ملت عروس البحر معيشتها في أعماق البحار وقررت استعادة حياتها الأولي كأميرة من بني البشر قبل زواجها من ملك البحار وفي قصر أبيها الملك وجدت الأحوال قد تغيرت شاخ الوالدان وسيطر الأخ وزوجته المتعجرفة علي مقاليد الأمور وأصبح الجميع ينظر إليها ككائن غريب غير مرغوب فيه ، وهي نفسها لم تعد ساقاها قادرتين علي حملها بعد أن تحورت وتغيرت لتناسب السياحة والغطس تحت الماء ، افتقدت رائحة البحر ومناظره ولم تعد تقوي علي استنشاق الهواء اللزج في قصر أبيها فعادت وألقت بنفسها إلي عالمها الذي ظنت أن بإمكانها مغادرته وأدركت أنها لم تعد تلك الأميرة الحسناء المدللة التي كانت تحيا في رحاب قصر أبيها وأن خيوطاً كثيرة قد تقطعت بينها وبين الحياة وأن رتوشاً كثيرة قد أضيفت إلي صورتها السابقة فأحالتها صورة أخري مختلفة وأن أطرافها ونفسها وقلبها قد تحورت وأصبحت لا تصلح إلا لحياتها الجديدة. تراود فكرة البدء من جديدة الكثير من الزوجات بعد مضي سنوات طويلة من زواجها وتنظر المرأة إلي صورتها القديمة المطبوعة داخل نفسها علي أنها تعكس حقيقتها ولكنها واهمة ، فلقد جرت عليها قوانين الزمان وقواعد التكيف مع البيئة أصبحت روابطها بواقعها هي الأقوى والأجدر بالاستمرار أما الماضي فهو ذكري نستنشق عبيرها ونقول : ياااه ... كانت أياما. الماضي لا يموت إذ إنه هو الذي يرسي قواعد الحاضر ولكنه أيضاً لا يعود أبداً فالحياة تتجه دائماً اتجاهاً واحداً نحو المستقبل والمستقبل هو الذي يجب أن يستحوذ علي اهتمامنا لنزرعه آمالاً وأحلاماً ونرويه جهداً وعرقا ونعبد طريقه لأبنائنا ولأنفسنا أما الحاضر فإنه يستحق أن نجمله ونحسن صورته ونضفي عليه رونقاً يجعلنا نتقبله ونسعد به. يمتزج الطرفان في الحياة الزوجية ويأتي الأبناء لتكتمل شجرة العائلة ويصبح من المستحيل فصل أحد طرفيها إلا بإقلاع الشجرة من جذورها وتقطيع أوصالها لتصبح أخشابا وأوراقاً هشيماً تذروه الرياح. وتظهر المشكلة بوضوح في مرحلة منتصف العمر حين تراود خيال الكثير من الرجال وبعض النساء تلك الفكرة المضللة " يمكنني أن أبدأ حياة أفضل مع شريك جديد ولن أخسر شيئاً سوف أبدأ قصتي مرة أخري من أول السطر وأعيش عمري من جديد". يؤكد الواقع أن النتائج دائماً وخيمة ففي الحقيقية لا يمكنك البدء إلا من حيث انتهيت ، وأنت اليوم تساوي محصلة حياتك كلها، عمرك، وضعك العائلي ، شريك حياتك أبناءك ، صحتك ، البوتقة التي انصهرت فيها كل تلك العوامل وكل هؤلاء الأشخاص المسماة بالأسرة. لن يمكنك أبداً أن تصبح فرداً مستقلاً بلا روابط ولن يمكنك أن تعيد عجلة الزمان إلي الوراء ، وأنت لا تملك بالفعل كل مقومات السعادة ولكنك لا تستثمرها بل تنظر إليها بملل وازدراء وتركز انتباهك علي مساوئها. يمكنك البدء من جديد إذا تغيرت وجهة نظرك وتقلبت حياتك كما هي وأعدت اكتشاف مباهجها وقمت بما تستطيع القيام به في حدود إطارها. وانظر إلي الماضي بامتنان ، وإلي الحاضر بتسامح وإلي المستقبل بكل الأمل والتفاؤل.