سُلِبَ المصريون الحرية منذ أكثر من نصف قرن، عاشوا فيه تحت ظل الإستبداد والإستعباد، تارة تحت شعار "إرفع رأسك يا أخي!"، وتارة أخرى تحت وهم "الإنفتاح"، ثم تارة ثالثة تحت شعار... يعلم الله أن هذه المرة ليس لها حتى شعار ترفعه! وإنما هو مجرد إستمرارية العذاب والعقاب وسلب الحرية وقوانين الطوارئ .. الطوارئ التي من طبيعة تسميتها أنها "طارئة" اي مؤقتة فإذا هي الأصل المقيم ما أقام السرمدان. ويقول البعض إن المصريين شعب صبور يتحمل الضيم ويرضى بالظلم إلى حين، ويعالج الإستعباد والإستبداد بالصبر على مرتكبيه حتى ينال منهم الزمن الذي يرحم، وقد يكون هذا العلاج صحيح، إلا أنه جزء من العلاج الشامل، فإنه يجب أن يدرك الناس أن الحرية لا يدق بابها إلا بالتضحية كما أسلفنا، التضحية بالوقت، وبالجهد، وبالمال وبالنفس إن لزم الأمر، فإنه للصبر حدود كما يقال، والكريم يمهل ولا يهمل، والعفو عن الظالم لا يكون إلا بعد القدرة عليه. والحرية هي أرفع ما يتحلى به الإنسان في حياتنا الدنيا، وأعلاها تحرر الإنسان من عبادة الناس والخضوع للناس إلى عبادة الله وحده والخضوع له وحده، فهي لذلك أغلى القيم وأعلاها ثمنا، ومن ثم كذلك هي لا تمنح وإنما تؤخذ اخذاً فالسلعة حين يغلو ثمنها، ويستأثر بها من يريد احتكارها يرتفع ثمنها حتى تكون الحياة نفسها ثمنا لها، ويُضَحَى في سبيلها بكل غالٍ ورخيص. ونضيف أن الحرية التي نقصدها هي ليست التفلت من القيود، والتصرف غير المسؤول أو الإنسياق وراء كل ما تدعو اليه النفس، وما تأباه الفطر السليمة ، بل هي إختيار واع لما يفعل المرء داخل منظومة الجماعة الإنسانية التي يعيش بين ظهرانيها وتبعا لقوانينها التي ترتضيها. يجب أن يدرك الناس أن الحياة بلا حرية هي ليست الحياة التي يريدها الله سبحانه لبني آدم، وإنما هي أقرب إلى حياة الحيوان، حياةً لا تعرف إلا إرضاء الغريزة، بلا كرامة ولا عزة نفس. كيف يرضى المصريون أن تمتهن كرامتهم، وتسخف عقولهم وتسلب إرادتهم وتغصب حقوقهم وتنتزع حرياتهم دون أن يتحرك منهم ساكناً؟ أطال عليهم أمد الإستعباد فباتوا لا يعرفون ما هي الحرية ولا يدركون مذاقها؟ أم اشتدت عليهم وطأة الحياة ومتطلباتها فأذهلتهم عن فقد أعز ما يمتلك الإنسان، "الحرية"؟ إن الله سبحانه أعطى الإنسان الحرية كاملة حتى إنه سبحانه قد ترك من يكفر به حيا يرزق، بينما يأبى طغاة البشر أن يتحدث الناس بظلمهم! أفلا يفهم البشر إذن أن الحرية هي نسيج هذه الحياة وقوامها الأصيل؟ إن النهوض بالأمة إقتصاديا وعلميا وإجتماعيا وتحقيق الرخاء لأفرادها مرهون بتحقق الحرية السياسية، حرية الكلمة، حرية الرأي والتعبير، حرية النقد والمساءلة للحاكم، ومرهون برفع الخوف الذي يعيشه المواطنون تحت ظل "الطوارئ" وما استحدث من قوانين "محاربة الإرهاب" التي هي بدعة "بوش" ومن والاه، لتحقيق مخططاتهم في بلاد المسلمين. إن الحياة الامنة من الخوف هي من نعم الله العظيمة وهي مناط الحرية إذ لا حيرة مع الخوف وصدق الله العظيم حين منّ على عباده بتحريرهم من الخوف في قوله تعالى: "وآمنهم من خوف".