يقول المؤرخ الإنجليزى "توينبى" عن الحرب العالمية الأولى (إن مظاهر تدهور دول الغرب وانحلالها، وهى فى كامل مجدها الصناعى، هو البعد عن الخلق والدين)، ويقصد بذلك أن الدول الشامخة لا تسود ولا تعلو بالحديد أو النار أو المال، ولكنها تعلو بالدين والأخلاق. ومشكلة العصر أن أعين قاطنيه غفلت عمدًا عن الدروس والعبر التى مرت ماثلة فيما حفظه التاريخ فى طياته، فهذه هى دول الغرب الكبرى، حينما ركنت إلى المستحدث وتركت القاعدة الأساسية لبناء المجتمع، انهارت كما ينهار عمود الخشب الضخم إذا نخر السوس ُلبه، ولم يعوزها المال ولم تنقصها الآلات، بقدر ما كانت تتلهف إلى ُخلق متماسك، ليعالج ما سرى فى جسدها من فرقة وخلاف تسرب إلى صفوفها حتى نخر العظام. والناظر الفاحص الأمين لحال المجتمع المصرى يجدهُ قد أصيب بداء عضال، ألا وهو "انحلال الأخلاق"، وكانت النتيجة أن دب فينا دبيب الخلاف، فتفرقت بنا السبل وتوزعتنا الأهواء والآراء، ومزقتنا الدعوات المتنافرة وتفسخت العرى، بل وشر ما طرأ على مصر أن تؤتى إليها النكبات من أبنائها ممن وكل إليهم حمايتها والدفاع عنها؛ فخانوا الأمانة وأصبحوا لصوصًا متسللين يفتحون الأبواب لكل عدو يهاجم فى الظلام، والحماة الساهرون فى غفلة لا يشعرون . إن النهضة المنشودة التى يسعى لها الرئيس محمد مرسى، لن تتحقق إلا حينما تنجلى عنا تلك الهزيمة الأخلاقية، حينها سيبنى رجال الغد سواعد المجد لتلك الأرض، ولا شك أن وزارة الشباب من أهم المعاقل والحصون الساهرة على أمن الشعب وكيانها، على الرغم من كثرة السلبيات والانتقادات التى لا أريد سردها، ولكن لا يستطيع كل ذى بصر أن ينكر الدور الذى يقوم به الدكتور "أسامة يس" اليوم فى أحيائها، لعلمه أن الشباب ثروة تتضاءل إلى جانبها كل كنوز الأرض، ولكن هذا وحده لا يكفى دون أن نقدم جميعًا يد العون كى نحول المواد الصماء إلى قوة حية منتجة . مصر اليوم ليست بحاجة إلى أسلحة تفوق التطور كى تأمن بها مكر الأعداء، بقدر ما هى بحاجة إلى ُخلق متماسك متين، يجمع الناس على التواد والتراحم ويقيهم مما ُطبعت عليه النفس البشرية من الشح، ولا شك أن أعلى مصادر الُخلق وأعمقها وأدومها أثرًا هو الدين، لقدرته على دفع الناس إلى إعمال العقل فى الطريق الصحيح. [email protected]