ما من شعيرة من شعائر الإسلام تشعرك بعالمية هذه الرسالة مثل شعيرة الحج. أذّن إبراهيم الخليل فى الناس، سمعه من سمعه وهم فى الأصلاب. ومن سمع النداء لبى، ومنهم من حالت دونه الحوائل وإن كان على مقربة من الحرم، بل وإن كان من أهل مكة. لكن من سمع النداء لبى. "وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق". شعيرة الحج شعيرة لها خصوصية فى شعائر الإسلام وعباداته، وإذا كان العلماء يقسمون الشعائر ما بين ما يغلب عليه المقدرة البدنية وما يغلب عليه المقدرة المالية، فإننا نجد شعيرة الحج تجتمع فيها الصفتان، ارتباطها بالقدرة البدنية والقدرة المالية والاستعداد النفسي، "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج". "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى". ويقسم العلماء أعمال الإيمان إلى تعبدية محضة أو تَعَلُّلية محضة، وأغلب ما كان سبيله التعبد المحض لا يدرك الإنسان حِكَمَه، ولكن الالتزام به يزيد الإيمان، حيث يفعله الإنسان من منطلق التسليم والاستسلام لأمر الله، ولا يخفى ما بين التسليم والإيمان من قوة صلة، وما كان سبيله التعليل يفعله الإنسان بدافع المصلحة المترتبة عليه. والحج نموذج فريد فى الأعمال التعبدية المحضة التى ليس للعقل فيها مدخل، والأعمال التعليلية التى مدار الأمر فيها على المصلحة، "ليشهدوا منافع لهم". وما من شعيرة إسلامية تشعرك بعالمية رسالة الإسلام من شعيرة الحج. تحج فتجد فى المناسك والشعائر بجوارك الأبيض والأسود والأصفر، تجد المسلم العربى والمسلم الآسيوى والمسلم الإفريقي، تجد العالِم والإنسان البسيط، تجد عريق الإسلام وحديث العهد به. كل هؤلاء وحدتهم شعيرة الحج ومناسكه، شرائع ومشاعر وشعائر. وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق. يقول الشهيد سيد قطب عليه رضوان الله: ولا يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم – عليه السلام - إلى اليوم والغد. وما تزال أفئدة من الناس تهوى إلى البيت الحرام، وترف إلى رؤيته والطواف به. الغنى القادر الذى يجد الظهر يركبه ووسيلة الركوب المختلفة تنقله، والفقير المعدم الذى لا يجد إلا قدميه. وعشرات الألوف من هؤلاء يتقاطرون من فجاج الأرض البعيدة تلبية لدعوة الله التى أذن بها إبراهيم –عليه السلام- منذ آلاف الأعوام. وما من شعيرة إسلامية تجتمع فيها الشعائر والشرائع والمشاعر مثل شعيرة الحج. وما من شعيرة إسلامية تتمثل فيها رمزية هذه الرسالة والأمة التى تمثلها مثل شعيرة الحج. يقول الشهيد سيد قطب عليه رضوان الله: التقوى هى الغاية من مناسك الحج وشعائره.. وهذه المناسك والشعائر إن هى إلا رموز تعبيرية عن التوجه إلى رب البيت وطاعته. وقد تحمل فى طياتها ذكريات قديمة من عهد إبراهيم – عليه السلام - وما تلاه. وهى ذكريات الطاعة والإنابة, والتوجه إلى الله منذ نشأة هذه الأمة المسلمة. فهى والدعاء والصلاة سواء. الحج ارتقاء بالسلوك الإنسانى وترفّع عن صغائر الأفعال وترك الجدل سواء بالتى هى أحسن أو بالتى هى أخشن. الحج سكون وذكر وارتقاء وتسبيح وسياحة فى ملكوت الله. وما أعظم الفرق بين الحجيج والضجيج، وما أشد الفرق بين الحاج والراكب. ولذلك روى عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رجلاً كان عنده، فرأى كثرة الحجيج الملبّين فقال: ما أكثر الحُجّاج فقال ابن عمر: بل ما أقل الحجّاج، قال ما أكثر الركب، أما الحجاج بالمعنى الحقيقى لهذه الكلمة فقليل. وما من شعيرة إسلامية تنقلك من قصتك الشخصية الصغرى إلى القصص الإنسانية الكبرى مثل الحج. الحج آية من آيات الله ومعجزة حقيقية تكرر كل عام، وأعظم شاهد على صدق النبوة والرسالة.