباشراً للرئيس بأنه سوف يلقى مصير مبارك وسيقول له الشعب ارحل إذا لم يسارع في إعلان سحب إعلانه الدستوري.. هل يعقل يا زعيم كفاية أن تقول للرئيس مرسي كفاية وهو لم يمض على وجوده بالرئاسة سوى 5 أشهر فقط؟ أيضاً لم يكن متوقعاً - وبكل صراحة - أن يؤجل البابا الجديد زيارة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين للتهنئة والتهدئة.. خاصة بعد انسحاب الكنائس الثلاث من تأسيسية الدستور، وهو القرار الخطير الذي فتح الباب أمام المترددين في الانسحاب رغم مشاركتهم وتوقيعاتهم والموافقة على طلباتهم. إلا أن البابا اعتذر عن عدم استقبال المرشد العام للإخوان إلى حين تستقر الأمور في الشارع.. رغم أن اللقاء كان فرصة لإرسال إشارات إيجابية يمكن أن تخفف من الاحتقان والاستقطاب الذي يدخل طور الخطورة في الشارع. ويبدو - والله أعلم - أن البابا الجديد استجاب للمظاهرات والاحتجاجات التي تم تنظيمها أمام أبواب الكنائس.. وسط هذا الاستقطاب الحاد والذي جاوز المدى دون اعتبار لعودة الهدوء والاستقرار في فترة انتقالية ضيقة وحرجة دعونا نوجه التحية إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد القرار الحكيم الثاني الذي أصدرته الجماعة بإلغاء تنظيم مليونية "نصرة الشريعة ودعم الشرعية" في ميدان التحرير، صدق أو لا تصدق.. الأغلبية المنتخبة في مصر هي التي تتنازل عن الميدان للأقلية غير المنتخبة. وعلى الرئيس.. العدوان الذي اكتسب مشروعية الأمر الواقع الذي يمكن أن يصل في الاستباحة للنظام إلى حد هدم المعبد على كل من فيه.. لكن روعة القرار الإخواني هو أنهم تنازلوا عن حق التظاهر في الميدان الذي يشهد أنهم هم وحدهم الذين حموا الثورة بأجسادهم وصدورهم وعقولهم عندما صدوا غزوة موقعة الجمل، ولولا الإخوان - كما قال لي ثوري ميداني تحول اليوم وبقدرة قادر إلى ثوري تايواني - لتم بعثرة الميدان ولكنا جميعاً في داخل السجون. تلك هي صورة المشهد المآساوي.. ناس يريدون المصلحة العليا للوطن وحقن الدماء وإشاعة المحبة والسلام، وآخرون يفتعلون المعارك للعودة إلى حالة الاستقرار واللاثورة تحت لافتة الدولة المدنية لتوسيع نطاق المواجهة مع الإخوان المسلمين.. منظار لفت نظري الرد القوي الذي تكفل به الدكتور محمد حسين الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين عندما ارتفعت الأصوات تطالب بحل جماعة الإخوان المسلمين قال: التاريخ يقول إن الجماعة موجودة منذ 80 عاماً وعملت في ظل أنظمة عسكرية وديكتاتورية، ولم يحاكم عضو واحد من أعضائها بتهمة الانتماء إلى جماعة غير قانونية، فالجماعة لم تحلّ ولم تستطع الدولة منذ عام 1928 أن تفكر في إصدار قرار واحد بحلها.