حتى قبل أن ينتهى التحقيق فى جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى ، أو أن يصل إلى نتائج مؤكدة ، يلتف حبل المشنقة – بدهاء – على عنق سوريا ، وتُدفع الأمور – خطوة بعد خطوة – إلى ذروة جديدة من ذرى التدخل الأمريكى – الصهيونى فى الشأن العربى ، حتى ليبدو معها أن هذه المنطقة التعسة ، قد صارت كالريشة فى مهب الرياح ، تمضى إلى مصيرها المحتوم بلا إرادة ، ويتلاعب بها أعداؤها كيفما شاءوا دون مقاومة ! . فبالإعلان عن القائمة التى تضم أربعة عشر إسما ً ، من قيادات الصف الأول فى النظام السورى الحاكم ، من كبار الضباط والمسئولين السياسيين السوريين ، على رأسهم نائب الرئيس السورى " عبد الحليم خدام " ، و" فاروق الشرع " وزير الخارجية ، ونائبه " وليد المعلم " ، واللواء " آصف شوكت " رئيس المخابرات العسكرية وصهر الرئيس " بشار الأسد " ، والعميد " رستم غزالى " رئيس جهاز الأمن السابق للقوات السورية فى لبنان . . وغيرهم ! ، التى ستطلب لجنة التحقيق الدولية – التى يقودها المحقق الألمانى " ديتليف ميليس " استجوابهم ، وبالتصريح – الذى جاء على لسان " إبراهيم الجنبرى " – مساعد الأمين العام للأمم المتحدة – عن " أن تشكيل محكمة دولية لمحاكمة المتورطين غى اغتيال الحريرى ، احتمال وارد جدا ً " ، [ الأهرام – 5/11/2005 ] ، وبرد السفير السورى فى لندن ، " سامى خيامى " ، على سؤال : عما " إذا كان الرئيس السورى بشار الأسد سيوافق على أن تتم مقابلته للتحقيق ؟! " ، والذى جاء فيه أنه : " لا يعتقد أن هناك مشكلة فى هذا الأمر !!" ، ( نهضة مصر – 6/11/2005 ) ، تكتمل ملامح الصورة ، وتتجمع فيسفسائها ، كما تتجمع مكونات اللوحة المقسمة فى لعبة " البازل " الشهيرة ! . فها هو النظام السورى ٌيحاصر من كل ناحية بالمشاكل والأزمات ، وهو نظام ضعيف وطائفى ومعزول عن شعبه ، منفرد بالسلطة وغير راغب ( أو قادر ) فى أن يتنازل ولو عن جزء صغير منها مقابل تقوية جبهته الداخلية ، أو أن يفك أسر المعارضة الوطنية الداخلية ، من كافة التلاوين والاتجاهات السياسية ، التى يمكن أن تكون داعمة ً له فى معركته مع القوى الدولية ( الأمريكية – الصهيونية أساسا ً ) المتربصة بسوريا وشعبها به . وسيكون على هذا النظام أن يقدم التنازل تلو التنازل للذئب الأمريكى – البريطانى – الفرنسى المتحفز ، متصورا ً أنه – بذلك – سيظل قادرا ً على أن ينجو برأسه ، وأن يحتفظ بكرسى الحكم ، وأن يبقى متوازنا ً على قمة السلطة بعد أن تمضى العاصفة ، وهو وهم ما بعده وهم ، واسألوا خبرة نظام الرئيس العراقى السابق صدام حسين ، واسترجعوا ذكريات ما جرى معه وتفاصيلها ، وهى حاضرة فى الأذهان وليست بعيدة ! . فقرار تصفية الوضع فى سوريا كتب ومُهر بخاتم الأطماع الإمبريالية الأمريكية والغربية والصهيونية ، منذ أن طرحت الإدارة الأمريكية مشروعها للهيمنة الكاملة على مقدرات المنطقة ، ولإعادة تفكيكها وتركيبها على هوى المصالح الأمريكية والصهيونية ، تحت مسمى : " مشروع الشرق الأوسط الكبير " ، ومنذ أن استصدرت الإدارة الأمريكية – التى يسيطر عليها صقور المحافظين ( الليكوديين ) الجدد – " قانون محاسبة سوريا " ، فى هذا السياق ، من الكونجرس الأمريكى ، قبيل انتخابات التجديد لجورج بوش الصغير ، فى نهاية العام الماضى ، وكان المطلوب اصطياد سوريا فى أى خطأ قادم ، وما أكثرها بالنسبة لنظم أدمنت ألعاب المخابرات وتصفية الحسابات والخصوم ، وهكذا جاءت اللحظة المناسبة لأمريكا والغرب مع حدوث جريمة اغتيال الحريرى وما تبعها من تطورات دراماتيكية متسارعة ، أبرزها إخراج الجيش السورى من لبنان بطريقة مهينة للغاية ، ثم توالى خطوات التحقيق فى هذه الواقعة ، بتطوراتها التى أشرنا إليها . والآن تبدو الصورة جلية واضحة التفاصيل ، و" السيناريو العراقى " يتكرر بحذافيره ! . والخطير فيما تقدم من أحداث هو رد الفعل العربى : الرسمى والشعبى أيضا ً ! . فعلى صعيد رد الفعل الرسمى : ففيما عدا " نصائح ثمينة ! " من الرئيس مبارك وغيره من المسئولين العرب ، للرئيس السورى ، بأن يقبل كل ما يطلبه الأمريكيون حتى ينجو بنفسه من حبل المشنقة ، لا حركة ولا رد فعل ولا همسة ! ، بل أن طلب سوريا بعقد اجتماع للقمة العربية ، لمساندتها فى موقفها ، قوبل برفض واضح – على لسان مسؤول دبلوماسى عربى ، ( لم يصرح باسمه ! ) ، قال المسؤول : إن الظروف لا تسمح بعقد مؤتمر للقمة ، لأن الدول العربية لا يمكنها رفض الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولى ! . أما الجماهير العربية والمظلومة والمحاصرة ، فهى تنظر – فى حالة من الحيرة والذهول – لتداعيات الأحداث ، تنزف ألما ً وحسرة وهى ترى أوطانها ُتقضم قضمة بعد أخرى ، وحكوماتها ، التى اغتصبت السلطة فى غفلة من الزمن ، عاجزة عن حماية الاستقلال الوطنى ، فيما حولت بلادها إلى سجون ومعتقلات وزنزانات لا نهاية لها . كابوس بشع يطبق بقبضته على الأرواح فيكاد يزهقها !!! . . . فمتى يطلع الفجر يا صديق ؟! [email protected]