قال فضيلة الشيخ محمد عبد الوهاب عضو نقابة الدعاة والأئمة وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن الدين الإسلامي الحنيف لا يمنع تقديم النصح للحاكم إذا أخطأ بل شرع ذلك، ولكن النصح للحاكم لا يكون مثل النصح للعوام وله ضوابط معينة وثوابت محددة ومن يخالف هذه الضوابط فقد خالف صحيح الدين وخرج عن هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقع في المخالفة الشرعية، فَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلنَا: لِمَنْ؟ قال: وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ(رواه مسلم.) وعن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من وراءهم ومن كانت الدنيا نيته فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة" "رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجة"، وقال ابن عبد البر رحمه الله: "مناصحة ولاة الأمر لم يختلف العلماء في وجوبها إذا كان السلطان يسمعها ويقبلها". وقال النووي رحمه الله:أما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق, وطاعتهم فيه, وأمرهم به, وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف, وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين, وترك الخروج عليهم, وتألف قلوب الناس لطاعتهم, قال الخطابي رحمه الله-: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم, والجهاد معهم, وأداء الصدقات إليهم, وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة, وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم, وأن يدعى لهم بالصلاح- "شرح صحيح مسلم". وقال أبونعيم الأصبهاني:" من نصح الولاة والأمراء اهتدى ومن غشهم غوى واعتدى" (فضيلة العادلين 140.) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا فيرضى لكم: أن تعبدوه و لا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال(رواه مسلم) أما عن كيفية النصيحة للولاة فلها ضوابط وحدود ولا يجوز أن تكون في الملأ وفي الميادين، فعن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية ، وليأخذ بيده, فإن قبل منه فذاك, وإلا كان قد أدى الذي عليه(أخرج الإمام أحمد ورواه ابن أبي عاصم في السنة وصححه الشيخ الألباني) وعن أسامة بن زيد-رضي الله عنهما- قال: قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟! والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه". رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم) قال النووي رحمه الله موضحا قصد أسامة قوله “أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول من افتتحه” يعنى المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملأ، وَقَالَ عِيَاض: مُرَاد أُسَامَة أَنَّهُ لَا يَفْتَح بَاب الْمُجَاهَرَة بِالنَّكِيرِ عَلَى الْإِمَام لِمَا يَخْشَى مِنْ عَاقِبَة ذَلِكَ، بَلْ يَتَلَطَّف بِهِ وَيَنْصَحهُ سِرًّا فَذَلِكَ أَجْدَر بِالْقَبُولِ(فتح الباري).