السيسي يصدر قرارا جمهوريا جديدا، تفاصيل    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال تطوير وتوسعة شارع صلاح سالم    البترول والكهرباء يعلنان زيادة فترة تخفيف الأحمال ساعة إضافية اليوم فقط    يمهد الطريق لاستئناف الأنشطة العسكرية.. سول توافق على تعليق اتفاق مع بيونج يانج    الرئيس الأمريكي يوضح سبب خلافه مع نتنياهو    رئيس إنبي يوجه رسالة نارية لعامر حسين بعد بيان المصري    المادة ب35 جنيها، موعد فتح باب تظلمات الإعدادية ببني سويف    القبض على المطرب أحمد جمال لاتهامه بالتسبب في إصابة «عجوز»    بالصور- جميلة عوض ترقص مع والدتها الفنانة راندا في عقد قرانها    «ماجستير في تربية النحل».. تفاصيل في مشوار محمود عبدالعزيز في ذكرى ميلاده    موعد عيد الأضحى 2024.. أطول إجازة رسمية للموظفين «تصل ل 9 أيام متتالية»    4 يونيو 2024.. البورصة ترتفع اليوم    السفير حسام زكي: لا مخرج من الوضع الإقليمي المتوتر إلا من خلال تفعيل الآليات المتفق عليها    انهيار عقار بالكامل في ميت غمر بالدقهلية    إرجاء الاعتراف بفلسطين كدولة في سلوفينيا    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض الطلاب الوافدين بكلية التربية الفنية    إغلاق متحف الفن الحديث اليوم.. لهذا السبب    أتلتيكو مدريد يخطط لضم مهاجم السيتي    محمد علي يوضح صلاة التوبة وهي سنة مهجورة    عيد الأضحى 2024| الدعاء الذي يقوله المُضَحي عند ذبح أضحيته    مدير صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى نخل المركزي بوسط سيناء    7 تحذيرات لطلاب الثانوية العامة 2024.. مكان كتابة الاسم وأقصى مدة للتأخير    رئيس بعثة الحج: غرفة عمليات القرعة تعمل لتقديم خدمة شاملة لضيوف الرحمن    بعثة المنتخب الأوليمبي لكوت ديفوار تصل القاهرة للقاء مصر وديًا    مهاجم الأهلي السابق: الزمالك خارج المنافسة على الدوري    على رأسهم ريان وبوريكة وبن شرقي.. الزمالك يخطط لصفقات سوبر    ل أصحاب برج الجوزاء.. تعرف على الجانب المظلم للشخصية وطريقة التعامل معه    فيلم فاصل من اللحظات السعيدة يقترب من تحقيق 60 مليون جنيه بدور العرض    توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة المنصورة الجديدة وجامعة إيفانستي الفرنسية    مجلس النواب يستقبل وفد جمعية الصداقة المصرية التايلندية    «التعليم العالي»: التعاون بين البحث العلمي والقطاع الخاص ركيزة أساسية لتحقيق التقدم    دعاء رؤية هلال شهر ذي الحجة.. أحب الأيام إلى الله    المشدد 7 سنوات للمتهم بقتل شخص بسكين في قليوب    مدير عام فرع التأمين الصحى بالشرقية يتفقد عيادة العاشر من رمضان    غداء اليوم.. طريقة تحضير البامية باللحمة    وزارة الدفاع التركية: مقتل شخصين في تحطم طائرة تدريب عسكرية    الكشف عن الكرة الجديدة للدورى الإسبانى فى الموسم المقبل    جامعة سوهاج تتسلم أرض مستشفى الحروق.. صور    ترقية 20 عضوًا بهيئة التدريس وتعيين 8 مدرسين بجامعة طنطا    أول رد من الإفتاء على إعلانات ذبح الأضاحي والعقائق في دول إفريقية    «شعبة مواد البناء»: إعلان تشكيل حكومة جديدة أربك الأسواق.. ودفعنا لهذا القرار    محافظ القليوبية يناقش طلبات استغلال أماكن الانتظار بعددٍ من الشوارع    أكرم القصاص ل القناة الأولى: التعديل الوزارى مطروح منذ فترة فى النقاشات    9 أفلام مجانية بقصر السينما ضمن برنامج شهر يونيو    هل التغييرات الحكومية ستؤثر على المشروعات الصحية؟ وزير أسبق يجيب ل«المصري اليوم»    "تموين الإسكندرية": توفير لحوم طازجة ومجمدة بالمجمعات الاستهلاكية استعدادا للعيد    26 مليون جنيه جحم الاتجار فى العملة بالسوق السوداء خلال 24 ساعة    مصرع شخص في حريق ب«معلف مواشي» بالقليوبية    محافظ القليوبية يترأس اجتماع اللجنة العليا للإعلانات لبحث طلبات المعلنين    استعدادًا لمجموعة الموت في يورو 2024| إيطاليا يستضيف تركيا وديًا    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" يتابع سير العمل بالشيخ زايد و6 أكتوبر    رئيس الدوما الروسي: وقف إمدادات الأسلحة لأوكرانيا من شأنه إنهاء الصراع    بملابس الإحرام، تعليم الأطفال مبادئ الحج بمسجد العزيز بالله في بني سويف (صور)    بتكلفة 650 مليون جنيه.. إنشاء وتطوير مستشفى ساحل سليم النموذجى الجديد بسوهاج    وزير العمل يلتقى مدير إدارة "المعايير" ورئيس الحريات النقابية بجنيف    سيف جعفر: أتمنى تعاقد الزمالك مع الشيبي.. وشيكابالا من أفضل 3 أساطير في تاريخ النادي    الفلبين.. إجلاء نحو 800 شخص بسبب ثوران بركان جبل كانلاون    جلسة بين الخطيب وكولر لتحديد مصير البوركينابي محمد كوناتيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مراتب الكمال الإنساني
نشر في المصريون يوم 20 - 06 - 2020

اختلاف وتنوع وتباين الناس حقيقة مسلّمة لا جدال فيها، لكن يقع الخصام في تحديد معايير الأفضلية والتمايز، فالبعض ينحو لاعتماد معايير مادية بحتة كالقوة والعظمة والجاه والمُلك والثراء، وكان هذا مبرر رفض كفار قريش قبول رسالة محمد صلى الله عليه وسلم "وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" (الزخرف: 31) والمقصود بالقريتين مكة والطائف، ومن قبل اعترض اليهود على اختيار الله عز وجل لطالوت ملكا عليهم فقالوا: "أنّى يكون له المُلك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤتَ سعة من المال" (البقرة: 247).
ويرى آخرون أن التمايز يكون بالجنس والعِرق أو اللون والبشرة، كما زعمت النازية من تفوق العرق الآري، أو النظرة المستعلية لأصحاب البشرة البيضاء على من سواهم ممن يؤمنون بنظرية دارون للتطور، والتي تجعل من سواهم في مرتبة حيوانية أقل تطورا منهم، وبسبب هذه النظرة العنصرية لا تزال تتكرر الجرائم العنصرية بحق السود في الغرب -وآخرها مقتل جورج فلويد بأمريكا- برغم كل صيحات حقوق الإنسان وتضمينها في المناهج التعليمية، إذ أن تدريس نظرية التطور في المناهج يولّد لدى الطلبة مفاهيم منحرفة خطيرة منها عدم المبالاة بالأخلاق والقيم فنحن في النهاية حيوانات! ومنها أن الآخرين بعضهم حيوانات أقل منا نحن البيض كالسود والهنود من سكان أمريكا الأصليين! وقد كانت هناك لعقود قريبة في الغرب حدائق للبشر (human zoo) على غرار حدائق الحيوانات!
بينما الإسلام حدد معياره للتفاضل والتمايز بين الناس بمعيار معنوي وهو التقوى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات: 13)، والتقوى هي معرفة أوامر الله عز وجل وأدائها ومعرفة نواهيه واجتنابها، وهذا هو لب الحياة الإنسانية.
انطلاقا من هذه الحقيقة ومن هذا المعيار لضبط الأفضلية والتمايز بين البشر يقدم لنا العلامة ابن قيم الجوزية مراتب الكمال الإنساني الأربع، فيقول في كتابه القيّم (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي):
"كمال الإنسان مداره على أصلين: معرفة الحق من الباطل، وإيثار الحق على الباطل، وما تفاوتت منازل الخلق عند الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ إلا بقدر تفاوت منازلهم في هذين الأمرين".
فالكمال الإنساني يقوم على العلم بالحق (القوة العلمية) وعلى العمل بالحق (القوة العملية)، ومن خلال تباين ارتباط هاتين القوتين في الناس لأربع حالات تتباين مراتبهم في سلم الكمال، وهذا ينطبق على كل أحوال الناس الدينية والدنيوية.
فالحالة الأولى -وهي أعلى المراتب- يبين ابن القيم المقصود بها فيقول: "أثنى الله سبحانه على أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام- في قوله تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} فالأيدي: القوة في تنفيذ الحق، والأبصار: البصائر في الدين، فوصَفهم بكمال إدراك الحق، وكمال تنفيذه".
فالدرجة الأولى والأكمل هي اجتماع القوة العلمية وهي معرفة الحق مع القوة العملية وهي تطبيق مقتضى الحق، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام هم أكمل البشر في ذلك ثم الصديقون. واجتماع العلم والعمل بمقتضاه هو كمال في كل الأحوال الدينية والدنيوية، فهل التقوى إلا ذلك، وهل الصلاح إلا ذلك؟
أما الدرجة الثانية في الكمال الإنساني فهي ل: "مَن له بصيرة في الهدى ومعرفة به، ولكنه ضعيف لا قوة له على تنفيذه، ولا الدعوة إليه، وهذا حال المؤمنِ الضعيف، والمؤمنُ القوي خير وأحبّ إلى الله منه".
وهذا حال غالب الناس في الدين أو الدنيا، هم يعرفون أن مصلحتهم الدينية والدنيوية والأخروية في التزام التقوى، لكنهم يضعفون في التطبيق والعمل والتنفيذ! وبسبب هذا تظهر فجوة التفاوت بين عظمة الإسلام وضعف واقع المسلمين أفرادا ومجتمعات ودول.
وفي أمور الدنيا مثلاً يعرف الناس مضار التدخين بأنواعه والإسراف في الطعام وخاصة الوجبات السريعة والمشروبات الغازية ولكنهم مع ذلك لا يتحكمون بسلوكهم، وأيضا يدركون مخاطر الاستغراق في وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وقنوات الأفلام ومع ذلك يستسلمون لها.
وهذا نقص ظاهر في القوة العملية وهو سبب فشل وفساد كثير من الدول والمجتمعات برغم توفر الإمكانات لها.
والدرجة الثالثة في سلم الكمال الإنساني: "مَن له قوة وهمة وعزيمة، لكنه ضعيف البصيرة في الدين، لا يكاد يميز أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، بل يحسب كل سوداء تمرة، وكل بيضاء شحمة، يحسب الورم شحمًا، والدواء النافع سمُّا".
وهؤلاء عندهم قوة عملية ولكن تضعف أو تنعدم عندهم القوة العلمية، وهم على درجات، فبعضهم لا يميز الدين الحق من الباطل، وبعضهم لا يميز السنة من البدعة، والشرك من التوحيد.
وهؤلاء الجهلة هم رواد الأضرحة والقبور الذين يقدمون لها القرابين والنذور بدلا من تقديمها للفقراء والمساكين، ويطلبون من الأموات الشفاء والصحة بدلا من العلاج عند الأطباء، ومِن هؤلاء من يريد الاسترسال مع شهواته كلها ويظن أنه بحضور مولد مبتدع لا شرعية له قد تجاوز القنطرة، ويقابل هؤلاء من يظن التطرف والغلو والإرهاب جهادا في سبيل الله!
وقسم ثالث له جَلَد عجيب في مطالعة شبكة الإنترنت ومتابعة كل شاردة وواردة، لكنه في أمر الدين يعجز عن البحث عن فتوى معتمدة أو سماع محاضرة قيمة أو مطالعة كتاب مفيد، ويكتفي بمتابعة شخصيات غير مؤهلة ولا متخصصة في الدين أو هي أصلا تحمل أجندة هدم الدين بالدين وما أكثرهم اليوم.
والدرجة الرابعة والأخيرة وصف ابن القيم أصحابها بقوله: "مَن لا بصيرة له في الدين، ولا قوة على تنفيذ الحق، وهم أكثر هذا الخلق وهم الذين رؤيتهم قذى العيون، وحُمَّى الأرواح، وسقم القلوب، يُضيقون الديار ويغلون الأسعار، ولا يُستفاد من صحبتهم إلا العار والشنار".
ويلخص ابن القيم ما سبق فيقول: "ومَن كانت له هاتان القوتان (العلمية والعملية)؛ استقام له سيره إلى الله، ورجي له النفوذ، وقوي على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته، فإن القواطع كثيرة، شأنها شديد، لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد، ولولا القواطع والآفات لكانت الطريق معمورة بالسالكين، ولو شاء الله لأزالها، وذهب بها، ولكن الله يفعل ما يريد، "والوقت -كما قيل- سيف فإن قطعته، وإلا قطعك"، فإذا كان السير ضعيفًا، والهمة ضعيفة، والعلم بالطريق ضعيفًا، والقواطع الخارجة والداخلة كثيرة شديدة؛ فإنه جهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء، إلا أن يتداركه الله برحمة منه من حيث لا يحتسب، فيأخذ بيده ويخلصه من أيدي القواطع".
وختاما، ما سبق يكشف لنا عن عظم ومركزية دعائنا: "اللهم أرني الحق حقًّا وارزقني اتباعه، وأرني الباطل باطلًا، وارزقني اجتنابه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.