أثبتت الأيام أن سعادة الناظر العثمانلي كان على حق في أسلوب إدارته لفرقة الدراويش الكروية، وأنه رغم أخطائه الكثيرة أصلح من يتعامل معهم، فهو يفهم في كرة القدم جيدا، ولم يكن أبدا ليقع في خطأ مجلس الادارة المعين في طريقة اختيار مدير فني، فمنذ جاء هذا المجلس بقرار من محافظ الاسماعيلية بعد فضيحة الستة الشهيرة، وهو يتخبط في ذلك، بدءا من استقدام مدير فني ألماني سبق له أن درب بلدية المحلة وفشل فشلا ذريعا، ثم جلس على قهوة المعاشات في ألمانيا إلى أن باعه السماسرة للاسماعيلي، وانتهاء بالطيب الغلبان عماد سليمان الذي لا يزال يتحسس طريقه في عالم التدريب، وكانت أقصى أمنياته أن يختاره الناظر مساعدا للمدرب العام، فاذا بالمغوارين صلاح عبدالغني ومحمد عبدالعظيم ينصبانه مديرا فنيا لثالث أكبر الأندية المصرية! لا ذنب بالطبع لعماد سليمان، وهو معذور بسبب قلة خبراته، فالمدرب مثل اللاعب الناشئ، لابد له أن يتدرج في عالم التدريب حتى يكتسب الخبرات اللازمة، ويذاكر جيدا، ويطلع على أحدث المدارس التدريبية، وينتظم في دورات سواء في الداخل أو في الخارج، لكن عماد قفز مرة واحدة، بفضل الجهابذة الذين ظنوا أن أي عابر سبيل يمكنه أن يصبح مديرا فنيا، وهؤلاء تجاهلوا حقيقة أخرى وهي أنه لا يصلح للاسماعيلي أي مدرب، فهو فرقة عزف منفرد ورقص برازيلي لا يديره إلا مايسترو يملك مؤهلات لا تتوفر في كثيرا في مصر! مرات قليلة التي استطاع فيها مايسترو من مصر إدارة هذه الفرقة، وهذه المرات لم تخرج عن ثلاثة من الفنانين الكرويين الكبار، وهم شحتة وعلي أبو جريشة ومحسن صالح. فيما عدا ذلك كان الخبير الأجنبي هو العلامة البارزة حتى ولو لم يحصل الاسماعيلي على بطولات أثناء قيادتهم، فيما عدا المدرب الانجليزي الشهير طومسون الذي نال الاسماعيلي على يديه أول بطولة لأبطال الأندية الأفريقية يحصل عليها فريق مصري. وهذا تم في عهد العثمانيين أيضا، تحت قيادة العثمانلي الكبير عثمان أحمد عثمان، لكن هؤلاء العثمانيين تعرضوا لمؤامرة قادها ضدهم عبدالمنعم عمارة عندما كان محافظا للاسماعيلي لاقصائهم عن النادي الذي صرفوا عليه وجعلوه يغرد وحده في مصر عندما كانت الكرة متوقفة بسبب نكسة يونيه 1967 وهي المؤامرة نفسها التي كان عمارة عضوا بارزا فيها، عندما تم استبعادهم للمرة الثانية بسبب نكسة الستة أمام محمد بركات وصحبه من لاعبي الدراويش الذين استغنى عنهم ابراهيم عثمان الشهير بالناظر! ولأن الشئ بالشئ يذكر، فانني لا أكره الاسماعيلي كما قال أخ أهلاوي اتهمني أيضا بأنني أكره الأهلي، وأنا عموما لا أعرف كيف تجتمع في قلبي كراهية الضدين؟!.. الدراويش لا تملك أمامهم إلا أن تتمايل طربا، فهم يسقونك المتعة وجمال الكرة وحلاوة الأداء، وتخرج من مبارياتهم ولسان حالك يقول "الله.. الله" حتى لو كانوا مهزومين! لكن الاسماعيلي في عهد الادارة المعينة تحول إلى فأر تجارب، يتعلم فيه عماد سليمان الذي لا تتجاوز خبرته ثلاثة شهور درب فيها أحد فرق الصعيد، ثم مدربا للكرة الخماسية لفترة محدودة، ومساعدا للمدرب الألماني الذي جاء خلال مرحلة الاعداد ثم رحل قبل أن يبدأ الدوري أو مشوار الاسماعيلي في بطولة الكونفيدرالية الأفريقية.. ويتعلم فيه أيضا الشاب أحمد العجوز الذي اعتزل الكرة منذ فترة قصيرة بعد أن تخلص منه الناظر لأن للسن أحكاما فلعب في القناة ولم يحقق نجاحا يذكر! ليس لعماد ذنب في تعيينه مديرا فنيا، فالرجل كانت أقصى أمنياته أن ينظر إليه ابراهيم عثمان ويعينه ضمن جهاز فني لأحد فرق الناشئين، لكن المغاوير قاموا بتصعيده مرة واحدة، ولو فعلوا ذلك مع كبير مشجعي الاسماعيلي الذي يتمايل طربا مع كل مباراة جيدة يلعبها الدراويش بفنونهم المعروفة، لكان ذلك مقبولا ومبررا، فهو ربما يكون اكتسب خبرة من ملازمته المستمرة للفريق أثناء تدريبه بمدربين معلمين! وقد كتبت عدة مرات هنا احذر من خطر تسليم الفريق لمدرب بلا خبرة، يجلس خجولا أثناء ادارته لمباريات فريقه، وكأنه يشعر بأنه لبس ثوبا فضفاضا جعله يظهر في هيئة فطوطة، وأحيانا كنت أشعر به وفريقه مهزوما أو يؤدي بصورة سيئة، وكأنه يستجدي كبير مشجعي الاسماعيلي لكي يدله عن ما يجب أن يفعله! لم أجد أي معنى مثلا لأن يدفع باللاعب الفنان محمد صلاح أبو جريشة في الدقيقة الأخيرة من المباراة، وهو لاعب يستطيع أن يجلس مكان عماد ويدير الفريق بطريقة أفضل لأنه مهاجم مؤثر وله صولات في الاسماعيلي أكثر منه.. أما العمدة فلم يظهر كلاعب إلا بفضل الموهوب الفنان الراحل محمد حازم، وعندما مات في حادث سيارة، اختفى العمدة ثم تم الاستغناء عنه! عماد كان محظوظا عندما لعب فريقه أول ثلاث مباريات في الدوري على أرضه فاز فيها جميعا، لكني لم أكن مطمئنا لأن العروض كانت ضعيفة، واللياقة البدنية في أدنى مستوياتها، واللاعبون فقدوا معايير الالتزام، لأنهم يحتاجون إلى مدرب قوي يكبحهم ويعيدهم إلى أنفسهم وجمهورهم بدلا من السهر والسرمحة، وهو الأمر الذي اعترف به مدير الكرة ايهاب جلال قبل رحيل الجهاز الفني بيوم واحد عندما قال بصريح العبارة كما ورد في الصحف "لن يلعب في الاسماعيلي بعد اليوم لاعب غير محترم"! ووقعت الواقعة عندما خرج الفريق من الاسماعيلية، فقد انهزم من المقاولون الضعيف الذي ينهزم من طوب الأرض في الدوري العام، وآخرها هزيمته على ملعبه بالجبل الأخضر من حرس الحدود، ثم خرج من السويس بربع دستة أهداف أمام فريق الاسمنت الذي لم يصعد لدوري الكبار إلا منذ موسمين فقط. وهي فضيحة كبرى لفريق متخم بالنجوم، ولولا التوفيق الذي كان مساندا لحارسه محمد صبحي لتكررت فضيحة الستة، وقد رأينا جميعا حالة التوهان التي كان فيها العمدة وصحبه، ولا أعرف ما هي مبررات لجنة الكرة في اصرارها في صباح اليوم التالي للمباراة على بقائه، وإذا كانت هذه هي امكانيات لجنة الكرة الفنية في الحكم على المدربين فمن الأفضل تسريحها، لأن هذا يعني أنهم لا يزالون يعيشون بفكر الستينيات عندما كانوا يلعبون في الاسماعيلي، وأن معلوماتهم توقفت عند هذا الحد!.. وقد جدد مجلس الادارة التائه الذي لا يفقه شيئا في الكرة الثقة في العمدة بالفعل بناء على على نصيحة اللجنة، ولولا المحافظ الفاهم الذي دعا المجلس لاجتماع آخر في مساء نفس اليوم أقال فيه العمدة وصحبه، لاستمر الاسماعيلي في مسلسل الهزائم ودخل دوامة الكفاح مع فرق المؤخرة! لكني أدعو المحافظ لقرار أهم وهو تسريح هذا المجلس المعين، ففضيحة الربع دستة أمام السويس أكثر وطأة من فضيحة النصف الدستة أمام بركات وصحبه من الدروايش السابقين، ويجب الدعوة لانتخابات مبكرة، فربما يعود العثمانيون مرة أخرى وهم وحدهم القادرون على قيادة الفريق برغم حبهم للبيع وتسريح النجوم، لكن الأيام أثبتت أن هواية البيع مستحكمة في كل من يحكم الاسماعيلي، وأن ضيق ذات اليد أمام اغراءات الأهلي هي السبب في ذلك! لم يبق شئ مهم نخاف أن يخسره الدراويش، فقد خرجوا تقريبا من الكونفيدرالية الأفريقية بعد أن كانوا الأقرب جدا للفوز بلقبها، وفي الدوري قد لا يتجاوزون مرحلة المنافسة مع أندية الوسط على المركز الرابع! اذن الوقت متاح لادارة جديدة أكثر فهما وتنظيما وحكمة، ولمدرب خبير يبني الفريق من جديد استعدادا للموسم القادم أطال الله في أعماركم! [email protected] 1