لقد مرت علي الدنيا قرون طوال،ووعت تجارب خطيرة،وشاعت فلسفات وأفكار مختلفة،قبل ظهور الحبيب محمد،صلي الله عليه وسلم.لكن الثابت أن تلك القرون قد استحكم فيها الطيش،وسقطت أثناءها أمم،واغتيلت خلالها حضارات،من ناحية العاطفة والعقل،علي يد الوثنية الوضعية(وبشكل خاص وثنية الفكر،وإن شئت فقل الفكر الأبله)،كالحضارات التي وجدت في مصرواليونان،والهند والصين،وفارس ورومة.لقد جعلت تلك الوثنية من الانسان،الذي استخلفه الله ليكون ملكاً في السموات والأرض،عبداً مسخراً لأدني شيئ في السموات والأرض.فها هو يقدس العجول والأبقار،ويعبد الأخشاب والأحجار،ويتزلف العالم فيها إلي مريض الفكر والعقل!! إنها الوثنية العملية.والوثنية في معناها الحقيقي،وكما علمنا رموز الفكر التويري الإسلامي هي:أن يأتي السقوط من داخل الانسان،لا من الحياة الخارجية،فكما يفرض المحزون كآبته علي من حوله،وكما يتخيل المرعوب الأجسام القائمة أشباحاً جاثمة عليه،فإن المرء الممسوخ يفرض صغار نفسه،وغباء عقله علي البيئة التي يحيا فيها،حتي إنك لتجده يؤله من جمادها وحيوانها.وهنا نسأل: هل من الممكن أن تنزاح هذه الوثنية؟ نعم،من الممكن أن تنزاح،لكن إذا أشرق الفكر،وثابت إلي الانسان معانيه الرفيعة التي أودعها الخالق فيه.لكن السؤال الأهم:ما الذي يمكن أن يعيدها؟ إنه الدين،نعم،الدين وفقط،فالدين بمضمونه الحقيقي إذا تمكن من الانسان،لذبح العجول المقدسة،ونكس الأصنام المرموقة،وأقشع عن النفس ظلامها القديم،أما بغير ذلك فلا تسل عن إنسان حقيقي،بحيث إذا لم يتمكن الدين من نفس الانسان،لرأيته يبحث كالمفجوع عن أصنام أخري يقدسها غير التي فقدها،فما أكثر الوثنيين في الحقيقة وإن لم يلتفوا حول صنم. ثم إنك اتري الوثنيين دائماً يزينون الباطل ومجونه بثوب الحقيقة،فيستعيروا من الحق لبوسه المقبول.والواقع أن الباطل قد يأخذ بعض مقدمات الحق وبعض نتائجه،ثم يتزين بعد ذلك للمخدوعين،فيغير عليه كما تغير الديدان وأسراب الجراد علي الحدائق الغناء،فتحيلها قاعاً بلقعاً.والباطل إذا أفسد ماترك،لم يصلح ماأخذ،وهذا هو السر في أن الباطل الذي لا يعرف الله،يزعم أنه بأصنامه،وخداعه، يتقرب إليه،ويبتغي مرضاته،فتباً للوثنية،وسحقاً للوثنيين.