نفترض أن الرئيس محمد مرسى بادر بزيارة إيران والتقى بالقيادات السياسية والمرجعيات الدينية، ولم ينتظر دعوة نجاد, فماذا نتوقع من قائد لفت أنظار العالم فى فترة قصيرة جداً من عمر رئاسته؟ وماذا نتصور أن يتخلل هذه اللقاءات الرسمية ومدى قبولها من الجانب الشعبى؟ ومن اليقين أنها لن تكون زيارة لالتقاط الصور الإعلامية والأخذ بالأحضان فقط. فإذا تعمقنا بشكل أوسع فإننا نرى دهاء وحنكة وصرامة مرسى لن تقوده إلاَّ إلى مصالح كبيرة يرجو من خلالها خدمة دينه ووطنه ومواطنيه.. بالإضافة إلى حبه السامى لتحقيق حلم الثورة العدل والمساواة وتوفير كلما من شأنه تلبية احتياجات الشعب للعيش برفاهية الضروريات، التى تساهم فى نسيانه ماضيه مع الحكومة السابقة, وحاجة الوضع الراهن للأمن والأمان، والاستقرار، وقطع الطريق على من تسول له نفسه إرهاب المواطن واستعادت هيبة رجل الأمن لإدارة أعماله ومسئولياته, وإسكات الألسن عن التطاول على القيادات من الداخل والخارج, وفى المقام الأول العودة بمصر إلى الصدارة فى صنع القرار العالمى والتخطيط لاستراتيجيات المستقبل، والخروج من مضيق التبعية، التى أقحمت فيها من أجل المصلحة الشخصية البحته، إلى السيادة والريادة المطلقة التى تتناسب مع تاريخ مصر وحضارتها المفعمة بالإرث السياسى والعلمى ونبذ ما يملأ، وإلغاء كلمة حاضر يا فندم من قاموسها السياسى، وهذا ما يسعى إليه قائد المسيرة المصرية المستقبلية.. وهذا ما ينبغى أن يتصوره الجميع لشخصية العصر.. إلى هنا أعتقد الرؤيا واضحة, فلا خوف ولا وجل من هذه الزيارة ولن تنقص من مقام مصر أو مقام رئيسها. إن مؤتمر القمة الإسلامى الأخير خلق مناخًا لتفهم الأوضاع المتردية التى تعيشها الأمة الإسلامية، والتى أدت إلى زيادة الفرقة والشتات فى الرؤيا، وأصبحت مطمعًا للأعداء لتصدير أفكارهم، والعزف على أنقاض التفكك الإسلامى، والتمهيد للاستعمار الفكرى الذى يُعدُ أقوى من استعمار الأرض.. ولا شك أن النية من ذلك تصفية النفوس، وتنقية الأجواء من وباء الحقد والكراهية، وخاصة التى تسود سماء المذاهب الإسلامية، ومنها المذهب الشيعى، ويؤكد ذلك اقتراح خادم الحرمين الشريفين، هذا القرار التاريخى الذى توافق مع رغبة قادة الدول الإسلامية بإنشاء مركز حوار المذاهب الإسلامية بالعاصمة (الرياض) لتقريب وجهات النظر وتوافق بعض المسائل الخلافية لتوفير مساحة للمصالحة بين المرجعيات الدينية وقبول الطرف بالطرف الآخر وإغلاق باب الفتنة بين أبناء الأمة الواحدة، وترسيخ روح الأخوة الإسلامية، وتعزيزها والوصول إلى كلمة سواء، وإخماد نار الفتنة الطائفية فالحاجة اليوم للصفح والتسامح والتعاضد بين الدول الإسلامية أكثر من أى وقت مضى وسيسجل التاريخ اسم القائد المبادر لتحقيق الوفاق الإسلامى بماء الذهب، ولا ننسى تأكيد الرئيس المصرى فى المؤتمر نفسه على ضرورة التعاون المصرى السعودى الإيرانى لاحتواء المشكلة السورية، ووقف سفك دماء الأبرياء من الشعب السورى الأعزل, دون أن يلتفت إلى مستوى تأرجح العلاقات المصرية الإيرانية، التى لم تصل إلى القطيعة النهائية ولا إلى الوفاق التام, وذلك يدل على أن قيادة مصرالحالية ستأخذ منحى آخر لإستراتيجيتها السياسية يختلف عن سابقتها بالاستفادة من الأخطاء السابقة فى ترميم ومعالجة العلاقات مع الدول بما يتلاءم مع طموحاتها لتحقيق أهدافها.. وبالتأكيد لن يتحقق التعاون الثلاثى لمعالجة الوضع السورى إلا بزيارة طهران لتكون الزيارة الأولى، والإيجابية فى بناء العلاقات المصرية الإيرانية، وتكون فرصة سانحة لإعلان الحكومة الإيرانية رفضها للمجازر، التى يتعرض لها الشعب السورى كل يوم. لاسيما أن إيران هى أيضاً فى حاجة لتقارب إسلامى موحد لما تتعرض له من ضغوط دولية أدت إلى فرض العقوبات من المجتمع الدولى رفضاً لسياستها النووية، التى تؤكد أنها لأغراض سلمية فقط، ولعل مصر تحمل لواء المصالحة الإسلامية وتبنى القضايا المهمة على المستوى الدولى بحضورها القوى، ولعلها تساهم فى الخروج بإيران من النفق المظلم، الذى يرسم بتكتيك لها، ولضرب القوى الإسلامية لإفساح الطريق لبسط الهيمنة على دولنا فى وجود التباغض فيما بين الدول الإسلامية، وبالتأكيد إن القيادات الإيرانية ترغب فى فتح صفحات جديدة تتوافق مع سياسة المتغيرات الحديثة، التى أفرزتها ثورات المنطقة العربية، لاسيما أن هناك من العلماء العقلاء من المذهب الشيعى لا يرضون بإشاعة الفتنة، ولا يسمحون بالتطاول على أهل السنة وآل البيت، وينتقدون من يفعل ذلك، وهذا دليل قطعى على الرغبة فى مصالحة شاملة تخدم الأمة الإسلامية بمذاهبها المختلفة فى الرؤيا المتحدة فى التوحيد لله عز وجل وسنة النبى المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.. نسأل الله أن يحقق للأمة الإسلامية، ما ينفعها ويحفظ سلامة عقيدتها الصحيحة، التى تتجلى فى الكتاب والسنة.