تعيش مصر حاليًا حالة من التوهان السياسى.. وأصبح المواطن البسيط حائرًا ما بين كلام النخبة والمثقفين، الذين يؤكد معظمهم أن شيئًا لم يتغير فى مصر منذ فترة ما بعد ثورة 25 يناير وحتى الآن، ويدللون على ذلك بسوء الخدمات وانقطاع الكهرباء والمياه بشكل دائم وعودة تلال القمامة للشوارع بعدما استبشرنا خيرًا بحملة (وطن نظيف) التى دعا إليها وتبناها الرئيس محمد مرسى.. وفى المقابل يجد المواطن الغلبان تصريحات مقابلة من قيادات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة يكذبون هذا الكلام ويؤكدون أنه مجرد شائعات يروج لها الفلول وأنصار النظام السابق، وأن هناك من يحاول عرقلة مسيرة الرئيس مرسى لتنفيذ خطة المائة يوم التى وعد فيها بحل المشاكل الرئيسية التى تواجه المصريين. الواقع يؤكد أن كلا الطرفين ليس على حق بشكل كبير، فالمعارضون يبالغون فى بعض الانتقادات والهجوم على الرئيس والجماعة رغم وجود أوجه قصور وتجاوزات لا يمكن لأحد إنكارها.. وفى المقابل نجد هجومًا غير مسبوق ضد كل من يقوم بتوجيه النقد للرئيس والجماعة والمطالبة بعلاج أوجه القصور والتجاوزات.. حيث يفاجئنا البعض بالقول إن من يهاجمون الرئيس مرسى لم يكونوا يجرؤون على فتح أفواههم أيام النظام السابق ويحاولون تصوير الإعلام كله أنه كان مجرد (مطيباتى ومطبلاتى) للمخلوع مبارك وقيادات نظامه الفاسدين.. وهذا الكلام فى رأيى الشخصى ملىء بالأخطاء والمغالطات ويسىء للعشرات من الكتاب والصحفيين وأيضاً بعض النواب فى البرلمانات السابقة – ومنهم نواب تابعون للإخوان-.. فالواقع يؤكد أن الصحافة المصرية خاصة المعارضة والمستقلة قد كشفت الكثير من جوانب الفساد فى عهد مبارك أثناء وجوده بالحكم؟؟ وهذا ليس مدحًا فى عهد المخلوع – الذى لم أنتمِ له أو لحزبه الوطنى المنحل فى يوم من الأيام-.. وأنا شخصيًا قمت بالعديد من الحملات الصحفية التى كشفت هذا الفساد وكلها فى صحف كانت تصدر بتراخيص من المجلس الأعلى للصحافة وتطبع وتوزع فى المؤسسات القومية الكبرى.. ولدى العشرات – ولا أقول المئات - من التحقيقات والموضوعات الصحفية التى تؤكد ذلك وأرشيفها موجود بالفعل حتى الآن.. فقد كنت، وعلى سبيل المثال، أول من نشر أن أسرة مبارك هربت 28 مليار جنيه إلى الخارج وكان ذلك فى عدد 6 يناير 2010 من جريدة (عيون) التى كنت أترأس تحريرها وكانت تطبع وتوزع عن طريق مؤسسة الأهرام أى أن ذلك كان قبل خلع مبارك بأكثر من عام كامل.. كما فجرت من قبل قضية الأمصال الفاسدة التى كانت ترعاها سوزان مبارك وعلى مدار ثلاثة أسابيع متتالية.. وغيرها من الموضوعات التى لا يتسع المجال لحصرها. إننى لا أهدف إلى الكتابة عن شخصى، ولكننى أتخذ من نفسى نموذجًا متواضعًا لأساتذتى وزملائى من الصحفيين الذين هاجموا نظام مبارك فى عز جبروته وعنفوانه.. وهنا أقول أيضاً: إنه حتى لو كان الكثيرون يؤكدون أن عصر مبارك كان ديكتاتوريًا وظالمًا - فإن من حق الشعب أن يشعر بتغيير حقيقى بعد الثورة، ومن حقه أن يتنفس نسيم الحرية التى حرم منها لسنوات طويلة.