بمعدل كل أسبوع تقريباً أو كل عشرة أيام يظهر الدكتور محمد البرادعى على الشعب المصرى بتغريدة عبر موقع تويتر يكتب فيها سطرين من سطوره الناعمة المفعمة بالطوباوية والأمانى الجميلة تعليقا على الأحداث، ثم يعود للاختفاء من جديد فى أماكن وأعمال وعلاقات لا نعرفها ولا يعرفها الشعب المصرى، شكر الله سعيك يا دكتور، وأنا أتمنى من القوى الليبرالية الجديدة أن تدرك مبكرا أن البرادعى لا يصلح لقيادة مشروع سياسى، ولا يصلح نهائيا لأن يكون قائدا شعبيا أو سياسيا، هو أقرب للمفكر السياسى أو المنظر، لكن العمل السياسى بما يحتاجه من جهد شعبى وحركة فى الشارع والميادين والمحافظات والنجوع والقرى وتواصل فعال ومتوالٍ مع المجموعات السياسية والكتل الشعبية والجهد الإعلامى المتصل وغير ذلك من "جهود" هو أبعد ما يكون عن طبيعة تكوين الدكتور البرادعى، أقول هذا من باب الحب والحرص على وجود تيار ليبرالى وطنى جديد بالفعل، يحقق توازناً فى الخريطة السياسية فى مصر، لا تضيعوا أوقاتكم، فالدستور سيتم إنجازه فى الغالب الأعم خلال شهرين، ويتم التصويت عليه خلال شهر آخر، ثم يتم الدعوة للانتخابات البرلمانية خلال شهرين بعد ذلك، أى أننا على مسافة خمسة أشهر على الأكثر من الانتخابات النيابية الأهم والأخطر فى مصر والتى قد تحدد صورة الدولة والحكومة والخريطة السياسية كلها طوال السنوات الأربع المقبلة، وهى السنوات التى ستبنى فيها دولة جديدة فى مصر، وهناك خطران كبيران على التيار الليبرالى الجديد ومستقبله ودوره، الأول هو أن يبنى آماله على "الوهم" المتمثل فى شخصية أو حضور الدكتور محمد البرادعى، والثانى هو الرهان على تحالفات طائفية ظناً منه أن ذلك يوازن بشكل سريع ومجانى نفوذ الإخوان المسلمين. الفرصة متاحة الآن للعمل والإنجاز الجماهيرى، الانتخابات الرئاسية كشفت عن أن الكتلة الصلبة "الأيديولوجية" للإخوان لا تتجاوز الأربعة ملايين صوت انتخابى أخذت معها قرابة مليون ونصف المليون صوت سلفى بفعل الانقسام الذى شهدته الحالة السلفية، وهى كتلة قوية وفاعلة وملتزمة سياسياً، لكنها تمثل أقل قليلاً من عشرة فى المائة من مجموع أصوات الناخبين، وقد اكتسب مرشح الإخوان حوالى تسعة ملايين صوت إضافية فى الجولة الثانية والحاسمة للانتخابات، كلها من خارج إطار الإخوان، من ناخبين من تيارات مختلفة رأوا أن هذا مرشح الإنقاذ للثورة وعلقوا عليه الآمال فى تحقيق طموحات الثورة، وهذه الكتلة الإضافية رخوة ومتحركة وليست أيديولوجية، وإنما كتلة سياسية، يمكن أن تتحول إلى كتلة صلبة مؤيدة للرئيس محمد مرسى وتياره إذا نجح فى تحقيق طفرات اقتصادية وأمنية وحقوقية وعزز الوجه المدنى والديمقراطى للدولة، كما يمكن أن يخسرها جميعاً لصالح أى منافس إذا عجز أو فشل فى تحقيق ذلك أو أظهر انحيازاً للإخوان على بقية قوى الوطن، وميزة الميدان السياسى الآن أنه أصبح شفافاً فى الصراع السياسى، لم تعد هناك قوة سياسية يمكن أن تراهن على "طرف ثالث" يخلط المعادلة الديمقراطية أو يزور الخريطة السياسية، ليس أمام جميع الأحزاب والتيارات الآن إلا قوة واحدة: الشعب، من نجح فى كسب ثقة الشعب وصوت ناخبيه فسوف يقود المسيرة، ومن فشل فلا مكان له، ورغم دعمى الكامل للرئيس محمد مرسى وثقتى فى قدرته على تعزيز المشروع الديمقراطى وترسيخ منطق مدنية الدولة، إلا أنى أتمنى أن يكون هناك قوى سياسية أخرى كبيرة وفاعلة وحاضرة بقوة لتحقيق التوازن السياسى الضامن لسلامة المسيرة الديمقراطية، سواء من داخل التيار الإسلامى أو من الليبراليين أو من اليسار، فبقدر ما يكون هناك توازن للقوى السياسية خاصة فى البرلمان بقدر ما تتحرك الديمقراطية بأمان واستقرار ويكون ذلك فى صالح الوطن والمواطن، وبقدر ما يكون هناك خلل فى ذلك التوازن بقدر ما تتعثر الديمقراطية وتتأزم، وفى الولاياتالمتحدةالأمريكية إذا اختار الناخبون رئيساً ديمقراطياً فالأرجح أن يختاروا غالبية الكونجرس من الحزب الجمهورى، والعكس صحيح، الديمقراطية تنضج وتتعمق وتحمى ثمارها كلما كان هناك توازن للقوى السياسية فى المجتمع، والمسؤولية هنا لن تكون مسؤولية الإخوان الذين يبحثون عن حقهم السياسى الشرعى الكامل لقيادة الدولة عبر صندوق الانتخاب، وإنما المسؤولية ستكون على أحزاب رخوة وهشة وكوادر حزبية تفتقر إلى الحماس والحيوية والقدرة على التضحية والجهد والتعب، ونشطاء استطابوا الجلوس فى استديوهات القنوات الفضائية أو تزجية أوقات الفراغ بالتسالى فى تويتر وفيس بوك .