ومن الشبهات أيضا فى مسألة تحكيم الشريعة القول بإن الدين علاقة بين المرء وربه فلماذا تخلطون الدين بالسياسة كما أن الله أرسل محمدًا – صلى الله عليه وسلم – هاديًا ولم يبعثه حاكمًا فلماذا تريدون أن تحكموا أنتم ؟ والرد عليه فى هذه النقاط: أولاً: إن الله عز وجل أرسل رسول الله "ليحكم" بين الناس كما قال الله (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) ثانيا: أن الله تعالى قال (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) وسبق تفصيل وجوب تحكيم الشريعة ثالثا: أن الله قال (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فإذا كان الدين علاقة بين المرء وربه فعلى من تعود واو الجماعة فى كلمة القطع؟ هل مراد الله منها أن نقطع أيدى بعضنا بعضا ؟ بمعنى أن اللص يقطع يد نفسه ؟ ينفى هذا المعنى قول الله ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ) فدل ذلك أن الرأفة قد تمنع من يقيم الحد من القيام به وهو ما ينفى بداهة أن يكون هو صاحبه الاحتمال الثانى أن يكون مراد الله من الآية أن يقوم كل منا بتطبيق الحد بنفسه فأنت تعرف أن فلانا سارق فتقطع يده بنفسك وهذا قطعا ينافى مقاصد الشريعة ويضيع حقوق العباد فلا يبقى إلا احتمال أن المخاطب بذلك هو المجتمع ممثلاً فى سلطته التنفيذية والقضائية بالحكم بهذا القضاء على السارق ومن ثم تنفيذه آخر يقول إن أحكام الشريعة شديدة القسوة فقطع اليد وجلد الزانى وقتل المرتد وقتل القاتل ينافى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وهذا نقول له أولا: إن هذا هو ديننا وإيمانك بالله يقتضى إيمانك به حكما عدلا يعلم الخير لك ويختاره وما دام اختاره فقد اختاره لحكمة ثانيا: إن هذه الأحكام إنما هى صفحة القانون الجنائى فى الشريعة الإسلامية وليست كل الشريعة فحصر الشريعة فى الحدود السبعة جهل أو خبث نية وسوء طوية ثالثا: إن الأصل فى العقوبات الإسلامية هى الزجر وليس العقاب وإلا فإن الله قادر على عقاب العبد فى النار فهذه العقوبات لتنظيم حياة الناس ومعاشهم وحماية أرواحهم وأعراضهم ومالهم فالله عز وجل حكم بقطع يد اللص ليكون عظة لغيره من اللصوص فافتدى الله باليد التى تقطع ألوف الأسر التى يدخل عليها الحزن والألم حين يسرق دخلها ويصبحون فى جوع ومذلة المغتصب الذى يقتل إنما يقتل زجرا لغيره ومانعًا له فضلا عن إطفاء نار صدور الناس وحماية لأعراض بناتنا وزوجاتنا من الأذى ويكفيك أن تدخل على ترتيب الدول من حيث معدلات الاغتصاب لتكتشف أن الدول الخمس الأولى جنوب إفريقيا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واستراليا ! وكذلك تطبيق حد الحرابة فى حق عصابات خطف الأطفال ومغتصبو النساء وعصابات السطو المسلح وغيرهم ثالثا: إن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ليس أكثر إلزاما لنا من حكم ربنا رابعا: إن حقوق الإنسان بهذا المفهوم تعنى حقوق القتلة والسفاحين ومنتهكى الأعراض والسكارى فى انتهاك ما حرم الله امنين من العقاب خامسا: قبل أن يحدثونا عن حقوق الإنسان فى بلادنا فليناقشوا هم حقوق الرجل والمرأة فى الطلاق وليناقشوا حقوق الإنسان فى معتقلات جوانتنامو وأبو غريب وليحاسبوا من يخطف المواطنين ويرسلونهم لبلادنا للتحقيق معهم وليحاسبوا الدول التى تبيع آلات التعذيب لدول العالم الثالث بعلم حكوماتها وبتحصيل ضرائبها أيضا وليحاسبوا من يصنع القنابل الذرية والفسفورية والأسلحة الكيماوية والبيولوجية ،ليحاسبوا من جوعوا شعوبا بأكملها تأديبا لحكامها الذين دعموهم وساندوهم أصلا ليصلوا لمناصبهم سادسا: إن حقوق الإنسان التى أعلنتها الأممالمتحدة فى إعلان 1948 ومن ثم فى اتفاقية السيداو ومؤتمر بكين للسكان يخالفا أحكام الشريعة فى عدة مسائل وبلغ الأمر مداه فى جلسة الأممالمتحدة (الجمعية العمومية ) بتاريخ 18 ديسمبر 2008 حين طالبت أكبر منظمات حقوق الإنسان فى العالم بفرض حقوق الشواذ بقوة القانون وهذه المنظمات تضمن (أمنستى إنترناشيونال Amnesty International)، (هيومان رايتس ووتش Human Rights watch)، (مركز القيادة العالمية للنساء Women's Global Leadership)، (اللجنة الدولية لحقوق الشواذ والسحاقيات IGLHRC)، (المؤسسة العالمية للسحاقيات والشواذ ومتعددى الممارسات ((ILGA)، وغيرها من المنظمات الحقوقية التى تتبنى حقوق الشواذ وتم إلقاء مثل هذا البيان أمام وفود العالم أجمع، وقد شارك فى صياغته كل من: البرازيل، وكرواتيا، وفرنسا، والجابون، واليابان، وهولندا، والنرويج، وألقته الأرجنتين أمام الجمعية العمومية وقد طالب الشواذ فى هذا البيان باستبدال مصطلح الشواذHomosexuals) ) والذى صار يغضب الفئات المختلفة من الشواذ لأنه يعبر –وفقا لقولهم- عن فئة واحدة فقط، وهى فئة الشواذ من الرجال Gays، أما باقى الفئات (الشاذات، ومتعددو الممارسات، والمتحولون) فلا يجدون أنفسهم فى هذا المصطلح، لذا قرروا استبداله بمصطلح (LGBT)، حيث يرمز كل حرف فيه إلى نوع مختلف من الشواذ، فحرف (L) يرمز للسحاقيات (Lesbians)، وحرف (G) يرمز للشواذ الرجال (Gays)، وحرف(B) يرمز لمتعددى الممارسات (Bisexuals)، والحرف(T) يرمز للمتحولين (Transgender). كما يتم التعبير عن الشذوذ بمصطلحى "الهوية الجندرية Gender Identity"، و"التوجه الجنسى Sexual Orientation" كما يرتكز على تاريخ طويل للأمم المتحدة فى حماية حقوق الشواذ(LGBT)؛ حيث أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأممالمتحدة عام 1994م، فى أستراليا، اتفاقية رئيسية تنص على أن قانون حقوق الإنسان يمنع التمييز المبنى على التوجه الجنسي، ومنذ ذلك الوقت فإن آليات الأممالمتحدة لحقوق الإنسان قد أدانت الانتهاكات بسبب الهوية الجندرية، والتوجه الجنسي، كما تدعو الدول الأطراف فى تلك الاتفاقية لوقف التمييز ضد الشواذ فى القانون والسياسة. وفى إصرار على إجبار كل دول العالم - مهما اختلفت ثقافاتهم - على إدماج حقوق الشواذ ضمن قوانينها الوطنية، يقول (بوريس ديدريتس) من هولندا، ممثل برنامج مراقبة حقوق الإنسان للشواذ (LGBT): "عالمى تعنى عالمي.. وليس هناك أى استثناءات" ، ويقول أيضًا: "يجب على الأممالمتحدة أن تستخدم القوة؛ لوقف العنف والانتهاكات، فلم يعد هناك مكان لأنصاف الحلول حين يتناول الأمر حقوق الإنسان"!! وقد شاركت كيانات عالمية كثيرة فى المطالبة بعدم إدانة الشواذ، منها المجلس الأوروبي، والاتحاد الأوروبي، كما وافقت البلدان الأربعة والثلاثون الأعضاء فى منظمة الدول الأمريكية – بالإجماع- على إعلان التأكيد على أن حماية حقوق الإنسان تمتد إلى الهوية الجندرية، والتوجه الجنسى (أى أن حقوق الشواذ هى حقوق إنسان).(1) واخترت هذا النموذج فقط لأنه الأكثر مصادمة لثقافتنا وللفطرة الإنسانية عموما خامسا: إن الإسلام أوامره تخالف بعض المفاهيم الأساسية من مفاهيم حقوق الإنسان، فعلى سبيل المثال وليس الحصر قول الله عز وجل ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فالآية فيها ضرب لمفهومين أساسيين من مفاهيم حقوق الإنسان، فالأية وصفت المشركين بالنجاسة أولاً ثم منعت الكفار الذين كانوا يعظمون الكعبة من دخول مكة بأسرها أليس فى ذلك مناقضة لمبادئ حرية العبادة وحقوق الإنسان ؟ فلماذا نلتزم إذا بهذا المفهوم ؟ بتصرف من مقال الأستاذة كاميليا حلمى رئيس اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل بالمجلس الإسلامى العالمى للدعوة والإغاثة، ومنسق ائتلاف المنظمات الإسلامية فى الأممالمتحدة. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]