أهم الأعراض: احمرار الجلد.. وأبرز التداعيات: فشل كلوى وكبدى.. ولا يوجد مستشفى متخصص فى مصر مرضى: «المرض بينهش أجسامنا بالبطىء.. وما بنعرفش غير فى وقت متأخر» "بركان ثائر بالحمم ينتظر سقوط أحد الأعضاء ليبدأ مهاجمته، وعادة ما يهاجم الجهاز المناعي بتكوين أجسام مضادة تتسبب في تكسير العديد من كرات الدم البيضاء، وبعدها يبدأ فى مهاجمة الأعضاء، فيسبب الفشل الكلوى وتليف الكبد، وفى بعض الحالات قد يتطور الأمر ويؤدى إلى الوفاة مباشرة بعد إصابة القلب. إنها معاناة يعيشها المصابون بمرض "الذئبة الحمراء"، الذي لايعرفه الكثير، لكنه أشبه ب "القاتل الصامت"، إذ أنه ينهش الأجساد في صمت، في ظل ارتفاع تكلفة العلاج، وعدم وجود مستشفى متخصص في علاج المرض اللعين الذي لا يقل خطورة على السرطان، بحسب أطباء. آلاف المرضى ينهش المرض أجسادهم الهزيلة، ساعد على ذلك عدم وجود تكنولوجيا حديثة لتشخيص المرض في مرحلة متقدمة، قبل أن ينتشر في الجسم ليقضي على ما تبقى منه، فضلًا عما يتكبدونه من عناء نتيجة نظرات الناس لهم وردود الفعل التي تزيد معاناتهم، فهناك من يطلّق زوجته المريضة لعدم قدرته على دفعه تكاليف العلاج، وآخر يترك دراسته للعمل من أجل توفير ثمن العلاج باهظ الثمن. رباب: «بنموت بالبطىء وبندوب حتة حتة» تقول رباب يونس، مريضة ب "الذئبة الحمراء"، إنها تعاني الأمرين للحصول على جرعة دواء تعالج الأعراض، وتحد من خطورة المرض. وطالبت بإنشاء مستشفى متخصص في علاج مرض "الذئبة الحمراء"، متسائلة: "ليه ميكنش لينا مستشفى زى "57" ويكون متخصص فى أمراض الروماتويد وأمراض المناعة الذاتية، إحنا بنحتاج تخصصات كتير والأدوية غالية جدًا، يعنى الموضوع مش مقتصر على الجلدية بس". وأضافت: "أقل واحد فينا بياخد كورتيزون، وبيصرف ما لا يقل عن 1000 جنيه شهريًا للعلاج ده غير الكشوفات اللى ثمنها يكسر الضهر، لأن لو عاوز تتشخص صح وتاخد علاج صح، ويجيب نتيجة يبقى لازم دكتور شاطر، وأقل تمن كشف هيكون 300 جنيه فيما فوق، كل دى مصاريف محدش يقدر يتحملها، وفيه حالات بتحتاج تدخل جراحى لتغيير مفصل أو حقنة". وتابعت متحدثة عن معاناتها مع المرض: "بنموت بالبطىء وبندوب حتة حتة ونتألم فى صمت، تايهين ومفيش توعية بالمرض، لا للمريض نفسه ولا حتى للأسر، ولحد دلوقتى فيه ناس متعرفش يعنى إيه ذئبة حمرا، المجتمع كله محتاج دعم وتأهيل نفسى، يا ريت الجهات تتولى الأمر أو حتى المنظمات المجتمعية". زوجى طلقنى لعدم قدرته على العلاج "جوزى طلّقنى بسبب تكاليف العلاج، ودُخت السبع دوخات عشان أعرف عندى إيه، ولما عرفت كانت الكلى باظت.. والتأمين مش بيغطى العلاج"، هكذا تروي "عفاف" مريضة ب "الذئبة الحمراء"، والبالغة من العمر 34 سنة. تروي تفاصيل المعاناة، قائلة: "ظهرت بعض البقع الحمراء فى الوجه، لم يخطر ببالي أنها أعراض الذئبة الحمراء، خصوصًا إن مفيش حد عنده معلومات عنها، ولا حتى أعراضها، فقلت يمكن شوية حب شباب وهيروح لحاله". تضيف: "بعد مرور عام من الإصابة قررت الذهاب إلى طبيب أمراض جلدية فى قريتي الدكتور قال لى دى زيادة فى الهرمونات، وإدّانى علاج يظبط الهرمونات على أمل إن البقع تختفى، فضلت 6شهور ماشية على العلاج، ومفيش فايدة، قلت أغير الدكتور وأروح لواحد تانى، ولما رحت قال لى ده حب شباب، وعلى حالى ده فضلت 4 سنين أروح من دكتور للتانى، ومحدش عارف يشخّص حالتى إنها ذئبه حمرا". وتتابع: "لم أكتفِ بأطباء الجلدية فقط، بل قررت الذهاب إلى أطباء المخ والأعصاب والباطنة، دخت السبع دوخات، وفى الآخر عرفت إن عندى ذئبة، وقتها الدنيا اسودت فى وشى، مبقتش عارفة أعمل إيه ولا أروح فين، وكل ما أسأل عن مستشفى خاص بالمرض ده، يقولوا مفيش للمرض ده مستشفى، وشوية يتقال ده مرض وراثى، وشوية يتقال حالة نفسية بتيجى مع الاكتئاب، لكن أيًا كان السبب، فالمرض ده بيرفع الضغط، وبيضرب الكبد وبيوصل فى بعض الحالات لتليف ده غير الكلى، معظمنا بيغسل كلى". وجاءت الصدمة الكبرى، كما تروي عن مرحلة ما بعد اكتشاف المرض: "جالى فشل كلوى، بسبب الأدوية الكتير اللى أخدتها، قبل ما أعرف حالتى، فبقيت محتارة أغسل ولا أحارب البركان اللى فى جسمى، بعدها جوزى راجل أرزقى على باب الله، ومفيش مصادر دخل لينا، ولا حتى يقدر يتحمل مصاريف علاجى، فطلقنى، وبصراحة عنده حق، ما هو هيعمل إيه ولا هيصرف على مين ولا مين، على الولاد ولا على مرضى". تواصل عفاف الحديث عن معاناتها، قائلة: "الأعراض متشابهة مع أمراض تانية وده فى حد ذاته ما يعتبرش مشكلة كبيرة يعنى، لكن بالنسبة للذئبة الحمرا فدى مشكلة، لأن مفيش اهتمام كبير بيها، ولا فيه حتى أبحاث علشان تطوير العلاج، لازم يكون فيه اهتمام بينا شوية، وإحنا عددنا كبير، مش قليل". وشكت "عفاف" من أن "التأمين الصحي" لا يغطي تكلفة العلاج، قائلة: "التأمين مش بيغطى العلاج شهر واحد، لأن سعر العلبة 1000 جنيه، والتأمين ما بيجيبش تمن علبة واحدة حتى ومن غلبى بقيت باخد حبتين مع بعض من علاج الضغط، ومبتأثرش فيا، فباخد تلاتة، وكل ده بيأثر علىّ، بس يمكن الموت راحة ليّا وللى زيى، المرض وحش، والعلاج أوحش". رحلة عذاب من اكتشاف المرض لعدم القدرة على نفقة العلاج "فجأة تعبت ووقعت، أمى أخدتنى وجريت على دكتور الوحدة عندنا، وده وقتها قال ده روماتيزم وإدانى حقنة كورتيزون وحوّلنى على مستشفى الدمرداش فى القاهرة"، هكذا بدأ "مصطفى" من أسيوط سرد معاناته مع المرض. يقول مصطفى: "عمرى ما دخلت مستشفى قبل كده ولا كنت بحبها، وأول مرة أدخلها كانت بسبب مرضى، يومها كنت رايح متشال، وكان شعرى واقع وكنت أشبه بجثة متحللة، كل الدكاترة شخّصوا غلط، وفضلت على الحال ده سنين من كثرتها بطلت أعدها، ومرت الأيام والسنين، لحد ما اكتشفوا صدفة إن عندى ذئبة حمرا مش روماتيزم على القلب، كنت وقتها من كتر العلاج اللى أثر على كل أجهزة الجسم بالسالب، زى عود القصب، بعدها حولونى لقسم 12 باطنة الدمرداش، وده متخصص فى أمراض المناعة، فى البداية أخدت علاج كيماوى اسمه أندوكسان". يضيف: "المناعة ضعفت خالص وجسمى كله مبقتش أقدر أحركه، المرض قتلنى، وعملى حزام نارى مرتين، لدرجة إن جسمى كان بيبقى مهرى من البقع الحمرا". يستكمل الشاب الثلاثيني: "من سنة حصلى انفصال شبكى فى عينى اليمين، بسبب البلاكونيل، وولاد الحلال جمعولى فلوس، وعملت العملية، مقدرش أقول غير الحمد لله". يضيف: "عملوا لى سحب عينة من الكلى علشان يعرفوا المرض وصل لفين وأثر على الكلى بنسبة كبيرة ولا قليلة، وطلعت النتيجة صادمة، لما عرفتها بكيت، طلعت درجة 4 من 6 درجات، ومن وقتها وأنا باخد حقنة سعرها 2350 جنيه الناس بتساعدنى فيها من غلبى بقلل فى الجرعات علشان أوفر، لأن ظروفنا المادية ربنا وحده أعلم بيها،و قرار العلاج ليّا على نفقة الدولة 750 جنيه فى الشهر، وده مش مكفّى علبة سلسيبت واحدة لأن تمنها ممكن يوصل 1000 جنيه دلوقتى". وعن كيفية توفيره العلاج، قال مصطفى: "كنت بستلف من الناس علشان أجيب علاجى اللى تكلفته فى الشهر فوق ال3000 جنيه كحد أدنى، ده غير التحاليل والفحوصات الشهرية، وأنا مش بعالج الذئبة وبس، لا ده أنا بعالج ارتجاع صمامات القلب وهشاشة العظام والتهاب فى الكلى ده غير دهون الكبد، يعنى محتاج ميزانية كبيرة علشان أعرف أتعالج». أعراض وطرق العلاج ولمعرفة معلومات أكثر عن المرض طبيًا، يقول الدكتور حسن المنسي، المتخصص في الأمراض المناعية، إن "الذئبة الحمراء مرض مناعى مزمن يؤدى إلى مهاجمة الجهاز المناعى لأنسجة وأعضاء الجسم السليمة، كردة فعل طبيعية عند الاشتباه بوجود أى عدوى فى مجرى الدم". يضيف: "له أعراض كتيرة، يمكن أهمها وجود طفح فى الوجه بعرض الوجنتين، يشبه أجنحة الفراشة، وده بيختلف باختلاف نوع الذئبة الحمراء والتى تنقسم إلى ذئبة حمامية جهازية، وديسكويد جلدى، والذئبة الوليدية". وأوضح "المنسي"، أن "المرض لم يتم تشخيصه وراثيًا فى المقام الأول، حيث إنه لا توجد أبحاث تثبت صحة هذا الادعاء أو تنفيه: "مفيش سبب واحد للمرض فيه أسباب كتيرة البعض منها مرتبط بإصابة أحد أفراد العائلة بمرض مناعى ذاتى، إضافة إلى بعض المحفزات البيئية زى التعرض المباشر وبشكل مستمر للأشعة فوق البنفسجية". وقال الدكتور محمد عبد الكريم، طبيب أمراض جلدية، إن أكثر الأعراض شيوعًا للمرض هى الشعور بالتعب الشديد وألم وتورم المفاصل والصداع، بالإضافة إلى الطفح الجلدى على الخدين والأنف، إضافة إلى ظاهرة "رينود"، والتي تعني تحول أصابع اليد للون الأزرق مع وجود وخز عند البرد. وأوضح أن "المضاعفات تأتي بجلطات الدم والتهاب الأوعية الدموية، التهاب فى القلب، النوبات القلبية، التهاب أنسجة وبطانة الرئة، الفشل الكلوى، تغييرات فى الذاكرة، وهذه مضاعفات تحدث بشكل متكرر فى معظم الحالات". وعن طرق العلاج، يقول عبدالكريم، إن "العلاج يختلف على حسب شدة الأعراض وحجم أجزاء الجسم المصابة، وقد يشمل العقاقير غير الستيرويدية المضادة للالتهابات، كريمات الستيرويد للطفح الجلدى، الكورتيزون لتقليل الاستجابة المناعية، الأدوية المضادة لمشاكل الجلد، الأدوية المعدلة للمرض أو عوامل الجهاز المناعى المستهدفة فى الحالات الأكثر شدة".