الموسم يبدأ منتصف سبتمبر إلى نهاية أكتوبر.. السكوتى والبرتمودى أفضل الأنواع بعد الحصاد.. يخضع البلح لعملية تحصين تحميه من السوس.. وسوق العبور وطنطا المقصد الأهم للتجار «دلي يادلي يادلي يا دلي... والبلح طايب ومحلي.. والبلح طايب على نخله.. والخولي بيقولي تعال دلي.. آه آه آه يا دلي»، بهذه الأهزوجة يستقبل الأهالي فى محافظة أسوان موسم جني البلح كل عام، فكما تزدان شجرات النخيل بالأحمر والأصفر منه، يزدان الفضاء الفسيح بالأهازيج والأغاني إعرابًا عن السعادة التي تغمرهم بحلول الموسم المنشود، فللبلح مكانة عندهم لا تضاهيها مكانة محصول آخر، لأنه مصدر الرزق الأكبر والسعادة الدائمة، هكذا يقولون. الموسم يبدأ منتصف سبتمبر إلى نهاية أكتوبر «جني البلح بيبدأ في منتصف شهر سبتمبر إلى أواخر شهر أكتوبر»، يقول المعلم يسري السيد أحد تجار البلح في أسوان ل«المصريون»، وبينما هو ممسكًا بالعنقود أو ب«السباطة» ليخلص منها البلح، يضيف: «يوجد نخل يستوي قبل هذا الموعد ب 10 أيام أو أقل في بعض الأحيان.. نسمي هذا النوع بالبداري لأنه يستوي مبكرًا.. إلا أن الموسم الحقيقي يبدأ كما ذكرت لك فى منتصف شهر سبتمبر». تُعد محافظة أسوان من أشهر المحافظات إنتاجًا للبلح، حيث إن التمر الأسواني من الأطعمة الرئيسية على موائد المصريين فى شهر رمضان الفضيل. ومن أبرز أنواع التمر التي تنتجها المحافظة «السكوتي» و«البرتمودي» و«الشبح» و«القنديلي» و«الملكابي». وعلى الرغم من انتشار مزروعات مميزة أخرى بأسوان مثل المانجا والدوم، فضلًا عن تجارة المواشي الرائجة، إلا أن البلح له مكانة خاصة في أسوان، ينتظره الفلاح والتاجر على السواء. يتحدث «يسري» عن عمله وغيره في الاتجار بالبلح: «هنا ننتظر موسم البلح من العام للعام.. البلح كله خير وقرشه فيه بركة.. غير المانجا وغير الدوم وغير أي محصول آخر.. نحن نقول كلمة هنا معروفة بيننا، وهي إن تجارة البلح لا تخسر أبدًا.. حتى فى وقت الكساد نكسب الحمدلله وإن لم يكن كثيرًا ولكننا نكسب ونرضى». فى الصباح الباكر، يتوجه رفقة العمال إلى الحقل: «نحاول إنجاز العمل قبل سخونة الجو، تعلم جيدًا أن درجة الحرارة مرتفعة في أسوان،0 خلال هذه الأيام هي أقل منها فى أوقات سابقة لكنها ساخنة على كل حال». يكمل «يسري»: «يعتمد العمل على عامل مهمته الصعود للنخلة، وهي مهمة شاقة، تعد الأصعب غالبًا، حيث إنها تعتمد على قوة العضلات والحضور الذهنى فضلًا عن المهارة في جني المحصول.. سباط البلح هنا متداخل مع الجريد بشكل معقد، على خلاف ما هو شائع بالوجه البحري ما يُصعب من المهمة، فور إنزال البلح يقوم العمال بتجميع المحصول.. عدد العمال على حسب ما ننوي جمعه فى اليوم الواحد.. مهمة العمال تجميع المحصول والحرص على عدم إلحاق الضرر به». مهمة شاقة لكنها ممتعة يتسلق «سراج ركابي» النخل بمرونة واضحة، يثب على النخلة ويصعد لأعلى، يجهز العمال الأرض من تحته، ما إن يصل إلى البلح وقبل أول ضربة يسمي الله ثم يشرع في الجني. يقول «سراج ركابي»: «الصعود للنخل عمل شاق، لكن يمكنك القول بأني اعتدت عليه وأستمتع به أيضًا، أمارس هذه المهنة منذ كنت طفلًا صغيرًا مع والدي، أواجه صعوبات بالطبع خاصة موجود نخل عجوز.. هكذا نطلق عليه.. نخل عجوز.. يقول آباؤنا إن عمره أكثر من 100 عام». يضيف: «بالطبع جذع هذا النوع من النخيل مهترىء مع احتمال سقوطه في أي وقت.. كما أن سباط البلح ينبت وسط الجريد الذي يحتوي بدوره على شوك بشكل مكثف، هنا النخل كما ترى يختلف عن نظيره في الوجه البحري، هناك يتم تقليم النخل وصولًا ل السباط، كما أنهم يعتمدون فى الصعود باستخدام حبل، أما هنا فالأمر مختلف حيث لا يتم الاستعانة بأي شيء أثناء الصعود للنخلة أو جني المحصول». يتميز البلح الأسواني باحتوائه على نسبة سكريات عالية، كما أن اتسام المحافظة بجفاف الجو وعدم وجود رطوبة يُكسبه درجة تجفيف كبيرة مقارنة بغيره، بالإضافة إلى أن هناك عدة أصناف مميزة لعل أبرزها «السكوتي» والبرتمودي». ينتهى العمال من «القطيع» أي جمع المحصول، ثم يتم شحن البلح عبر أجولة أو صندوق «طاولة» إلى أماكن التجفيف وهناك تبدأ المرحلة التالية. أرض فسيحة خالية من أي شيء عليها، محاطة بسور عال من جميع جنباتها، يطلقون عليها اسم «الحوش» أو «المسطح» يصل إليها العمال بعد عودتهم من الحقل ويبدأون فى «فرش» حصيلة اليوم. تجفيف البلح يقول «مجاهد أبو تليس» المسئول عن عملية التجفيف، «بعد العودة من القطيع تبدأ مرحلة التجفيف، هذه المرحلة لا تقل في الجهد والأهمية عن سابقتها، حيث ننثر البلح على الرمل بعد تنظيفه جيدًا، مع الحرص على عد اختلاط الأنواع بعضها ببعض، ويظل البلح على هذه الحال إلى فترة قد تمتد لشهر ونصف». ويتابع: «خلال هذه الفترة يكون العمل مع البلح الموجود في الأحواش عن طريق تقليبه بحيث تضربه الشمس من جميع نواحيه، وعندما نتأكد من أنه جف تمامًا نبدأ في تخليصه من الشوائب، يجلس العمال ويعكفون على تنقية البلح مما قد يكون قد اهترأ منه أو تعرض للعطب خلال فترة التجفيف». ويضيف: «أواخر شهر نوفمبر نكون قد انتهينا من كل هذه الأعمال، يعقب ذلك عملية التخزين، نعبئه فى الأجولة المصنوعة من الخيش، هذا العمل رتيب لكنه مسلي، نكون قريبين من بعضنا ونتسامر، خاصة أن العمل يكون في المساء عادة، فى أيام صبانا كنا نترك البلح مفروشًا على الأرض دون حراسة، ولم نكن نحتاج إلى أسوار للحماية، الوضع الآن تغير ولم يعد الحال مثل ما مضى، فالسرقة ستكون مصير من يفعل ذلك حاليًا». يُخزن التجار البلح في الأجولة حتى يحين موعد شحنه للأسواق في القاهرةوطنطا في شهر شعبان ورمضان من كل عام، وخلال هذه الفترة يتعرض البلح لعملية تحصينية يقوم بها التجار لحمايته من السوس خاصة إذا كانت مدة التخزين طويلة. سوق العبور وطنطا الأهم «يعد سوق العبور وسوق طنطا الأهم بالنسبة لنا»، يعود «يسري» ليلتقط طرف الحديث مرة أخرى، ويوضح: «فى السابق كنا نشحن البلح لمنطقة الساحل وروض الفرج بالقاهرة، عند تحويل السوق للعبور تحولنا نحن بالتالي إلى هناك، سوق العبور هو الأهم بالتأكيد، لكننا نشحن البلح لسوق طنطا كذلك، وعلى الرغم من عدم تمتعه بشهرة كبيرة إلا أن حجم البلح الذي نورده إلى هناك كل عام ليس بالقليل». يؤكد «يسري» أن سمعة البلح الأسواني طيبة فى السوقين، نظرًا لما سماه ب«الجودة» التي يقل نظيرها في غيره، ولعل أبرز ميزة هي التجفيف واحتوائه على سكريات عالية. البلح السكوتي والبلح البرتمودي «كما أؤكد لك.. هذا البلح مميز جدًا.. سمعته تسبقه كما يقولون.. في السوق ينتظرون وصولنا كل عام.. وما إن نصل حتى يبدأوا فى التوافد علينا»، يقول يسري هذه الكلمات مزهوًا في تباسط يغلب عليه مرح أبناء البلد البسطاء. يعود ويشرح: « الناس تحب نوع السكوتي.. هذا النوع هو سلطان البلح.. شهرته واسعة وله مكانته التي لا تنزل أبدًا خاصة ما كان منه في النخل العجوز.. أصل هذا النخل يعود للسودان حتى اسمه ينتمي إلى قرية هناك.. سعر كيلو السكوتي يبلغ نحو 20 جنيهًا.. والبرتمودي أيضًا من الأصناف المميزة وهو بنفس سعر السكوتي.. وهناك أنواع أخرى مثل الشبح والقنديلى والفاخر».