بقاء حكومة الدكتور كمال الجنزوري حتى الآن سيتسبب في إحراج شديد للرئيس محمد مرسي لاعتبارات كثيرة ، يأتي في مقدمتها بطبيعة الحال أن الدكتور مرسي نفسه وحزب الحرية والعدالة الذي كان يرأسه هو الذي أثار معركة حامية الوطيس مع المجلس العسكري ومع الجنزوري نفسه ووزرائه من أجل إقالة حكومته باعتبارها حكومة فاشلة وورطت الاقتصاد في مشكلات هائلة ونشرت الفوضى وعجزت عن تحقيق الأمن ، وكان هذا أحد محطات الصدام الكبيرة مع المجلس العسكري ، فأن يأتي الدكتور مرسي الآن ويقرر بقاء نفس هذه الحكومة ، فذلك يطرح علامات استفهام كبيرة ، ففِيمَ كان الصدام إذن؟ ، وما الذي تغير وما الذي طرأ؟ ، الآن أصبحتَ صاحب القرار بإقالة الحكومة التي كنت تراها رأس الشر، فلماذا لم تُقِلْها؟! ، وعندما لم تكن صاحب القرار لماذا كنت تطالب بإقالتها في أسرع وقت؟ ، وهذه التساؤلات ستتزايد في الأيام المقبلة بعد أن تسربت أنباء عن أن الرئيس الجديد يتجه إلى إبقاء حكومة الجنزوري على الأقل لمدة المائة يوم الأولى من حكمه التي وعد فيها بتحقيق البنود الخمسة الشهيرة ، الأمر الآخر أن القضية لا تتعلق بشخص الجنزوري فقط ، ولكن بالبنية النفسية والخبرة السياسية للوزير والمسؤول ، وبوضوح كامل ، كل مَن عمل في الوزارة أو المواقع الرفيعة في السلطة في عهد مبارك وضمن منظومته الأمنية والإدارية والسياسية لا يصلح نهائيًّا للعمل في مصر بعد الثورة ، أنت تحتاج إلى عقل جديد ووعي جديد وروح جديدة وبنية نفسية لم تعرف الارتهان للدولة العميقة بجهازها الأمني والإداري ورؤيتها للناس والوطن والمواطن والسلطة وتداولها والدولة وشخصية مصر ودورها ورسالتها ، كل ذلك يشكل خلفيات مؤثرة للغاية في تصور الوزير والحكومة لدورها وعلاقتها بالمواطن وبالدولة وبالمستقبل ، ولذلك لا يمكن أن يحقق مَن اكتمل تكوينه النفسي والسياسي والإداري والأمني في ظل النظام السابق أي هدف جدي من أهداف الثورة المصرية ، ولا أن يعبر بشكل حقيقي وعميق وجاد عن خطط التغيير والإصلاح الشامل لشؤون الدولة والسلطة وعلاقاتها ، والناس لم تناضل ولم تخُضْ ثورة تاريخية ومعركة كسر عظم انتخابية من أجل أن يصل رئيس ممثل لقوى الثورة ، لم تفعل ذلك من أجل أن يأتي الرئيس "الثوري" بكوادر النظام القديم لكي تعبر عن "فكره الثوري" وخططه للإصلاح الشامل والجذري ، هذا غير متصور وغير مقبول أيضًا. أقول هذا وأنا لا أعرف بالضبط فِيمَ يفكر الدكتور محمد مرسي ، كما أن كل ما يتعلق بمستقبل مؤسسة الرئاسة والحكومة أصبح ضربًا من الأسرار والطلاسم والأوهام والخيالات والافتراضات في ظل انعدام وجود أي معلومة ولا حتى مؤشر على اتجاه معين ، هل يقلق الرئيس الجديد من وجود رئيس حكومة من قوى التغيير بشخصية قوية وسلطات كافية فيمثل له ما يشبه ازدواجية السلطة والقرار؟ ، هل يقلق مرسي من أن يُقْدِمُ على التغيير فيقع اضطراب بفعل "فجوة الانتقال" بسبب غياب الخبرات الكافية للمرشحين كرجال دولة وخاصة في مجالات الداخلية والاقتصاد والبترول وهي الأكثر حساسية للمرحلة الجديدة لحكمه؟ ، هل يقلق أن تتشكل حكومة قوية جديدة وناجحة فتقطع الطريق على تمدد حزب الحرية والعدالة السياسي في الانتخابات النيابية المحتملة أو تمدُّدها في الوزارة ذاتها؟ ، هل يقلق من صعوبة الاختيار بين تطلعات عدد من القوى والأحزاب التي شاركته في معركة الانتخابات ويخشى أن تأتي الاختيارات بغضب ورفض قوى لها تأثير أو حضور جماهيري؟ ، لا أعرف بالضبط ، ولكن الذي أنا على يقين منه أن التمديد للجنزوري وحكومته سيمثل خطرًا على مصداقية الرئيس الجديد أمام الرأي العام وخطرًا أيضًا على قدرته على الوفاء بخطة المائة يوم ، أقول هذا رغم ثقتي الكاملة والأكيدة بأن هذا الرجل يريد الخير لمصر ، وأنه يملك فرصًا محققة للنجاح الكبير أتمنى أن يقدرها حق قدرها .