ولد الإمام الشيخ "العز بن عبد السلام" في دمشق عام 578 ه ، عاش في الشام، ثم في مصر، وعايش ظروفا سياسية و اجتماعية تشبه إلى حد كبير تلك التي تكابدها الأمة العربية و مصر خاصة هذه الأيام . حيث عايش دولة بني أيوب التي أنشأها صلاح الدين، وكانت دولة قوية، ولكن في آخر عصرها تنافس أمراؤها على الملك، وأصبح بعضهم يقاتل بعضًا، حتى لجأ بعضهم إلى التحالف مع الصليبيين من أجل أن يتفرغ لقتال إخوانه، وبني عمه، ثم كان في آخر دولتهم أن حكمتهم امرأة (شجرة الدر)، كانت في الأصل جارية من أصل تركي ، حيث أخذ الوزراء "المماليك" لها البيعة ، و نقش اسمها على النقود ، بالعبارة التالية " المستعصية الصالحية ، ملكة المسلمين ، والدة خليل أمير المؤمنين" ولأول مرة في تاريخ الإسلام يملك المسلمين امرأة، غير ان المصريين امتعضوا من وجود "سيدة" ، تتحكم في رقاب الأمراء و الكبراء و السادة ، و غضبوا غضبا شديدا ، و خرجت المظاهرات غاضبة تستنكر ، هذا الحضور و النفوذ السياسي الكبير ، لسيدة من سيدات القصر ، و قاد المعارضة العز بن عبد السلام ، ووقف وسط جموع المتظاهرين ، منددا بجلوس امرأة على عرش مصر ، مبينا أن هذا الجلوس مخالفا للشرع الحكيم ، سيما بعد أن شعر المصريون بالاهانة ، من رسالة التوبيخ التي وجهها الخليفة العباسي ببغداد للنخبة السياسية المصرية في ذلك الوقت قائلا فيها " إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلاً". و أصر المصريون و على رأسهم قادة الانتفاضة و الممثلة آنذاك ، في الامام العز بن عبد السلام و من حوله كبار العلماء و الشيوخ ، على ان تتخلى شجرة الدر عن المنظرة أمام العالم ، و الحديث باسم الشعب المصري ، مما اضطرها إلى التنازل عن الحكم بعد ثمانين يوما من ولايتها ، للأمير عز الدين ايبك ، و الذي تآمرت عليه فيما بعد و قتلته ، ما حمل المصريين على الفتك بها و قتلها و القائها من فوق أسوار القلعة . و المثير للدهشة أن الشيخ العز بن عبد السلام ، عايش أيضا ظروفا شهدت تفاصيل كثيرة قريبة جدا من موقف بعض الزعماء العرب المهادن و المتخاذل مع العدو الإسرائيلي الآن ، و المتواطئ مع العدوان الأمريكي على العالم الإسلامي . فماذا فعل و كيف كان موقفه ؟: عندما كان العز. في دمشق كان يحكم الأخيرة "الملك الصالح إسماعيل" من بني أيوب، فولّى العز.بن.عبد.السلام خطابة الجامع الأموي، وبعد فترة قام الملك الصالح إسماعيل بالتحالف مع الصليبيين، على قتال ابن أخيه الصالح أيوب في مصر وانتزاعها من يده وأعطاهم الصالح إسماعيل حصن الصفد والثقيف وسمح لهم بدخول دمشق لشراء السلاح والطعام وعندها غضب العز وصعد المنبر وخطب الناس خطبة عظيمة وأفتى بحرمة بيع السلاح للفرنجة وحرمة الصلح معهم ثم قطع الخطبة عن الصالح إسماعيل وكان ذلك بمثابة إعلان للعصيان العام وقال في أخر خطبته اللهم أبرم أمر رشد لهذه الأمة يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر بالمعروف وينهى فيه عن المنكر .. ثم نزل. وعرف الملك الصالح إسماعيل أنه يريده، فغضب عليه غضبًا شديدًا، وأمر بإبعاده عن الخطابة، وسجنه، وبعدما حصل الهرج والمرج، واضطرب أمر الناس، أخرجه من السجن ومنعه من الخطبة بعد ذلك . وخرج العز.بن.عبد.السلام من دمشق مغضبًا إلى جهة بيت المقدس فأرسل إليه الصالح اسماعيل رجلاً من بطانته وطلب منه ملاطِفْهُ العز وملايِنْتهُ بالكلام الحسن، و ان يعرض عليه الاعتذار للملك ، ويعود إلى ما كان عليه، فذهب الرجل إلى العز وقال له: ليس بينك وبين أن تعود إلى منصبك وأعمالك وزيادة على ما كنت عليه، إلا أن تأتي وتُقَبِّل يد السلطان لا غير، فضحك العز ضحكة الساخر وقال: "يا مسكين، والله ما أرضى أن يُقَبِّلَ الملك الصالح إسماعيل يدي فضلاً عن أن أُقَبِّلَ يده، يا قومُ أنا في واد، وأنتم في واد آخر، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به". قال: إذًا نسجنك، فقال: "افعلوا ما بدا لكم". فأخذوه وسجنوه وظل على فتواه ، و لم يجد معه سيف السلطان و لا ذهبه . أروي هذه الحكاية ، وفي الحلق غصة و مرارة مما آل إليه حال شيوخ اليوم من مداهنة السلاطين و الطواغيت و السكوت عن الحق و حسبنا الله و نعم الوكيل . [email protected]