بعد إعلان فوز د/محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية ليصبح أول رئيس منتخب لمصر بعد ثورة يناير عاد الحديث مجدداً عن العلاقات المصرية الإيرانية وآفاق تطورها. وقد ظهر هذا الحديث لأول مرة على الساحة السياسية عقب تنحي مبارك في 11 فبراير 2011 و برز من النخبة السياسية من يدعو لتطوير العلاقات مع طهران والتخلص من إرث النظام السابق الذي كان هو العقبة الرئيسة أمام تطوير العلاقات المصرية الإيرانية (انظر حوار السيد عمرو موسى مع موقع خبر أونلاين الإيراني 27/6/2011). وقد اكتسبت وجهة النظر هذه زخماً بعد سماح مصر لبارجتين حربيتين إيرانيتين بعبور قناة السويس يوم 22/2/2011 وهو ما أثار ضجة إقليمية ودولية رغم أن مصر بحكم التزامها بأحكام اتفاقية القسطنطينية الموقعة عام 1888 لا تملك منع أي سفينة من عبور قناة السويس إلا في حال انتمائها لدولة في حالة حرب مع مصر. والذي أود أن أشير إليه هنا أن قرار تطوير أو عدم تطوير العلاقات مع إيران يجب أن ينبع من رؤية استراتيجية للمصالح المصرية العليا أولاً وليس لمجرد إحداث قطيعة مع سياسات العهد البائد. وهنا يجب ملاحظة أمرين بخصوص العلاقات مع إيران: الأول: أن النظام المصري السابق لم يكن هو السبب الوحيد لجمود العلاقات بين مصر وإيران, بل هناك اعتبارات موضوعية ساهمت في هذا الجمود بعيداً عن أي ضغوط أمريكية أو إسرائيلية لمنع تطوير هذه العلاقات نذكر منها: 1- الطموح الإيراني للسيطرة على الخليج العربي ولعب دور الدولة الإقليمية الكبرى فيه مما يعد خصماً من رصيد مصر الإقليمي, لذا كان الدعم المصري لعراق صدام حسين في حربه مع إيران وكذلك تبني الموقف الإماراتي من قضية الجزر المتنازع عليها مع طهران. 2- العلاقات الإيرانية السورية والتي تحولت بعد تولي بشار إلى ما يشبه التحالف الاستراتيجي, وهذه العلاقات مكنت سوريا من مقاومة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية بل والعربية للانخراط في عملية السلام, وفتحت الطريق أمام النفوذ الإيراني في كل من سوريا ولبنان, بل وكانت نافذة إيران للإطلال على حركات المقاومة الفلسطينية مما أكسب الدور الإيراني زخماً شديداً استغلته لزيادة مكانتها الإقليمية على حساب قوى إقليمية أخرى مثل مصر والسعودية. 3- البرنامج النووي الإيراني وما سيؤدي إليه من زيادة النفوذ الإيراني ليس في منطقة الخليج فحسب بل وفي الشرق الأوسط, خاصة أنه أصاب الدعوة المصرية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل في مقتل لأن وجود إيران نووية سيدفع قوى أخرى لمحاولة الحصول على مثل هذه القدرات للردع مما سيؤدي لدخول المنطقة في سباق تسلح نووي كما أنه أحرج القيادة المصرية التي قامت –بضغوط خارجية- بإلغاء البرنامج النووي المصري. ومن المحتمل أن يتم تسوية الملف النووي بصفقة تقبل فيها واشنطن بنفوذ إيراني في المنطقة في مقابل وقف عسكرة البرنامج النووي الإيراني وهذا بالطبع لن يكون إلا على حساب مصر. 4- النفوذ الإيراني المتنامي في العراق بعد الغزو الأمريكي – والذي تم على أكتاف الشيعة- وتخشى معه مصر من تحول العراق إلى لبنان أخرى مما حدى بمبارك إلى القول في تصريحات لجريدة أيرش تايمز في نهاية 2006 "إن انسحابًا فوريًا للقوات الامريكية من العراق سيكون خطيرًا". هذه الاعتبارات تشير إلى أن المشروع الإيراني الإقليمي سيصطدم حتماً بالدور المصري خاصة إذا ما استعادت مصر مكانتها. الأمرالثاني: أن العلاقات الأمريكيةالإيرانية ليست علاقات صراعية في الحقيقة بل هي أقرب للعلاقات التنافسية التي قد يتخللها صراع في بعض الملفات وتعاون في ملفات أخرى. فالولاياتالمتحدة تعارض بلا شك الجهود الإيرانية للتسلح النووي ولكن هذا لم يمنع الولاياتالمتحدة من التعاون مع إيران في حربي أفغانستان والعراق. فينبغي علينا ألا تخدعنا شعارات "الشيطان الأكبر" و"الموت لإسرائيل" لأنه قد يكون وراء الأكمة ما وراءها. أخيراً أرى التريث في هذا الأمر خاصة وأن مصر ما زالت في مرحلة بناء الدولة والتعامل مع إيران في مثل هذا الوقت قد تكون مخاطره أكبر من فوائده. [email protected]