لا يجب أن يكون هناك صك على بياض لتأييد الإخوان فى كل خطواتهم السياسية والتنظيمية وهم يرتبون أوضاع المؤسسات والأجهزة فى مصر فى إطار ممارساتهم للسلطة، فالتأييد المطلق أعمى، والمعارضة المطلقة سواد، وهناك مساحة بينهما من الرؤية المستقلة المتوازنة فى تقييم خطواتهم وتحركاتهم تقول: أحسنتم، إن أحسنوا، وأسأتم، إن أساءوا. لذلك نقول إن مجلس الشورى الذى يسيطر على أغلبيته الإخوان لم يوفق فى تشكيل المجلسين: "القومى لحقوق الإنسان"، و"الأعلى للصحافة" لأن هناك مجاملات، وعدم تقدير للكفاءة والخبرة، واستبعاد وإقصاء لشخصيات وطنية محترمة مقابل تكثيف الوجود الإخوانى، وليس بالضرورة فى مرحلة بناء الثقة واختبار شعارات أن الإخوان يعملون لخير مصر والمصريين وليس لخير الجماعة وعناصرها فقط أن يتم الاستحواذ على المواقع كما كان يفعل النظام السابق من فرض رجاله وأصحاب الولاء والطاعة على كل المؤسسات والمجالس وحرمانه قوى المعارضة الجادة والشخصيات المعتبرة من التمثيل فيها، وإذا جاء بأحد من المعارضة فإنه كان يأتى بمن اصطنعهم لنفسه ليعزفوا على نفس أوتاره. اسم المجلس القومى لحقوق الإنسان يقول إنه هيئة لكل مصر وطن وشعب وإنسان، وبالتالى كان من الضرورى أن يركز فى الاختيار على الشخصيات الحقوقية التى لها خبرة وباع طويل فى هذا العمل الدقيق وليس التركيز على السياسيين وكأنه تشكيل حزبى تغلب عليه المحاصصة حسب الوصف الدقيق ل جورج إسحق الذى لم أجد اسمه مثلا فى أى من المجلسين - حقوق الإنسان، أو الأعلى للصحافة - ومع تقديرنا للمستشار حسام الغريانى إلا أنه كان ضروريًا اختيار رئيس لمجلس حقوق الإنسان غيره، ومن الأسماء التى كانت مطروحة مثلاً الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والأستاذ محمد فائق، والمستشار محمد المهدي، إذ يكفى الغريانى رئاسته للجمعية التأسيسية للدستور، وقد بدا وجود الإسلاميين بارزًا فى التشكيل على حساب شخصيات حقوقية وعامة مقدرة وموزونة وخبيرة حتى لو كانت على خلاف مع الإخوان، ولا ننسى أن المنظمات الحقوقية كان لها دور كبير فى تعرية وفضح انتهاكات النظام السابق، وكشف تزوير الانتخابات، ورفع شعارات الإصلاح والتغيير ورفض التوريث، ومواجهة وسائل القهر والقمع ومنها الاعتقالات والطوارئ والتعذيب، ولهذا لم يكن يجب بعد الثورة ومع حكم الإخوان الذين يقولون إنهم ينفذون أهداف الثورة أن يخرج تشكيل مثل هذا المجلس بتلك الطريقة التى تغلب عليها رائحة التحكم والشخصنة والتغلغل. كانت طريقة المجلس العسكرى فى تشكيل المجلس السابق مستهجنة حيث اعتمد نظرية مبارك فى المجاملة، واختيار من يدينون له بالولاء، أما طريقة الإخوان فهى لا تختلف كثيرًا لا عن المجلس العسكري، ولا عن نهج مبارك، سوى بعض التحسينات التى تجعل جوهر السياسة والفكر مازال قائمًا، لذلك أدعوهم إلى النظر أمامهم وعدم استعداء مَن لم يكونوا ضدهم يومًا بالحصافة السياسية وعدم التكويش وعدم إقصاء وتهميش الآخرين حتى وإن لم يكن لهم صوت كبير فى الشارع، فقد ثبت أن هؤلاء الآخرين صوتهم عالٍ فى الإعلام وفى منابر أخرى وهم قادرون بالفعل على التأثير على صورة وشعبية الإخوان، وهذا حصل بعد سيطرتهم على أغلبية البرلمان المنحل حيث بدأوا يتصرفون بمنطق المنتصر، وارتكبوا أخطاء كبيرة استفاد منها خصومهم فشهروا بهم وجعلوا قطاعات من المواطنين العاديين ينفضون عنهم وظهر ذلك فى انتخابات الرئاسة حيث هبطت أسهمهم لدى الناخب غير الإخوانى بشكل حاد، وفاز مرسى بالكاد، ونجح شفيق فى أن يكون قريبًا جدًا معه فى عدد الأصوات، علمًا بأنه فى الوضع الطبيعى لم يكن يجب أن يحصل شفيق على هذه الملايين من الأصوات. مع ذلك فإن تشكيل مجلس حقوق الإنسان يظل أفضل نسبيًا من تشكيل المجلس الأعلى للصحافة الذى خرج أكثر سوءًا وعبثية، فهو إذا كان يضم شخصيات عديدة محترمة، لكن الاستئثار والمجاملة الفجة واضحان فى أسماء أخرى كثيرة مع غياب رموز صحفية وأكاديمية وشخصيات عامة كبيرة ورصينة يخسر هذا المجلس بعدم وجودهم فيه. المجلس هزيل لا يليق بالصحافة المصرية ولا بالمرحلة الدقيقة التى تمر بها، ويكفى جدًا أن يكون من بين أعضائه من كانوا خدمًا للنظام السابق، ومن هم ضد حرية الرأى والتعبير، ومن ينكلون بالصحفيين، ومن كانوا عملاء لمباحث أمن الدولة وفضائحهم على رؤوس الأشهاد، وتاريخهم ومسيرتهم غير مشرفة مهنيًا وأخلاقيًا، وتكفى ثمرة واحدة فاسدة لتصيب المجلس كله بالعطب. على الإخوان أن ينظروا حولهم بعيون متسعة، وعقول منفتحة.