غلبت أسماء وكُنى عديدة علي كثير من الحكام والسلاطين، واختفي الاسم الحقيقي لهم، وأصبحوا لا يعرفون إلا بهذا اللقب، من هؤلاء الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور. ويعود أصل اختياره لهذه القصة لواقعة أقرب من الخيال سطرتها كتب التاريخ، والتي ذكرت أن "أبو جعفر المنصور" في بعض أسفاره في أيام بني أمية تزوج امرأة من الأزد بالموصل عن ضر شديد أصابه حتى أكرى نفسه مع الملاحين - البحارة - يمد في الحبل، حتى انتهى إلى الموصل أو فعل ذلك لأمر خافه على نفسه، فتنكر وعاش مع أصحاب السفن. المنصور في فترة هروبه من بني أمية خطب هذا المرأة ورغبها في نفسه، ووعدها ومناها وأخبرها أنه نابه القدر، وأنه من أهل بيت شرف، وأنها إن تزوجته سعدت به، فقبلت بزواجه وأقام معها، وكان يختلف في أسبابه ويجعل طريقه عليها، ثم اشتملت منه على حمل، فقال لها: أيتها المرأة! هذه رقعة مختومة عندك لا تفتحيها حتى تضعي ما في بطنك، فإن ولدت ابنا فسميه جعفرا وكنيه أبا عبد الله، وإن ولدت بنتا فسميها فلانة وأنا فلان ن فلان من نسل بني العباس، فاستري أمري فإنا قوم مطلوبون، والسلطان إلينا سريع، وودعها وخرج. وتضيف الرواية أنها ولدت ذكرا وأخرجت الرقعة وقرأت النسب فسمته جعفرا ومضت الأيام والسنون، ونشأ الصبي مع أخواله وأهل بيت أمه، وكان ذكيا فطنا، واستخلف أبو العباس، فقيل للمرأة: إن كنت صادقة في رقعتك وكان من كتبها صادقا فإن زوجك الخليفة أمير المؤمنين. وقد نشأ الغلام وكانت همته في الأدب فرحل إلى بغداد ، ودخل ديوان أبي أيوب كاتب المنصور، وانقطع إلى بعض أهله فأتى عليه زمان يتقوت الكتب ويتزيد في أدبه وفهمه وخطه، حتى بلغ إن صار يكتب بين يدي أبي أيوب، إلى أن تهيأ أن خرج خادم يوما إلى الديوان يطلب كاتبا يكتب بين يدي المنصور ، فقال أبو أيوب للغلام خذ دواتك وقم واكتب بين يدي أمير المؤمنين ، فدخل الغلام فكتب وكانت تتهيأ من أبي جعفر إليه النظرة بعد النظرة يتأمله. وما زال أبو الجعفر المنصور يستنطقه في الكلام ويسأل عن أحواله حتي عرف أنه ولده، وأمره ألا يعلم كاتبه أبو ايوب بذلك. وخرج المنصور وأوصي كاتبه أبا أيوب قائلاً: هذا الغلام الذي يكتب بين يدي كيس فاستوص به، فاتهم أبو أيوب الغلام أنه يلقي إلى أبو جعفر الشيء بعد الشيء من خبره ، فسار خلفه فقتله، واستبطأ المنصور قدوم نجله عليه فحقق في الأمر فعرف الحقيقة. وبعد تحققه من مقتل ولده أوقع أشد العقوبة علي كاتبه وأسرته، وقتلهم جميعًا، وعندما كان يرجع في ذلك، كان يبكي ويقول: إنه قتل حبيبي "جعفر" وتلقب منذ ذلك الحين ب"أبو جعفر المنصور" ، واشتهر به، وصار لا يعرف إلا بهذا اللقب.