يعرف كل مَن عاش فترة التسعينيات حجم تيار الجماعة الإسلامية وتأثيرها على المزاج العام المصرى سلمًا وحربًا وكيف كان اهتمام وكالات الأنباء العالمية بأخبارها وكيف كانت مبادرة وقف العنف أهم حدث فكرى فى تاريخ الصحوة الإسلامية المعاصرة كما يعرف القدر الذى قدمته الجماعة فى سبيل دفع منظومة مبارك عن الإفساد فى الأرض وما لازم ذلك من تقديم الجماعة لفلذات أكبادها وخيرة شبابها الذين زينوا الدنيا بما وهبهم الله تعالى من سلامة قلب وصفاء نفس ودماثة خلق وفوق ذلك رغبة متسامقة لتقديم أغلى ما يملكه الإنسان لربه تعالى وهى فترة عصيبة عاشتها الجماعة فى صراعها مع النظام لا يسع المقام لتفصيلها ما بين تصفية جسدية، واعتقالات متكررة ومحنة إنسانية قاسية فى السجون والمعتقلات تعددت فيها أشكال محاولات إسقاط الجماعة لنظام مبارك آنذاك حتى قبل الاضطرار إلى مرحلة حمل السلاح ما بين دعوة الناس إلى فساد هذا النظام والصدع برفض ولايات مبارك المتجددة تحت شعار (لا لمبارك) يوم أن كان غيرهم يبايع تحت موازنة خاصة لديه فى تقدير المصلحة ثم مرحلة القضاء عليه شخصيًا فى أكثر من محاولة فاقت أربع عشرة محاولة.. صحيح أن ثمة (تعجلات) وأخطاء صاحبت تلك الفترة واعترفت بها الجماعة لاحقاً فى طيات مراجعاتها الفكرية غير أن تلك المراجعات لا يمكن أبداً أن ينسى معها قدر العطاء وحجم التضحيات. لقد كان تواجد الجماعة قوياً – وما زال - فى صعيد مصر خاصة فى المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وغير ذلك من مدنه التى تشتكى إلى الله التجاهل والإهمال فى مجالات الحياة المتعددة وغالب قيادات الجماعة منه ولديهم كفاءات علمية ومهنية. وحينما أعلن متحدث الرئاسة الطاقم الرئاسى للدكتور مرسى كان من المتوقع أن يكون أحد مستشارى الرئيس من تيار بحجم الجماعة الإسلامية ليس لما ذكرته من مكانة الجماعة سواء التاريخى أو الواقعى ولا لتأثيرها فى خارطة الصراع مع النظام البائد ولا لتميز الجماعة بسابق الفضل فى مواجهة مبارك وتقديم الكثير من أبنائها فى محرقة الصراع معه ولكن لأسباب موضوعية كثيرة لعل من أهمها ضرورة تواجد صوت معبر ومعايش لآلام الصعيد وآماله فى مؤسسة الرئاسة بعد أن أهمل الصعيد كثيرًا فى زمن المخلوع، كما أن حجم التمثيل البرلمانى للجماعة فى مجلسى الشعب الشورى يجعل هذا الاختيار موضوعيًا وفوق كل ذلك تجسيدًا لاعتراف الرئاسة بدورهم فى إنقاذ الثورة بمساندتها المؤثرة للدكتور محمد مرسى فى انتخابات الإعادة وقد تجلى ذلك واضحًا فى حسم محافظات الصعيد التى فاز فيها مرسى للسباق الرئاسى متناسية تمامًا ممارسات بعض القوى الإسلامية فى زمن (الاستضعاف) من محاولات السيطرة وتصدر المواقف!! فإذا كانت الدعوات قد وجهت لحركات أقل عددًا وأحدث وجودًا فى مجريات الثورة ألم يكن من الإنصاف أن تدعى الجماعة التى كان لها دور حاسم فى حماية الثورة كما دعا الآخرون؟ أخشى ما أخشاه أن تكون اختيارات الرئاسة قد خضعت لضغط الفضائيات وصالونات (التوك شو) والموازنات السياسية بعيدًا عن المهنية التى تقتضيها طبيعة العملية الاستشارية فى دعم القرار الفنى والمهنى للرئيس فى سياق اتخاذ القرار ولا شك أن للجماعة الإسلامية تراكمًَا ضخمًا بمتغيرات الصعيد وشئونه يجعل من وجود هذا الصوت ضرورة لدعم قرار الرئيس. كما أخشى أن تكون الرئاسة تسمع فقط لمن يرفع صوته أو يطالب بحقه أو يهدد بالمعارضة من أجل المعارضة أم أن حالة (نكران الذات) التى تمثلها قادة الجماعة وأصبحت لهم خلقاً قد أغرت الرئاسة بتجاهلهم وعدم اختيار مستشار منهم لاسيما وأننا أصبحنا نرى ولأول مرة توجهًا سياسيًا لا يتخذ موقفه السياسى بناءً على المصلحة النفعية (البراجماتية) ولكن يتخذه بناءً على قيم عليا ومبادئ سامية كتنازل الجماعة الإسلامية عن مقعدها فى الجمعية التأسيسية للدستور، وكذلك تبنى الجماعة مواقف الدكتور مرسى والدفاع عنها ربما أكثر من حزب الحرية والعدالة نفسه فهل فهمت (نبالة الفرسان) (وغفلة الصالحين) سذاجة سياسية لا وجود لأصحابها فى عالم الصوت العالى (والمساومات السياسية) و(الصفقات المستترة)؟