جمال سلطان مع مطلع شمس كل يوم جديد يزداد المواطن العربي يأسا من وجود العدالة في بلاده ، ويزداد تشككا في مصداقية ونزاهة مؤسساته الوطنية ، السياسية والقضائية وغيرها ، وتأتي واقعة انتحار أو نحر وزير الداخلية السوري غازي كنعان كشاهد جديد على هذه المحنة التي يعيشها المواطن العربي ، لطالما عرف لبنان جرائم الاغتيال والقتل والخراب التي كانت أصابع الاتهام فيها تخزق العين وهي تشير إلى الاستخبارات السورية ، صحفيون وسياسيون وإعلاميون وغيرهم راحوا ضحية الإرهاب الرسمي ، وكان التحقيق يتم ثم يغلق وتقيد الجريمة ضد مجهول ، المرة الوحيدة التي خرج فيها التحقيق من أيد حكومية عربية إلى أيد أخرى أجنبية ، ولجنة تحقيق دولية ، ارتبك الطغاة واهتز الجبابرة ، ولم تشر الأصابع إلى أحد ، بل طارت رأس المهيب الركن غازي كنعان الذي كان ذكر اسمه فقط يثير الفزع والرعب في قلوب اللبنانيين ، انتحار كنعان أو نحره لا يفرق كثيرا في دلالته على مجريات الأحداث ، فهو يعني أمرا واحدا ، أن خيط اغتيال رفيق الحريري يمر من عنده ، لا يوجد عاقل واحد في دنيا العرب والعجم يبتلع قصة أن وزير داخلية عربي ينتحر لأنه اكتأب من أن الأحداث في بلد مجاور لبلده لم تعد تسير وفق ما تمناه أو عمل من أجله ، ما هذا الحس المرهف الذي يتحدثون به عن الجلادين والقتلة ، هذا كلام من العيب أن يقال أو أن تحاول وسائل إعلام عربية أن تقنع به القارئ أو المشاهد ، انتحار كنعان أو نحره حدث قبل أيام قليلة من إعلان لجنة التحقيق الدولية في مقتل الرئيس الحريري نتائجها ، بما يعني أن هناك خيوطا مهمة أريد لها أن تقطع ، فغازي كنعان دونه رؤوس كثيرة في ميراث الرعب والاستباحة في لبنان وسوريا بكل تأكيد كان يفترض أن الاتهامات ستمر عليهم أولا قبل أن تصل إذا وصلت إليه ، وفي هذا الملف تحديدا لا يوجد من رأس بعد غازي كنعان في سوريا سوى رأس واحدة ، وهذا هو الخطير ، وهذا هو الذي تحدث به وزير خارجية إسرائيل أول أمس بوضوح وشماتة وصراحة متناهية ، ولا شك في أن الكثيرين في العالم العربي والخارجي يدركون ما أدركه وزير خارجية دولة الاحتلال ، وإن كانت البجاحة لم تصل بهم إلى حد الإعلان الصريح عن المعاني ، وبدون أي شك فإنه رغم ما حدث ، فإن رأس كنعان الطائرة لن تكون آخر الرؤوس ، بل ربما تكون قد زادت من إصرار اللجنة الدولية على الوصول إلى الحقيقة كاملة ، وأيا كانت الرأس التي تنتهي إليها ، السؤال المحرج هو : ترى إذا كانت التحقيقات التي جرت في مأساة اغتيال الحريري في يد مؤسسات عربية محلية ، وقضائنا المستقل النزيه !!، هل ترى كان يحلم لبناني واحد أو سوري واحد أن تطول نيرانها رأسا بحجم ومستوى رأس غازي كنعان ، أم أنها سوف تنتهي بإعلان رسمي رصين متزن بأن التحقيقات لم تصل إلى اليقين في تحديد الخونة والمجرمين الذين ارتكبوا هذه الجريمة النكراء ! ، وهل علمت حكوماتنا لماذا يصبح أمل الشعوب في العدالة والشفافية في بلادنا مرهونا بوجود مؤسسات أجنبية ، سواء لرقابة الانتخابات النيابية والرئاسية ، أو لمتابعة التحقيقات في القضايا ذات الحساسية والتي يدخل أشخاص في السلطة طرفا فيها ، وبدون هذه الرقابة الأجنبية مع الأسف تصبح الأمور كلها محض زور وباطل ودجل سياسي . [email protected]