كما تطل الشموس الصبوحة المشرقة من قلب السماء الشامخة البهية.. تطل وجوه الشهداء أكثر إشراقًا وشموخًا وبهاء.. تراهم يبتسمون فى سعادة ورضا معلنين: جاء اليوم الذى نتمناه لمصر وشعبها الطيب حان وقت الحرية فى حى المطرية بالقاهرة الذى أطلق عليه الأهالى «حى الشهداء» استشهد أكثر من خمسة وأربعين شهيدًا أعمارهم ما بين السابعة عشرة والسادسة والثلاثين كلهم فى مقتبل العمر وريعان الشباب. يطل وجه الشهيد خالد محمد السيد الوكيل منيرًا بالرغم من اشتعال جمعة الغضب وقف خالد معارضًا أباه فى تحد واضح إنه يريد الذهاب مع زملائه إلى ميدان التحرير.. وما كان من والده إلا الرضوخ لرغبة ابنه بعد محاورات عديدة فقد معها كل مقومات المقاومة.. مقاومة روح الشباب والتمرد التى تلبست خالد..الذى كان يدرس الثانوية العامة وعمره لم يتعد السابعة عشرة، والذى أرهقت عقله الصغير الصراعات الطبقية القاتلة التى كانت تحيط به فى كل مكان وتشعره بعدم الأمان وعدم الرضا عن الحاضر والخوف من المستقبل! كان يعشق المسرح وها هى صوره مع بعض ممثلى المسرح المشهورين..لا تزال تزين مكتبه الحزين الذى لا يزال رابضا بحجرته، كان خالد يتمنى أن يصير بطلاً على خشبة المسرح ليعبر عن الشعب ومشاكله بحرية ما الذى حدث لى حين ألقيت نظرة على مكتب خالد وما سر الحزن الذى تجسد فى بعد أن قرأت عدة عناوين لمسرحيات مترجمة لشكسبير وبرانلدو وغيرهما وتساءلت: هل كان عقله الصغير يتسع لهذا كله؟! لماذا استخدم خالد موهبته فى التمثيل ليؤثر على والده .. وذلك حين أوهم أباه ليلة استشهاده بأنه ذاهب لإحضار بعض المذكرات من زميله أشرف.. وما لبث بعد قليل أن اتصل بأبيه مفجرًا قنبلته: سأذهب للمظاهرة وطمأنه بألا يخاف عليه لأنها ستكون سلمية، وهنا تدافعت الأخبار عن ضرب وقتل المتظاهرين وإغلاق المستشفيات فى وجه المصابين ومن بينها مستشفى المطرية. ها هو خالد يمثل مشهده الأخير على مسرح الحياة ..حينما أصيب صديقه بطلق نارى وهما يسيران معًا فى المظاهرة أخرج خالد هاتفه المحمول وأخذ يصور لحظات استشهاد صديقه فما كان من أحد الضباط إلا إطلاق النار عليه، فاخترقت الطلقات الناحية اليمنى من صدره، لم يستسلم وحاول السير، لم تحمله قدماه سوى عدة أمتار ثم وقع على الأرض وهو يمد يديه قائلاً: الحقونى! هل كان يعلم نهايته؟ لقد كان يتحدث عن الشهادة طوال الوقت لدرجة أنه ذهب إلى العديد من الشيوخ ليسألهم عنها.هل كان الفيس بوك الذى عرّفه على ما حدث لسميِّه خالد سعيد هو ما شغله وأصابه بالجنون. كان خالد يخطط للقاء الفنان محمد صبحى ليتعلم التمثيل على أصوله لذا كثيرًا ما كان يذهب إلى سور الأزبكية ليشترى الكتب وقبل ذهابه للميدان كنس مدخل البيت ورش الشارع بالمياه وضحك مع الجميع. وجهه الصبى لا يزال يملأ البيت، الجميع يحكون عنه ويبكون حتى أبكونى أما أبوه فما زال مذهولاً غير مصدق.. وبالرغم من أنه وضع خالد ابنه وحبيبه وصديقه فى الثلاجة بيديه والذى مازال أنتظر رجوعه مع كل فجر جديد.