حصلت "المصريون" على محاضرة الدكتور "سعد الدين إبراهيم" التي سيلقيها أمام مؤتمر أقباط المهجر المزمع عقده منتصف الشهر القادم في واشنطون تحت عنوان : الأحلام المؤجلة للأقباط . والتي يطالب فيها بما يراه حقوقا للأقباط ، ولكنه ينصحهم أيضا بالانخراط في العمل السياسي والابتعاد عن الدعاوى المتشددة التي تزيد الهوة مع المسلمين . إبراهيم سيتناول في ورقته مطالب الأقباط في مصر بداية من الخط الهمايوني لبناء الكنائس مرورا بتعديل الدستور إلى إلغاء خانة الدين من أوراق الهوية المصرية . الورقة ستتناول أيضا ملفات شائكة عدة ، مثل قضية "وفاء قسطنطين" وفيلم "بحب السيما" على اعتبار أنهما كانا أبرز الأحداث الساخنة التي مرت على الأقباط خلال عام 2004 والنصف الأول من 2005 ، وأثارا سجالا وجدلا واسعا وصل إلى حد التراشق اللفظي وتبادل الاتهامات بين الصحف المصرية المستقلة – خاصة الأسبوع وصوت الأمة – وجريدة وطني والعديد من المواقع على شبكة الإنترنت خاصة التي تعبر عن أقباط المهجر وداخل أروقة الكنائس . ويؤكد إبراهيم في محاضرته أن الحياة السياسية والاجتماعية للأقباط لم تشهد تغيرا كبيرا خلال العامين الماضيين ، واصفا احتجاجات الأقباط العنيفة على إسلام وفاء قسطنطين وعلى عرض فيلم بحب السيما عام 2004 بأنه ظاهرة صحية (!!) .. لأنه أعاد مطالب الأقباط إلى سطح الأحداث على حد وصفة . ومشيرا إلى أن الحكومة المصرية لم تضع تلك المطالب بشكل بارز على أولويات أجندتها ، وإنما تستخدم المسكنات والمجاملات السياسية بينها وبين الكنيسة وتترك هذا الملف المهم في أيدي الجهات الأمنية للتصرف . ويربط إبراهيم بين احتجاجات الأقباط عند عرض فيلم ( بحب السيما ) خلال 2004 وبين احتجاجات المسلمين على عرض مسرحية ( كنت أعمى والآن أبصر) رغم أن الفيلم المذكور من إخراج مخرج قبطي هو أسامة فوزي . مؤكدا أن الحراك القبطي والاحتجاجات حول الحدثين خلال 2004 أي "بحب السيما" و"وفاء قسطنطين" لا يمكن إدراجهما تحت بند "الفتنة الطائفية" ، لأن المسلمين لم يكونوا طرفا في هذين الحدثين بشكل مباشر على حد قوله، وبالتالي لم تحدث مصادمات بين الطرفين . ويرى إبراهيم في محاضرته أن عدم تحقيق مطالب الأقباط ولو جزئياً سيجعل حالة الاحتقان قائمة ودائمة ، وسيعزز من إمكانية تجدد الاحتجاجات والمصادمات في أي لحظة مادامت مطالب أو أحلام الأقباط مؤجلة !! . ولكنه يحذر في الوقت نفسه من تطرف بعض أقباط المهجر الذين لا يعلمون بالضبط تفاصيل ما يحدث في الداخل ، ويعلنون عن مواقف متشددة دون مراعاة أن إخوانهم في مصر يتعاملون مع أغلبية مسلمة .. ويعترف أن دعوة البعض ل بوش أو شارون بالتدخل لحماية الأقباط أو مطالبة آخرين بحكم ذاتي .. قد تشق صف أبناء الوطن الواحد ، وتزرع بذور الفتنة والشقاق ، ولاسيما أن التحريض المستمر لشباب الأقباط قد يحول " عنصري الأمة " إلى أعداء يتقاتلون في المدارس والجامعات والمنتديات ، ويعطي الفرصة للمتربصين في الخارج للتدخل وتقويض استقرار الوطن بحجة حماية هذا أو ذاك . المحاضرة ستتعرض أيضا إلى التجربة المصرية في التعامل مع الأقباط من خلال التعريف بمن هم الأقباط وأهم مطالبهم بإيجاز والعوائق القانونية التي تعرقل اندماجهم بشكل كامل في الحياة السياسية المصرية ، ثم تناول التشريعات المقيدة للحريات الدينية في مصر -من وجهة نظرة- بالإضافة إلى القرارات الوزارية والمراسيم السيادية سواء المتعلقة بالخط الهمايوني أو الأحوال الشخصية أو قانون الشهر العقاري الذي يعفى شهادات إشهار الإسلام من الرسوم ، حيث يرى سعد الدين إبراهيم أن مثل هذا القانون يشجع حالات إشهار الإسلام (!!) . وعلى ضوء المحاضرة يلخص سعد الدين إبراهيم أهم مطالب الأقباط من وجهة نظرة فيما يلي : 1. المطالبة بإلغاء قرارات الخط الهمايوني العتيق والذي يعود إلى القرن التاسع عشر ويتطلب الحصول على موافقة رئيس الجمهورية للسماح ببناء الكنائس ، أو حتى لإصلاح دورات المياه الخاصة بالكنائس . 2. المساواة في بث البرامج الدينية الخاصة بالأقباط في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة . والسماح بإنشاء إذاعة قبطية . 3. استعادة أراضى الأوقاف المسيحية التي كان العائد من أرباحها يستخدم لإعانة فقراء الأقباط . 4. وضع حد لعمليات إغواء الفتيات المسيحيات من قبل بعض المتطرفين المسلمين .. لإجبارهن على التحول إلى الإسلام . 5. ضمان حرية العقيدة لكل المواطنين المصريين ، ويتضمن ذلك حرية تغيير الديانة فالمسيحي يجد كل الترحيب و التشجيع للتحول إلى الإسلام ، وبالتالي فالمسلم يجب أن يكون لديه كذلك الحرية في التحول إلى المسيحية إن أراد ذلك . 6. رفع خانة الديانة من البطاقات الشخصية واستمارات طلب الوظائف حتى لا تستخدم الديانة كأساس للتمييز ضد الأقباط . 7. مراجعةٍ المناهج الدراسية والتأكد من خلوها من الإساءة إلى المسيحية والمسيحيين ، وحث الطلاب على قبول واحترام الآخر ، وإدخال مواد إلزامية في المدارس الحكومية لتعليم حقوق الإنسان . 8. الكف عن توجيه حملات الكراهية ضد المسيحيين ونعتهم بالكفار مما يخلق جوا من التعصب يسهل أن تتزايد فيه أعمال العنف ضد المسيحيين . 9. إنهاء التمييز ضد الأقباط في التعيين بالوظائف الحكومية ، وحرمانهم من الترقي للوظائف الكبرى . 10. الكف عن التمييز ضد الطلبة المسيحيين في القبول في بعض الكليات والجامعات الحساسة ، مثل كلية الشرطة والكليات العسكرية . 11. إصدار أوامر فورية لإعادة بناء قرية كفر دميان التي أحرقها المتطرفون الإسلاميون سنة 1996 و أن يكون ذلك على نفقة الدولة . 12. تفعيل وسيلة لخلق تمثيل مناسب للأقباط في البرلمان المصري . ويقترح تخصيص بعض المناطق للمرشحين الأقباط فقط . 13. المطالبة بتدريس تاريخ الأقباط ولغتهم وثقافتهم في المدارس والكليات المصرية حيثما يدرس أبنائهم وبناتهم . 14. السماح للأقباط بالانضمام بدون أي قيود لكافة الجامعات التي ينفق عليها من الأموال العامة مثل الأزهر وكليات الشرطة والعسكرية . 15. تنفيذ توصيات التقرير البرلماني الصادر عام 1972 عن مجلس الشعب والذي حدد بدقة مشاكل الأقباط مصر ، والعمل على حلول هذه المشاكل . وتركز الأوراق التي سيقدمها سعد الدين إبراهيم لأقباط المهجر على النتائج المستخلصة من قضية وفاء قسطنطين حسب تصوره لها في سرعة فتح ملف الأقباط على المستوى الرسمي ، ومحاولة إزالة الاحتقان القبطي خاصة إن واقعة وفاء قسطنطين أثبتت أن مطالب الأقباط المسكوت عنها ، قد تمثل مشكلة أمنية أكبر بكثير من التي حدثت ، مما ينعكس سلبا على استقرار الوطن . ويشير إبراهيم إلى عدم وجود حوار جاد بين قيادة الكنيسة والحكومة ، وكأن الأمر مقتصر على المجاملات المتبادلة في المناسبات المختلفة ، والدليل أن قضية "قسطنطين" قد وصلت لأعلى المستويات في الدولة –بالمصادفة- وذلك أثناء وجود محتجين من أبو المطامير – بلد وفاء قسطنطين- داخل الكاتدرائية ، والذين كانوا يطالبون بعودة وفاء إلى أسرتها ، وتزامن ذلك مع وجود " أسامة الباز مستشار رئيس الجمهورية ، ضمن المشيعين لجنازة الصحفي الراحل الأستاذ سعيد سنبل وقد وصلت إلى أسماع الباز الهتاف الشهير لشباب الأقباط " يا مبارك يا طيار قلب الأقباط مولع نار" . كما يشير إلى غياب مؤسسات المجتمع المدني خاصة الأحزاب والنقابات عن الأحداث ، واكتفاء منظمات حقوق الإنسان بإصدار بيانات ، ولم يكن هناك وجود للمجلس القومي لحقوق الإنسان وكأن ما يحدث ليس من اختصاصه .. إزاء ذلك كله تحولت الكاتدرائية في العباسية إلى ساحة سياسية لشباب الأقباط – مثلما حدث في قضية جريدة النبأ والراهب المشلوح– وتحول فناء الكاتدرائية إلى (حديقة هايدبارك) .. وهذا يعكس عدم انخراط الأقباط في الأحزاب أو عدم جذب الأحزاب للأقباط ، وعدم انخراطهم في العمل العام للنقابات وباقي مؤسسات المجمع المدني ، وبالتالي لم يجد الأقباط متنفساً للتعبير عن آرائهم سوى الكاتدرائية والشكوى إلى البابا شنودة وباقي القيادات الدينية . وفي هذا الصدد يشير إبراهيم إلى رد فعل البابا شنودة من الأحداث الذي أدى –كما يقول- إلى سرعة احتواء الغضب ، وتجلى ذلك في انسحابه احتجاجا إلى دير وادي النطرون – وهذا أغضب البعض الذي كان يطالب ببقائه في موقعه لتصريف الأمور-، وأيضا طلبه تدخل أعلى السلطات في الدولة لحل المشكلة قبل تفاقمها ، وتجلى ذلك في الإفراج عن جميع المعتقلين في قضية وفاء قسطنطين. أمام هذا التصاعد اتهم بعض المسلمين البابا شنودة بالضغط على الدولة بانسحابه إلى وادي النطرون وأنه يمثل" دولة داخل الدولة"، وطالبوا تفتيش الدير بحجة وجود قبطيات مختطفات بداخله كاد يشهرن إسلامهن . وقد تجلى رد فعل البابا شنودة أمام هذه الاتهامات في التصريحات القوية التي أدلى بها في بعض الصحف المصرية ردا على حملات صحفية متعددة ومجادلات بين الطرفين وهذا يعد – برأي إبراهيم- ظاهرة صحيحة ، لأنه رغم ما نشر من موضوعات ساخنة من الطرفين فلم تقع فتنة طائفية كما كان يحذر البعض من ذلك ، الأمر الذي كان سينعكس سلبا على الحريات العامة وتقيد الصحافة وحرية الفكر بحجة الحفاظ على أمن الوطن واستقراره .