فوجئت وأنا أشاهد السيد البدوى رئيس حزب الوفد، وهو يتلقى صفعة ساخنة على قفاه فى مليونية التحرير (الثلاثاء الماضى)، والمفترض أن الرجل – كما صدعوا أدمغتنا - هو زعيم أعرق حزب سياسى فى مصر فأين كانت جماهير حزبه العريق وهو ينال تلك الصفعة الكفيلة باعتزاله الحياة السياسية لأنها تنبئ بإفلاس حزبه جماهيريًا فلو كانت له جماهير لالتفت حوله وحملته على الأعناق جريًا على موضة ذلك الزمان. والمفارقة أنه بينما صفع السيد البدوى دخل محمد البرادعى وعمرو موسى إلى الميدان محمولين على الأعناق وسط احتفاء الجماهير وهو ما يؤشر عن رضا كبير عن الزعيمين الكبيرين وبالتأكيد فإن الجماهير التى تواجدت فى ميدان التحرير تعرف جيدًا مَن هو البرادعى ومَن هو عمرو موسى.. فهل يخفى القمر؟ ولا شك أن تلك الجماهير تابعت تصريحات البرادعى فى ألمانيا والتى كشف فيها أن عدم رضائه عن الهيئة التأسيسية لإعداد الدستور يعود لوجود من ينكر محرقة هتلر المزعومة ضد اليهود (الهولوكوست بين أعضائها) ثم واصل تصريحاته بالتحريض على تدخل أجنبى فى مصر ودعوته لانقلاب عسكرى لا شك أن تلك التصريحات لم تخف عمن حملوه عن الأعناق. كما أن مَن حملوا عمرو موسى على الأعناق يعلمون بواقعة لقائه السرى مع العاهرة تسيفنى ليفنى وزيرة خارجية العدو الصهيونى السابقة قبل الحرب الأخيرة على غزة، لكن عمرو موسى نفى خبر هذا اللقاء فكذبته وزارة الخارجية الصهيونية.. كيف حدث ذلك؟..عقب الحرب الأخيرة الفاشلة على غزة، خرج علينا الخبير الصهيونى فى شؤون الشرق الأوسط «بنحاس عنباري» معلناً أن «تل أبيب» كانت تعوِّل على قوى داخلية فى مصر بإشغال الرئيس «محمد مرسي» بالشأن الداخلى السياسى والاقتصادي، مشيراً فى مقابلة مع قناة «روسيا اليوم»، إلى أن الرئيس «مرسي» أفشل العملية «الإسرائيلية» فى غزة قبل أن تبدأ، فى إشارة منه إلى فشل القوى التى لم يسمِّها فى مهمتها.. وبقى الخبر فى هذا الإطار كعلامة استفهام كبرى تحتاج إلى الكشف عن تلك الجهات التى سماها «بنحاس»، فإذا بموقع «والا» العبرى الشهير يفك اللغز بالكشف عن لقاء سرى جمع وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» السابقة «تسيبى ليفني» مع «عمرو موسى» خلال زيارته المفاجئة ل«رام الله» يوم الأحد 4 نوفمبر 2012م - أى قبل العدوان الصهيونى على غزة بأسبوعين - وطلبت «ليفني» من «عمرو موسى» بشكل مباشر إرباك الرئيس المصرى «محمد مرسي» خلال هذه الفترة بالمشكلات الداخلية! فخرج عمرو موسى بعد عشرين يومًا من نشر هذا الكلام لينفى الواقعة لكن المتحدث باسم الخارجية الصهيونية "ليئور بن دو خرج يوم الثلاثاء الماضى 27/ 11/ 2012م مكذبًا عمرو موسى ومؤكدًا مع تسيبى ليفنى قائلا ": على حد علمى "لقاء السيدة تسيبى ليفنى مع السيد عمرو موسى فى مطلع تشرين الجارى كان فى إطار الصداقة بينهما"، وطالما أن اللقاء تم فى إطار الصداقة بينهما – وفق قول المتحدث الإسرائيلى - فعلى موسى أن يحدد طبيعة تلك الصداقة.. صداقة صداقة أم صداقة مثل صداقة ياسر عبد ربه وصائب عريقات؟! وسواء نفى السيد «عمرو موسى» هذا الكلام أم لا، فإن الوقائع على الأرض تقول: إن سيادته سارع عقب عودته من زيارته الميمونة ل«رام الله» عند صديقه «محمود عباس» - حبيب الصهاينة - للقيام بعملية إرباك الوضع السياسى فى مصر (كما ذكر الموقع الصهيونى بالضبط)؛ بإعلانه الانسحاب من «الجمعية التأسيسية لوضع الدستور» باصطناع مشادة مع رئيس الجمعية المستشار «الغرياني»؛ معترضاً على بعض المواد كان هو نفسه من اقترحها، ثم توالت عملية إرباك الساحة المصرية بعد ذلك عبر ما نتابعه من أحداث. لقد استغل الرجل خبرته الدبلوماسية فى تقديم نفسه ليقوم بما كان يقوم به اللواء الراحل «عمر سليمان» فى التخديم على الصهاينة المصابين بحالة من الرعب من مجيء «د. محمد مرسي» رئيساً. وبعد.. فلا أدرى لماذا هذا الانتشار والانتشاء الذى بدا عليه السيد «عمرو موسى» فى الفترة الأخيرة وكأنه قائد ثورة جاء إلى مصر من عصر ذهبى لينقذها؟! ويبدو أن الرجل صدَّق أن الشعب المصرى نسى تاريخه الذى قضى معظمه فى العهد البائد، وتحت قيادة الرئيس المخلوع، ولم نسمع يوماً أن «عمرو موسى» اختلف مع سيد القصر فى ذلك العهد؛ ولذلك كان طريقه سالكاً ومتدرجاً فى الترقيات حتى وصل إلى أمانة «الجامعة العربية»، وخلال تلك الفترة كانت إطلالته على وسائل الإعلام خادعة أيما خداع؛ عُنقاً منتشياً، وكلمات رنانة، ووجهاً صارماً يجعل مَنْ يتابعه يظن أنه أمام فاتح عكا!! ولكن فى المحصلة كنا نرى «جعجعة» ولا نرى «طحناً».. فلكَمْ تحدث بكلمات تدغدغ المشاعر عن كسر حصار غزة؛ ولم ينكسر، ولكَمْ تكلَّم بعبارات جذبت الانتباه ضد الصهاينة؛ ولكن دون أى مردود عملي، وربما كان عمله فى الخارجية لم يغمسه فى الشؤون الداخلية، فبقى بعيداً عن المواقف الاستفزازية التى تمتع بها نظراؤه فى أركان حكم «مبارك»، فظل وجهاً أقل كراهية من غيره، ومن هنا كان تسلّله إلى الساحة رويداً رويداً حتى ترشح للرئاسة، ثم بدأ يهندس فى هدوء لعودة النظام السابق، بعد أن هرب «أحمد شفيق»، ومات «عمر سليمان»، وهما اثنان من الأعمدة الرئيسة لنظام «مبارك». واليوم بات يتصدر الصورة بجانب «د. البرادعي»، مؤسس حزب «الدستور»، الذى يملأ فلول النظام السابق هياكله، و«حمدين صباحي» الذى يكاد يموت شوقاً لكرسى الرئاسة، وبات «عمرو موسى» يشارك بقوة فى عملية إرباك الوضع الداخلي؛ سعياً لخلط الأوراق، وانقلاب الوضع القائم، وأملاً فى تحقيق خطوة نحو إعادة إنتاج النظام البائد! إن ما يثير العجب أن لدينا زعماء يسخِّرون خبراتهم فى خدمة العدو وبإخلاص، بينما قادة عدونا يفنون أنفسهم وشرفهم فى خدمة مشروعهم.. ألم تتفاخر «ليفني» - كما تابعنا - بالمتاجرة بشرفها مع قادة فى «فتح» بناء على سماح من الحاخام الأكبر طالما كان الهدف خدمة «إسرائيل»؟! [email protected]