يحكى لنا الشيخ علي الطنطاوي فى ذكرياته عن الشيخ جمال الدين القاسمي علي: إنَّه مرَّ بشباب يلهون ويضيعون أوقاتهم فيما هو غير نافع، فقال: لو أن الوقت يباع ويشترى لاشتريت منهم أوقاتهم، تحسرًا على ذهاب وقت بعضهم دون أن يستفيد منه، وتمنيًا لكثرة أشغاله فيما لو كان الوقت يباع ويشترى لاشترى من هؤلاء وقتهم!! ويتحدَّث الإمام ابن الجوزي رحمه الله في صيد خاطره: بأنَّ هناك زوَّارًا ثقلاء كانوا يأتونه بكثرة، ولم يستطع أن يخرجهم من بيته، فكان يقطِّع الورق في ذاك الوقت الذي يأتيه فيه أولئك الثقلاء، ويبري الأقلام حتَّى إذا خرج الزوَّار شرع في التصنيف والتأليف والكتابة بأقلامه بتلك الأوراق التي قطَّعها فيكون وقته قد استغلَّه بما ينفعه فيما بعد. أما الإمام المجد بن تيمية فيطلب من خادمه أن يقرأ عليه كتابًا وهو في داخل الخلاء (دورة المياه) حرصًا على وقته! ونرى الإمام ابن القيم يؤلِّف كتابين وهو في السفر من أروع ما ازدانت بهما رفوف المكتبات، وانتفع بهما طلبة العلم، وهما: (بدائع الفوائد) و( زاد المعاد)! أما الإمام السرخسي يسجن فيؤلِّف كتابًا حافلاً في الفقه الحنفي، واسمه: (المبسوط) ويقع في أكثر من ثلاثين مجلدًا. ويُحكى عن ألبرت أينشتاين الفيزيائي الألماني الشّهير، أنّه من شدّةِ حرصِه على الوقتِ كان لا يلبسُ الأقمصةَ بأكمامٍ ذواتِ الأزرارِ؛ لأنّ غلقَها وفتحَها يضيّعُ عليه وقتًا ثمينًا.. ويقول أبو الوفاءِ بنُ عَقيل رحمه الله تعالى: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حالِ راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سَفَّ الكعكِ وتحسّيه مع الماء على الخبز؛ لأجلِ ما بينهما من تفاوتِ المضغِ توفُّرًا على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها فيه". تذكرت كل هذا وأنا أسمع صديقى وهو يقول "شويه بس وراجع" هذه الكلمة التى دائمًا ما أسمعها ولا أعلم ما يعقبها من وقت قليل كان أو كثيرًا.. وانتظر هذه البرهة – الشويه- الموعودة بها أن تنتهى ولا أعلم منتهاها أبعد دقائق أم ساعات وربما لا تنتهي على أسوأ الأحوال.. ولا أعلم أين الشعور بقيمة الوقت؟.. أين الدقة في المواعيد؟!.. وأين تأنيب الضمير على إخلاف الموعد؟!.. ويا ويلي ثم ويلى لو طلبت الانصراف لانشغالي ببعض الارتباطات.. أتذكر كم من محاولات فاشلة لبعض الأصحاب والرفاق الذين حاولوا عمل برنامج يومي للاستفادة من أوقاتهم أمام هذه المنظومة المبنية على عدم الشعور بقيمة الوقت دقائق كانت أو ساعات.. عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين