هل تعلمون ما هي الجريمة الحقيقية للرئيس مرسي، والتي لا يمكن اغتفارها بحال من الأحوال؟؟ هل تتصورون حجم هذه الجريمة ؟ وأنها من البشاعة بحيث أنّ أي عقوبة تنزل بالرئيس لن تكون وافية بها؟ وأنّ كل إنجاز سيفعله مرسي لن يساوي ذرة حيال هذه الجريمة، حتى لو كان هذا الإنجاز هو تحقيق ( العيش والحرية والعدالة الاجتماعية )! حتى وإن كان العبور بمصر من مرحلة عنق الزجاجة التي تمر بها، والقضاء على كل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية! حتى لو كان رفع مستوى المعيشة للمواطن المصري بما يوازي أو يفوق المواطن الأمريكي أو الأوروبي! حتى لو أصحبت مصر منافسا اقتصاديا للصين ،ومنافسا تكنولوجياً لليابان ، وعسكريا للولايات المتحدة؟ نعم، لو حصل كل هذا وأضعافه سيبقى مرسي أسير جريمته ورهين ذنبه ، وإن بذل في سبيل مصر ما لم يبذله رئيس قبله ، وإن ضحى من أجلها بما لم يضحِ به قائد غيره؛ فلن يُغفر له ذنبه، ولن تُنسى جريمته! جريمة مرسي الحقيقية ليست هي ذلك القرار الأخير الشجاع ، الذي اتخذه بشأن عودة مجلس الشعب إلى حين وضع الدستور ثم إجراء انتخابات جديدة ؛ فهو قرار تكفله له اختصاصاته ، وليس فيه أي تعدٍ على أحكام القضاء ، بل هو تنفيذ لها على الحقيقية بما تضمنه من اعتراف بحل المجلس والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة ، فقط ، عودة المجلس ليملأ الفراغ التشريعي إبان كتابة الدستور ، بدلا من أن تكون السلطة التشريعية مغصوبة من الشعب في جيب المجلس العسكري الذي لا سند قانونيا أو دستوريا لبقائه... ليس هذا القرار هو الجريمة، وإن كان قد فتح الحرب على مرسي من قِبل جهات أخرى، لم تكن قد واتتها الفرصة في الأيام العشر الأولى من حكم مرسي للاشتراك في ساحة المعركة والقتال ضده . جريمة مرسي شيء آخر غير ذلك ، وقعت قبل ذلك القرار المشار إليه، بل من أول يومٍ دخل فيه مرسي قصر الرئاسة ، كلا، بل فور إعلان فوزه! كلا، بل الحقيقة أن تَلَبُس مرسي بجريمته كان قديما جدا ، لكن استحقاق ردود الفعل تجاه هذه الجريمة ، وإعلان الحرب عليه بسببها ، وإنزال العقوبة به من جرائها – كان مع إعلانه رئيسا للبلاد! هل عرفتم جريمة مرسي الحقيقية والإثم الذي اقترفه حتى توجهت إليه هذه الحملة الإعلامية الضارية التي لم يشهد لها التاريخ المعاصر نظيرا من قبل ؛ حيث يُنتخب رئيس بإرادة شعبية في انتخابات نزيهة ، ثم يتعرض لحملة تشويه منقطعة النظير من قِبل المؤسسات الإعلامية القومية والخاصة بمجرد جلوسه على كرسي الحكم، وقبل أن يُصدِر أي قرار ، أو يتخذ أي إجراء، أو يرى الناس منه خيرا أو شراً ؟! ما عرفتم الجريمة إلى الآن !! حسنا، إن الجريمة هي " الهوية الإسلامية " التي يحملها مرسي، نعم هذه جريمته الحقيقية، التي يُعاقب بسببها الآن إعلاميا وسياسيا ، وكأنه رئيس الدولة الصهيونية لا الدولة المصرية ذات الأغلبية المسلمة! فهوية مرسي الإسلامية التي تعاديها النخبة العلمانية المسيطرة على وسائل الإعلام - هي التي تسببت له في كل ذلك ؛ فقد صار الانتماء لهذه الهوية في القلب أو القالب ، في المضمون أو الشكل الخارجي – جريمة نكراء تستوجب إنزال اللعنات وإعلان الحرب على الفاعل ، بقطع النظر عن أي اعتبارات أخرى ، ككون هذا المنتمي للهوية الإسلامية كفؤا في منصبه أو ليس كذلك، أو عنصرا صالحا ومفيدا لمجتمعه أو غير ذلك ، فما دام قد انتمى للإسلام قلبا أو قالبا فقد وجبت محاربته واستبيح دمه! والرئيس مرسي - فيما يتعلق بالقلب والمضمون- قد أعلن عن انحيازه للشريعة وقبوله بها، وهي – أي الشريعة- مما تكرهه النخبة العلمانية كره الكافر للموت، ولا تريد أن يكون موجودا في دنيا الناس ؛ لأنها لا تقبل إلا بإسلام ضعيف يتمثل في بعض الطقوس والعبادات ، ولا علاقة له بتنظيم حياة الفرد والمجتمع ولا حكم له عليها بتحريم وتحليل ، ومنع وإباحة ، إلى غير ذلك من الأمور التي ميزت الإسلام عن غيره من المذاهب، وجعلته عقيدة وشريعة، وديناً ودولة. وأما في القالب والمظهر الخارجي- فمرسي ذو لحية، وزجته ذات خمار ، وهذا عين الانقلاب على الدولة المدنية عند النخبة! فاللحية والخمار وإن كانا من الشعائر الإسلامية إلا أنهما عند النخبة من شعائر التخلف والرجعية التي يتوجب السخرية منها والهجوم عليها في كل صحيفة أو فضائية أو مؤتمر أو ندوة . إذا عرفنا جريمة مرسي الحقيقية أمكننا تفهم تلك الحرب الضارية التي تعرض لها بمجرد إعلان فوزه ، وتفهمنا السبب في اختلاق الأزمات، وافتعال المشكلات الفئوية ونحوها، وتصديرها للرئيس مع دخوله قصر الرئاسة ، بجانب بث الإشاعات ونشر الرعب من الرئيس الجديد ، حتى وصل الأمر إلى الزعم بأنه سيهدم الأهرامات وسيحجّب المسيحيات ...إلخ. وتفهمنا كذلك سبب البذاءة غير المعهودة والجرأة غير المألوفة من جانب بعض الساسة والإعلاميين تجاه الرئيس الجديد ، حتى صرت تقرأ في الصحف التي كان يلعق رؤساء تحريرها أحذية رجال نظام الديكتاتور ، ويحملون له المباخر ، ويسبّحون بحمده ، وتدور كتاباتهم في فلك إنجازاته البائسة ، ويصمون آذانهم ويغلقون أعينهم عن جرائمه في حق أبناء شعبه ، وعن طغيانه واستبداده وفساده وجرائمه السياسية والاقتصادية... صرت اليوم تقرأ في هذه الصحف وهي تتحدث عن الرئيس المنتخب وتصفه ب " الرئيس الفضيحة الرئيس عاجز الفاشى فى قصر الرئاسة الرئيس الخادم رئيس فى خدمة الأمريكان وفى خدمة قطر وصنع (الرئيس) فى أمن الدولة عضو بالكونجرس يقول أمريكا اشترت مرسى ب50 مليون دولار ...إلى غير ذلك" ، وصرت تشاهد مذيعي " الغبرة " في برامج التوك شو ، الذين كانت تُملى عليهم الأوامر من " أمن الدولة " بما يجب أن يتكلموا به في برامجهم ، وما يجب أن يخرسوا عنه تماما فلا يذكرونه ، والذين كان أقواهم قلباً لا يقدر أن ينتقد " أمين شرطة" يعمل في مباحث أمن الدولة ، ولا ينام الواحد منهم ليله فزعا إن زل لسانه بكلمة في حق مسئول كبير في الحزب الوطني – فضلا عن أن يكون ذلك المسئول هو رئيس الجمهورية – صرت اليوم ترى بعضهم يقول للرئيس " تجربتك بنت ستين كلب" ، وصار بعض السياسيين يقول : "جزمة مبارك برقبة مرسي "، وبعضهم يدعو لمحاصرة قصر الرئاسة وعزل الرئيس وسجنه إلى آخر ذلك في أمثلة كثيرة يطول المقال بذكرها - تنبؤك عن حقد دفين وعداوة متقدة لا يمكن أن يكون سببها الحقيقي هو الخصومات والخلافات السياسية بين الأحزاب ، إنما هي - كما قلنا - حرب ضد الهوية الإسلامية. [email protected]