هل تذكرون هذه الكلمات: "أتيتُ اليوم بلا قميص رصاص، أنا مُطمئن بفضل الله ثم بكم، أنا لا أخاف إلا الله ثم أعمل لكم ألف حساب"؟ تلك كانت كلمات رئيس الجمهورية فى ميدان التحرير عندما فتح الجاكتة وترأس المشهد الثورى والتحم بمشاعر الشعب والتصق بوجدانه التحررى، ونحَّى الحرسَ جانباً، حتى لا يحول بينه وبين الناس حائل. أما ما أرادوه هم فهو أن يحولَ بين القيادة الجديدة والشعب ألف حائل تمهيداً لعزلها تماماً جماهيرياً، فعلى الرئيس أن يرضخ للإجراءات الأمنية المشددة حفاظاً على سلامته فهناك من يُكفره ويستهدفه. على الرئيس أن يغلق الجاكت ويرتدى القميص الرصاص ويحد من تحركاته الشعبية وتبسطه مع الناس، وعليه أن يحترم أوامر ضباطه وحراسه ومخابراته. جانب من خطة العزلة تلك، كان يُنفذ بالتوازى ولكن بأسلوب مختلف وعلى النقيض تماماً فيما يخص الحزب الأكثر شعبية فى مصر والأكثر قوة وتنظيماً فى الوقت الحالى، الذى يعتبر أحد أهم مصادر دعم الرئيس وحمايته من الانهيار وهو حزب الحرية والعدالة. فالأمر اقتضى تركه تماماً بلا إجراءات أمنية وبدون حراسة وبدون تدخل إيجابى لإنقاذ مقراته من قوى وتيارات سياسية دفعت وحرضت البلطجية على اقتحامها والاعتداء على مَن فيها. الشرطة فى هذه الحالة لاعب سلبى، والحجة التى يتذرعون بها عدم تكرار مآسى أحداث الثورة عندما دخل الأمن فى صراع مع الشعب دفاعاً عن قوى سياسية بعينها. إسلام فتحى مسعود، ابن دمنهور هو أحد شباب حزب الحرية والعدالة، قضى شهيداً دفاعاً عن مقر حزبه ضد المعتدين المأجورين الذين قتلوه ضرباً بالشوم، والذين لم تحُل الشرطة بينهم وبين مقرات وأعضاء الإخوان وتركتهم ينفذون الخطة المُعَدة سلفاً ويقتحمون المقرات ويفرغون ما فيها ويقتلون من تسول له نفسه الدفاع عنها. هى جريمة مكتملة الأركان ارتكبها بعض أدعياء الثورة عندما حرضوا ودعموا هذه الممارسات، لكن ما يهمنى أكثر هنا هو موقف الشرطة التى وقفت تتفرج. ولا يشك أحد لحظة أن الشرطة والأجهزة الأمنية التى تبالغ فى تحصين وحماية الرئيس الإخوانى غير تلك التى تتساهل لهذه الدرجة فى حماية المقرات الإخوانية؛ فالإخوان فى كلتا الحالتين مستهدفون لإظهارهم كعناصر مكروهة معزولة جماهيرياً، يسعى الجميع للاعتداء عليهم والنيل منهم. أما الطبيعى والمنطقى والمعبر بصورة صادقة عن الواقع والداعم والخادم لجماهيرية الإخوان فى الشارع فهو إذا تم عكس تلك الخطة الأمنية؛ بحيث تُترك جاكتة الرئيس مفتوحة وتخفف القيود الأمنية عليه ليظل كما هو وكما أراد، الرئيس الجماهيرى الملتحم بالشعب. وفى المقابل، يتم تشديد الحراسة وتُتخذ التدابير الأمنية اللازمة لمنع الاعتداء على مقرات الإخوان وحزبهم، والحيلولة بينها وبين البلطجية. استُشهدَ إسلام فتحى مسعود ودمه فى رقبة أبو العز الحريرى والفخرانى ودومة والبرادعى وصباحى وعمرو موسى، وفى رقبة الأمن أيضاً. هنا الأمن يفكر جيداً، ويبدو أنه يتعلم من دروس الماضى؛ ولو تُرك الرئيس يتحرك مع حراسة معقولة تؤدى الغرض لم تكن الطُرق لتُقطَع، ومصالح الناس تُعطَّل أو يُضيق عليهم فى المساجد التى يرتادها الدكتور مرسى. أما فى حالة الشهيد إسلام فهناك ماض يلاحقهم بالاتهام والمحاكمة والسجن. لكن أليسَ من اقتحمَ المقرات بلطجية مجرمون؟ أم أن الأمنَ لا يتدخل ولا يتعامل بحزم فقط إلا مع الثوار الحقيقيين؟