من حق الرئيس مرسى وواجبه أن يستمر فى عضوية الإخوان المسلمين، وأن يظل رئيسا لحزب الحرية والعدالة. لا يوجد فى الدول الغربية الديمقراطية العريقة فى ديمقراطيتها شروط أو تقاليد تمنع الرئيس المنتخب من البقاء منتسبا للجهة أو الحزب الذى قدمه للمنصب السياسى، رأينا ذلك فى فرنسا. ساركوزى كان يمثل اليمين وذهب، وجاء هولاند ممثلا لليسار وحكم، وكلاهما عندما وصل إلى كرسى الرئاسة حكم الفرنسيين جميعا ولم يتخل عن حزبه أو انتمائه، والأمر نفسه يحدث ويتكرر فى إنجلترا وأمريكا وإسبانيا واليونان وإيطاليا وألمانيا والدول الإسكندنافية وتركيا.. أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية، وجول عضو فى اللجنة العليا للحزب، وكلاهما ينتمى إلى الحركة الإسلامية الرئيسية فى تركيا المعروفة باسم الحركة النورسية أو أتباع سعيد النورسى، وهى حركة إسلامية متعددة التيارات، ولكنها تضم معظم الأحزاب والتجمعات الإسلامية التركية، وخرج منها معظم القادة الإسلاميين الأتراك، ولم يطلب العلمانيون الأتراك من قادة الدولة المنتمين إلى العدالة والتنمية أن يقطعوا صلاتهم أو أواصرهم بالحزب أو الحركة الإسلامية الأم! أساتذة الابتزاز والانتهازية فى بلادنا استخدموا مصطلحات السطو والاستحواذ والتكويش والهيمنة والسيطرة ليخيفوا الحركة الإسلامية التى صوّت لها الشعب، ويبثّوا الرعب فى قلوب المصريين من الإسلام والمسلمين، مع أن الشعب المصرى هو الذى صوت لهم، ومنح الثقة لمن يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثقة فى أنهم سيعدلون، وسيطهرون أرض الكنانة من الفساد والمفسدين، ومن بينهم هؤلاء الابتزازيون الانتهازيون.. وسيبنون مصر الحلم الجميل الذى تسوده الحرية والكرامة والقيم الإسلامية الإنسانية! لا ريب أن الابتزازيين الانتهازيين من مشارب مختلفة؛ شيوعية، ناصرية، ليبرالية، علمانية، خدمة كل العصور، وقد نجحوا إلى حد كبير فى ترويع الشعب المصرى، والإسلاميين فى قلبه، وتهديد حلمهم الجميل الذى انتظروه طويلا، بعد ما أسقطوا النظام المستبد الفاشى. لقد وضعوا فى أذهان الناس استحالة عودة التوازن إلى الدولة والحكومة، وتحريك عجلة الإنتاج والعمل، ولم يكن تعطيل الانتقال إلى حياة ديمقراطية مستقرة، ومحاولات تفجير لجنة الدستور، ورفع الدعاوى لحل مجلسى الشعب، والشورى، والتشويش على خطوات الرئيس، والتربص بكل كلمة وتصريح وسلوك إسلامى، وتأويله تأويلا شيطانيا، فضلا عن قاموس البذاءة والشتائم وقلة الأدب مع شخص الرئيس وأسرته وقادة العمل الإسلامى، والسخرية من لحاهم، وتضخيم الحوادث الفردية، بل واختلاقها إلا تجليا من تجليات الابتزاز الرخيص والانتهازية الوقحة، ما ترتب عليه تطويل الفترة الانتقالية وزيادة خسائر مصر الاقتصادية، وبث اليأس والإحباط فى النفوس والقلوب. لقد كان حل مجلس الشعب ضربة قاسية للثورة، وأيضا الإعلان المكمل، وحل اللجنة التأسيسية للدستور، وصار اللعب بإرادة الشعب التى عبر عنها فى انتخابات حرة نزيهة لم تعرفها مصر من قبل؛ عملا مشينا بكل المقاييس، وكان الابتزاز والانتهازية وفرض الوصاية على الأغلبية الساحقة جريمة لم تحدث فى أية حالة ديمقراطية احتكم فيها الشعب إلى صندوق الانتخابات، وكانت إرادة الناس جلية ساطعة برفض العلمانية والتغريب والشيوعية وشبيهتها الناصرية، ولكن الأقلية الفاشية اخترعت ما يسمى رهاب "الأسلمة"، ولما وجدوا أن الأسلمة سترتد عليهم وبالا، اخترعوا ما يسمى بالأخونة، كى يخيفوا الناس من خطر مجهول غير معروف، وهو ما واجهه الجمهور بكثير من الطرائف والنكت على مسمى الأخونة، ولكن المسألة فى النهاية أنتجت نوعا من الخوف أو الجزع لدى الطرف الإسلامى حاول أن يواجهه ب "الطبطبة" أو بما يسمى تأليف القلوب، والتنازل عن حقوق كثيرة فى مقدمتها تعيين المسئولين الكبار فى الوزارات والمحافظات والإدارات والصحافة والإعلام من كفاءات التيار الإسلامى، فتعيين وزير إسلامى أو محافظ يثير ثائرة الجبهة الابتزازية الانتهازية، مع أن الشعب قال كلمته صريحة قاطعة وصوّت للإسلاميين كى يقودوا مسيرته فى الإدارة والعمل والإنتاج.. والشعب أقوى من أية سلطة أو جهة فى الوطن، ودعمه لمن انتخبهم أقوى من العالم كله. لماذا إذن يمضى الإسلاميون على نهج المؤلفة قلوبهم مع هؤلاء المبتزين الانتهازيين الذين رفضهم الشعب ولم يصوت لهم؛ تحت مسمى التوافق، وحجة أن فصيلا واحدا لا يمكن أن يعمل وحده؟ المسألة ليست كذلك، فالفاشلون لا يحق لهم أن يعطلوا حركة المجتمع، ويوقفوا إنتاجه، ويخرّبوا اقتصاده، ويحرّضوا على السلطة المنتخبة! ثم إنهم لم يعلنوا أبدا تصالحهم مع الديمقراطية ولم يقروا بحق السلطة المنتخبة فى القيادة والحكم أو تعاونهم معها من أجل الوطن، وما زالوا حتى اليوم يسبّون ويشتمون ويعطلون ويدّعون ويكذبون، ثم إنهم يحاربون التصور الإسلامى – جريمتهم الأكبر - جهارا نهارا، ولا يخافتون بهذه الجريمة فى مصر الإسلامية. لن يرضى الشيوعيون والناصريون والليبراليون والعلمانيون والمرتزقة عن الإسلام والمسلمين مهما قُدّم لهم فى سياق سياسة تأليف القلوب التى يتبعها الطرف الإسلامى، لأنهم أصلا ليسوا على استعداد لإعلان الهدنة مع الإسلام، ولا التآلف مع المسلمين، أو القبول بالديمقراطية التى لم تأت بهم. ومن المفارقات أن الطرف الإسلامى يهمل الكفاءات الإسلامية التى يمكن أن تكون معادلا أو شريكا على الأقل لكسر حالة الابتزاز والانتهازية، ولعل ما جرى فى لقاء الرئيس مع المثقفين والفنانين فى 6/9/2012 خير مثال، فقد اكتفت الرئاسة بدعوة من لا يتصالحون مع الإسلام ولا المسلمين، ولم تدع مثقفا إسلاميا واحدا ليكون فى اللقاء الذى تشابه مع لقاء هؤلاء مع المخلوع فى 30/9/2010. مع أن الأمر لم يكن يكلف الرئاسة عبئا عظيما، بل كان سيخفف عنها عبء الأسئلة السخيفة والأفكار المريضة التى يحملها كهنة آمون! إن من يتم تأليف قلوبهم ليسوا على استعداد للمهادنة – مجرد المهادنة – لأن هناك من يشجعهم ويمولهم، ويعدهم بالمن والسلوى فى ظل غياب الإسلام! متى تنتهى سياسة تأليف من لا يُؤلف، ومتى تتم أسلمة الوظائف والمناصب برجال شرفاء لا يسرقون ولا يُفسدون؟