أخيرًا وبعد 23 يومًا من تنصيبه يكلف الرئيس محمد مرسى المهندس هشام قنديل، وزير الرى فى حكومة الجنزورى، بتشكيل الحكومة، وهى مفاجأة أدهشت كثيرين، فقد كان هذا الاسم خارج التوقع والتفكير لكنها مدرسة السياسة المصرية التقليدية من مبارك إلى مرسى، حيث يبدو أنها لن تتغير حتى بعد الثورة لتؤكد حقيقة المصطلح الرائج عن الدولة العميقة، أما الفريق الرئاسى من نواب ومساعدى ومستشارى الرئيس فليس هناك علم بهم. لا أستغرب هذا التأخير، بل لا أستغرب أن يتعثر تشكيل الحكومة وفريق الرئاسة أكثر من ذلك، فهذا يؤكد حقيقة الوضع غير الطبيعى، الذى تعيشه مصر منذ 11 فبراير 2011 حتى اليوم وهذه بعض الدلالات. ثورة قامت وأسقطت مبارك لكن النظام لم يسقط. ثورة لا تحكم، فمن يحكم هو المجلس العسكرى، الذى عينه مبارك، وهو يزاحم الرئيس على السلطة التنفيذية. أهداف الثورة لا تجد طريقها للتنفيذ عبر من وكلته لإدارة البلاد نيابة عنها بل إن الأوضاع القديمة فى الإدارة مازالت على حالها. الثوار يتعرضون للتشويه فى زمن الثورة، ويتم الاستفراد بهم فريقا بعد الآخر ثم يتحولون هم للنهش فى بعضهم البعض. قانون انتخابات البرلمان يخرج ملغمًا عن قصد بشبهات عدم الدستورية، وتكون النتيجة الحكم ببطلان مجلس الشعب، ومن بعده يواجه الشورى ذات المصير. القضاء بدل أن يسعى لنيل الاستقلال إذ به يدخل طرفا فى لعبة السياسة وصراعات السياسيين، فالمحكمة الدستورية محاطة بشكوك وشبهات التسييس فى حكمها الأسرع فى تاريخها ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب، ثم فى إلغاء قرار الرئيس بعدم حل المجلس. انتخابات رئاسية يكون أحد طرفيها أحمد شفيق، وهو واحد من أبرز رموز النظام السابق وتحوم حوله شبهات التورط فى الفساد وكاد يفوز لولا يقظة الصوت الإسلامى وفصيل من شباب الثورة والمصريين الحريصين على عدم عودة النظام السابق، أما محمد مرسى المرشح المنتمى للثورة فقد واجه – ولا يزال - حملة هجوم شرسة من انتهازيين وأفاقين كانوا يرتدون قناع الثورة ومن مدلسين يتاجرون بالدولة المدنية ويقوم هؤلاء جميعا بالاصطفاف مع الفلول لدعم مرشح النظام السابق. الرئيس الفائز مغلول اليدين عن تشكيل حكومة من حزبه كأى ديمقراطية فى العالم إنما يُطالب بأن يشكل حكومة خليطًا من اليمين لليسار ومن المشتاقين والحالمين حتى يحصل على صك براءة بأنه رئيس لكل المصريين. الرئيس المنتخب من الشعب بدون صلاحيات كافية وليس فى يديه قوة لضمان سيطرته على أجهزة الدولة العميقة ومعرفة ما يدور فيها وضمان عدم تآمرها عليه بينما المجلس العسكرى المعين لديه إعلان دستورى مكمل يعطيه سلطة التشريع ويجعله المنفذ الحقيقى فى البلاد بجانب سيطرته الفعلية على الدولة بما له من قوة مادية ومعنوية. هو وضع غير طبيعى لمصر ولثورتها ولتجربتها الديمقراطية التى تواجه تحديات خطيرة من فلول النظام السابق ومن قوى تنسب نفسها لليبرالية وللمدنية، وتلك القوى تحرض العسكرى كل يوم للانقلاب على المؤسسات المنتخبة - البرلمان ثم الرئيس الآن - حتى لا يبقى الإسلاميون فى الحكم رغم أنهم وصلوا إليه من خلال انتخابات تنافسية حرة. مع كل ذلك فلم يكن هناك مبرر لمرسى للتأخر أكثر من ذلك عن تشكيل الحكومة وإعلان فريقه الرئاسى فهو الرئيس المنتخب وهو من سيحاسبه الشعب، وهناك من يقفون له بعداد المائة يوم، وبالتالى من حقه أن يختار من يشاء لرئاسة الحكومة حتى لو كان قد ترأسها بنفسه ويختار من يشاء من أعضائها فالمهم الإنجاز وليس الأسماء ولا الانتماءات حتى لو اعتمد على حزبه لأن هذا هو الطبيعى فى الديمقراطيات، أن يسند الحزب الرئيس الذى ينتمى إليه فى تنفيذ برنامجه الانتخابى وليس أن ينفصل عنه. المهمة ثقيلة وبحجم الجبال. [email protected]