عندنا مثل شعبى يقول "الفاضى يعمل قاضى" وفى عالم السياسة المصرية لدينا فارغون كُثُر، هم فارغون؛ لأنهم لا يملكون مشروعًا نهضويًّا حقيقيًّا، أو رؤية تنموية تقوم على برامج عملية؛ لذلك تراهم مشغولين إلى درجة الولع بتكوين الكِيانات والتكتلات التى لا يربط بينها رؤية سياسية موحدة من أى نوع، اللهم إلا رفض ومقاومة ما يسمى بالدولة الدينية، التى لا يتبناها أحد ولا يحمل مشروعها أى كِيَان فى مصر، وهم متوحدون جميعًا خلف مشروع الدولة المدنية، الذى بدوره ليس له مدلول واضح فى عالم السياسة ولا معالم محددة تميزه عن غيره من المشروعات، التى تتبناها التيارات ذات المرجعية الإسلامية.. إذن، فالقوم متوحدون خلف فكرة هلامية؛ ليواجهوا معًا عدوًا موهومًا، وهذه هى القاعدة التى قامت عليها فكرة "التيار الثالث". وهم يحاولون إيهامنا بأنهم بذلك يلمسون أوجاع المواطن البسيط ويلملمون شعث الوطن، على اعتبار أن رجل الشارع متعطش لإنشاء وتكوين التيارات التى عانى طويلاً من الحرمان من طلعتها البهية طوال حكم النظام البائد.. بل إن الثورة أساسًا قامت من أجل تكوين هذا التيار الثالث، لقد بدا منذ اللحظة الأولى أن هذا التيار يجتمع على فكرة القطيعة التامة مع التيارات أو الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. والمخاصمة الدائمة معها والإطاحة بأى قواسم وطنية أو فكرية مشتركة، ورفض فكرة التوافق الوطنى، لدرجة أنها استبعدت حزب الوفد من المشاركة ضمن التيار الثالث، ولم تشفع له علمانيته أو ليبراليته بسبب أنه فى بعض المواقف أو القضايا يتوافق مع حزب الحرية والعدالة أحيانًا، فعُوقب على ذلك بالحرمان من دخول جنة التيار الثالث. أجزم بنسبة 100% بأن هذا الحلف مصيره الفشل، فما هى إلا أيام قلائل وسيجد المتحالفون أنفسهم يعانون حالة الفراغ والبطالة السياسية، عندما يجدون أنفسهم أمام هذا السؤال الكبير.. وماذا بعد؟، يعنى هنشتغل إيه؟، وذلك بعد أن يفقد التيار الزخم الإعلامى المصاحب لحُمى التأسيس.. يعنى بعد ما يخلص الكلام ويبدأ الإعلام يسلط الضوء على قضايا أخرى.. ربما تتعلق بالتأسيس لتيار رابع، وهو تيار "فلول الوسط"، الذى ربما يعلن الأخ توفيق عكاشة قريبًا عن بدء تأسيسه بعد إنشاء حزب "شفيق الوسط "، ليس مقبولاً من رجل فى قيمة وقامة الدكتور محمد أبو الغار أن يعلن فى المؤتمر الصحفى أن التيار الثالث يمثل غالبية الشعب المصرى، وأنه يمثل"حزب الكنبة"، الذى لم يخرج للتصويت لا لشفيق ولا مرسى، وهم حوالى 50 % من تعداد الناخبين، فضلاً عن تمثيله لقطاع كبير ممن صوتوا لكلا المرشحين, برغم أن القاعدة الأصولية والمنطقية تقول إنه "لا يُنسب لساكت قول"، فمن أين علِم الدكتور أبو الغار وهو على حد علمى حاصل على الدكتوراه فى مجال بعيد عن علم "ضرب الودَع أو فتح المندل" أن الكتلة الصامتة هى بالضرورة كتلة مدنية تتلهف شوقًا لشروق شمس التيار الثالث؟!.. إن الكتلة الصامتة لا تعرف من هذه التيارات سوى" التيار الكهربائى"، ولا يعنيها أن يحكمها حزب مدنى أو دينى أو حتى حزب "وداد قلبى يا بُوى"!، فهى تؤمن بمبدأ "اللى يتجوّز أمى أقوله يا عمى"، وأن الانتخابات كلام فاضى، وأهم حاجة أكل العيش ونحبس بعدها بكوباية شاى والسعيد عندهم مَن بات متعشى وفى يده رغيف.. فهم فى عمومهم الأميون الذين تبلغ نسبتهم حوالى 40% من المصريين من الفقراء والمهمشين وقاطنى القبور والعشوائيات، والذين يحتاجون لمَن يمحو أميتهم ويعمل على تأهيلهم مهنيًّا وحرفيًّا.. لا مَن يزايد عليهم.. وعلى كل حال إذا كان السادة "التيارون الثالثون" يريدون ضم هؤلاء إليهم فعليهم أن يوفروا كمية كافية من "الخَتَّامات" لجمع بصمات الأعضاء الجدد على استمارات العضوية، وتجهيز عدد كافٍ من" الكنَب" لعقد المؤتمر التأسيسى! [email protected]