"اضرب المربوط يخاف السايب" هذه هى الإستراتيجية التى قامت عليها فكرة استخراج بطاقات المواطنين من أقسام الشرطة، وذلك لتكريس المفهوم المتوارث لهيمنة الدولة البوليسية على مقدرات المواطن المصرى بمجرد وصوله لسن البلوغ، وعلى الصبى الذى سيستخرج بطاقة شخصية لأول مرة فى سن ال16، أن يعلم وبقوة أنه تحت سيطرة دولة بوليسية، حتى لو كانت تلك الدولة لم تعد توفر له الأمن والأمان، إلا أنها لديها القدرة على إرهابه وتخويفه، فأولادنا وبناتنا عندما يدخلون قسم الشرطة لاستخراج البطاقة عليهم أن يمرقوا وسط صفوف المتهمين أو المجرمين المقبوض عليهم حيث يجلسون القرفصاء داخل ممر القسم أو أمام أبواب مكاتب البهوات الضباط، وعليهم أن يشاهدوا الأمين أو أحد الضباط وهو يضرب أو يسب "سلسفين متهم، و"يسكع" آخر على "قفاه" أو يركله بالحذاء".. وبهذا يكون درس الدولة البوليسية الأول للأبناء البالغين قد تم إيصاله بصورة عملية بتخويفهم من أن يفعل أى منهم شيئًا يمكن يقوده لنفس مكان الجالس قرفصاء فى ممر قسم الشرطة، وبهذا تكون إستراتيجية "العين الحمرا وتخويف" الأولاد مبكرًا قد تحققت، وليصبح يوم استخراج أول بطاقة شخصية محفورًا فى عقل كل مصرى حتى آخر العمر "الغريب أن هذا لم يعط الدرس، ولم تتراجع الجريمة، ولم يخف أو يتراجع من بداخله نوازع بلطجة أو شر"، ويفضل المصريون استخراج بطاقاتهم من أقسام الشرطة، ويستبعدون مصلحة الأحوال المدنية بالعباسية، لأن مجرد فكرة دخول هذه البناية مجازفة كبرى، فما يحدث بداخلها ليس إلا مؤامرة كبرى لتكدير المواطن وإذلاله، فهو لن يخرج من هذه البناية سليمًا حتى لو كان بطلاً لألعاب القوى، بل سيخرج إما مصابًا أو ممزق الملابس أو مشتومًا، أو قد يصاب بانهيار عصبى فيعرج إلى مستشفى العباسية للمجانين". وأعود لقسم الشرطة، ولهذا الكائن الخرافى المقدس الواقف خلف الشباك الزجاجى، الذى لا عليك إلا أن تمجده وتغتصب الابتسامة فى وجهه، وتدلله بعبارات مجاملة ليست فيه، وتتحمله وهو "يشخط" ويصرخ، أو يرمى القلم من يده وهو يحلف "ما هو شغال إلا لو الخلق إللى واقفة دى سكتت واحترمت نفسها وبطلت تعترض عشان دماغه وجعته"، وعلى المواطنين أن يخرسوا، وأن يتطوع أحدهم ليقع فى عرض الموظف ويبوس إيده، ورجله إن أمكن، ويطلب له كوبًا من الشاى فيرفض الموظف فى ترفع مفتعل، ناهيك عن "الحلانجية" الذين سيزاحمون وقفتك وهم يعرضون عليك خدماتهم مقابل ورقة بعشرة أو أكثر، حسب تعريفة كل قسم، وهؤلاء غالبًا يتبعون الموظفين خلف الشبابيك لأنهم بمجرد إشارة متفق عليها يتم إنهاء فحص الأوراق والتوقيعات بسرعة بدون دور أو طابور، وما يحدث داخل أقسام الشرطة لاستخراج البطاقة أمر موحد متطابق من المهانة والإذلال، ويمكنك زيارة قسم شرطة عابدين على سبيل المثال لتصاب بالفزع، أولاً شكل القسم بتكوينه العتيق ومكاتبه المتهالكة، وغرفه وممراته الغريبة ستشعرك بأنك فى سراديب سجن حربى للتعذيب، بجانب أسلوب العمل البدائى، ووجود أجهزة كمبيوتر أكل عليها الدهر وشرب، وسيخبرك موظف بوقوع "السيستم"، أو قد يتذاكى عليك ويخدعك بأن عليك انتظار الكمبيوتر حتى "يسخن" ويشتغل، وكأنه "وابور جاز"، والويل لو فكرت فى استخراج شهادة ميلاد من قسم عابدين، أو بطاقة لأنك ستعرف المعنى العملى ل "دوخينى يا ليمونة"، وعليك أن تتحمل أسلوب التعامل معك وكأنك مجرم خطير وتم ضبطه، وتبقى مصيبة لو ناقص ورقة من أوراق البطاقة، بجانب ضرورة استدعاء الزوج ليكتب إقرارًا على نفسه بأن الواقفة أمامه زوجته وأنه شاهد وضامن، وعلى الزوج أن يسند على رجليه "ليكتب الإقرار لأنه لا يوجد مكتب ولا مقعد أو اختراع اسمه"، ورقة مطبوعة ثابتة بالإقرار لدى الموظف المسئول ليوقعها الزوج، إن ما يحدث فى أقسام الشرطة جزء ثانِ من مسلسل فن إذلال المواطن وللحديث بقية إن شاء الله.