الانتخابات الرئاسية الأولى في مصر في العصر الحديث أصبحت حقيقة واقعة بغض النظر عما يثار حول هذه الانتخابات من مآخذ وتعليقات. هكذا تكون البدايات دائماً. وبعكس ما يرى كثير من المعارضين فإن الايجابيات أكثر بكثير من السلبيات من وراء إجراء هذه الانتخابات حتى ولو كانت معروفة النتيجة قبل إجرائها. وفي رأيي أن النتيجة معروفة سابقاً لأسباب عديدة لا ترجع كلها إلى احتمالات التزوير كما قد يتصور البعض.. كما لا ترجع كلها إلى النظام الحاكم في مصر وإنما ترجع أيضا إلى قائمة المرشحين أنفسهم والتي قد تدفع إلى حسم النتيجة مسبقاً. وإن كان البعض يطالب بضرورة التغيير من اجل التغيير ومعهم بعض الحق بكل تأكيد. وكما قال المستشار أحمد صابر من نادي القضاة الذي خاض معركة لا يستهان بها لتوسيع مساحة الحرية بالمجتمع وجعل الإصلاح السياسي حقيقة وليس ديكوراً، فإن الكثير من الإنجازات قد تحققت. ومن هذه الانجازات قانون مباشرة الحقوق السياسة الجديد والإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها بإعلان النتيجة وأن يكون رؤساء اللجان الانتخابية جميعهم من اعضاء الهيئة القضائية وغيرها من المكاسب التي ما كان يمكن ان تتحقق في غير هذه الظروف. وكما قال المستشار احمد صابر إن 85% من مطالب القضاة قد تحققت وإن المساعي ستتواصل لتحقيق بقية المطالب وفي مقدمتها ان يشمل الإشراف القضائي جميع الانتخابات في مصر بما في ذلك انتخابات المجالس المحلية التي تعد عصب الحياة في الدولة رغم انها لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام الإعلامي. وإذا كان هناك من يستحق ان يشار اليه بالبنان في هذه الحملة الانتخابية الجارية الآن فهو الإعلام بلا منازع.. لدرجة ان الانتخابات برمتها يمكن ان توصف بالانتخابات الإعلامية. وعلى قدر ما يخدم الإعلام مرشح الحزب الوطني الحاكم وهو الرئيس مبارك على قدر ما يهبط بأغلب المرشحين الآخرين إلى اسفل سافلين. لقد شاهد المصريون لأول مرة رؤساء أحزاب «معارضة» وهم يتحدثون اليهم مباشرة وعلى الهواء ومن خلال مؤتمرات جماهيرية فشاهدوا صورة تختلف تمام الاختلاف عن تلك الصورة النضالية التي ترسمها لهم صحف لا تقل كذبا ونفاقا عن صحف الحزب الوطني. شاهد المصريون أحد رؤساء الأحزاب وهو يسب أحد الحاضرين لمؤتمره بكلمات جنسية نابية لا تذكر الا في الحواري لمجرد انه يختلف معه في الرأي. فماذا سيفعل بنا هذا المعارض الأشوس لو نجح لا قدر الله في الانتخابات ؟ وشاهد المصريون مرشحين آخرين لا يفقهون مبادئ الديمقراطية ولا يعرفون منها غير اسمها فقط. وصار ظهورهم على شاشات التليفزيون فرصة للتندر والترويح عن الشعب بعد يوم عمل شاق وطويل. وربما كان هذا أفضل مافعلته الحكومة من وراء اذاعة مؤتمراتهم على الهواء. ولا شك ان الحياد الإعلامي الذي يزعمه التليفزيون المصري في هذه الحملة غير مبرأ الهوى. كما لا شك انهم كانوا يعلمون حقيقة هؤلاء المرشحين الذين يؤيدون الرئيس مبارك قولا أو عملا.. سرا او جهرا من خلال احاديثهم. ولكن هذا لا يمنع من اهمية هذه الخطوة في عمل هذا الجهاز العملاق في مصر. ان ما يجب ان تستعد له الأحزاب المصرية الجادة والكبيرة هو الانتخابات القادمة وليس الحالية. وأن تدرك هذه الأحزاب اهمية ان تكون لها قواعد جماهيرية حقيقة وأن تتحول من احزاب ورقية لا تملك غير الصحف التي تتخفى وراءها إلى احزاب جماهيرية لها قواعدها ومرشحيها. وهذا هو تحدي السنوات المقبلة. --------------------------------- صحيفة البيان الاماراتية في 30 -8 -2005