ثانيا : إختلاف الدين بين المورث والمرأة الوارثة : ومعناه أن يكون المورِّث ( الميت ) على دين ، والوارث على دين آخر ، فإختلاف الدين بين الشخصين يمنع من توارث بعضهم من بعض ، وإختلاف الدين بين الشخصين له عدة صور منها : 1- أن يكون الميت مسلما ، والوارث كافرا : وفي هذه الحال لا يرث الكافر من قريبه المسلم – بلا خلاف بين العلماء في الجملة – لما رواه أسامة بن زيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { لا يرث المسلمُ الكافرَ . ولا يرثُ الكافرُ المسلمَ } ( رواه البخارى ومسلم ) ، فمن إرتدت عن الإسلام لا ترث من أقاربها المسلمين ، ولا يرثون منها إلا ما إكتسبته حال إسلامها ، أما ما إكتسبته بعد ردتها فلا يرثوه . 2 - أن يكون الميت كافرا والوارث مسلما : وفي هذه الحال لايرث المسلم قريبه الكافر في قول جمهور أهل العلم بدليل الحديث السابق . فمن أسلمت لا ترث من أقاربهما غير المسلمين ، ولا يرثون منها شيئا . 3- أن يكون الميت كافرا من ملة والوارث كافرا من ملة أخرى : فلا توارث بينهما لحديث عبدالله بن عمرو رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : { لا يَتوارثُ أَهْلُ ملَّتينِ شتَّى } ( رواه أبوداود وحسنه الألبانى ) وتوجد اختلافات فقهية في تحديد الملة فمنهم من قال الكفر كله ملة واحد ، ومنهم من قال الملل ثلاث ، اليهودية ملة والنصرانية ملة وما سواهما ملة واحدة . ثالثا : الرق : وقد جفف الإسلام منابع الرق ، فلم يتبق منه شىء الآن ، والخلاصة أن الأمة ( المرأة غير الحرة من الرقيق ) لا ترث من الحر أو الحرة . ب - الحرمان المبنى على الخطأ فى الفتوى : وقد تحرم المرأة من الإرث نتيجة فتوى خاطئة ممن لا يحسن فقه الميراث ، كما حدث من أبى موسى الأشعرى ، فعن هزيل بن شرحبيل قال : { سُئِلَ أبو موسى عن إبنةٍ وإبنةِ إبنِ وأختِ ، فقال : للإبنةِ النصفُ ، وللأختِ النصفُ ، وأئِتِ إبنَ مسعودٍ فسيُتابِعُني . فسُئِلَ إبنُ مسعودٍ وأُخْبِرَ بقولِ أبي موسى فقال : لقد ضَلَلْتُ إذًا وما أنا مِن المُهْتَدين ، أقضي فيها بما قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم : للإبنةِ النصفُ ، ولإبنةِ الابنِ السُدُسُ تكملةَ الثُلُثَيْنِ وما بَقِيَ فللأختِ ، فأتينا أبا موسى فأخبَرْناه بقولِ ابنِ مسعودٍ ، فقال : لا تسألوني ما دامَ هذا الحَبْرُ فيكم . } ( رواه البخارى ) فقد أفتى أبو موسى فتوى خاطئة ترتب عليها حرمان إبنة الإبن من نصيبها فى الإرث ، وهو السدس ، وجعله للأخت ، مع إستحقاقها للباقى ، وللأسف الشديد ، فالمرء يرى العجب العجاب فى هذا العصر من تصدر من لا يحسن فقه الميراث للإفتاء فيه فتكون النتيجة تقسيم التركة وحرمان النساء من إرثهن ، ألا فليتق الله من يتجرأ على الفتوى ، ويسأل إذ لم يعلم ، ويحيل الأمر على المتخصصين . ج - الحرمان المبنى على إتباع الهوى : وقد يكون حرمان المرأة من الإرث نابعا من إتباع الهوى ، مصداقا لقوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَ?هَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى? عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى? سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى? بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ? أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } ( الجاثية : 23 ) ، ولإتباع الهوى بعض الصور المشهورة فى هذا العصر ، ومنها : الصورة الأولى : إشتراط الزوجين تنازل كل منهما عن إرثه : هناك من الناس من يريد الزواج الثاني ، ولا يريد إشراك غير أسرته الأولى في الميراث ، حتى لا تفاجأ بالزواج بعد وفاته حال كون الزواج الثاني لا تعلم به الأسرة الأولى ، أو حتى لا يكون مانعًا من الموافقة عليه من الأسرة الأولى إن كانوا على علم به ، وقد أجابت دار الإفتاء المصرية على هذا الأمر بفتواها المؤرخة 19 / 10 / 2015 ، والمنشورة على صفحتها بالشبكة العنكبوتية ، بقولها : { وهذه الحالة تعدُّ إسقاطًا للحق قبل وجود سببه ؛ لأن الوارث يسقط حقه في الميراث قبل وفاة المورث . والحكم في هذه الحالة يكون بعدم الجواز ، وبعدم الاعتداد بهذا التنازل . والدليل على ذلك هو أن وفاة المورث سبب لانتقال الميراث إلى الوارث ، ومعلوم أن السبب هو ما جعله الشارع علامة على مسبِّبه وربط وجود المسبب بوجوده وعدمه . فيلزم من وجود السبب وجود المسبب ، ومن عدمه عدمه ، فهو أمر ظاهر منضبط ، جعله الشارع علامة على حكم شرعي هو مسببه ، ويلزم من وجوده وجود المسبب ، ومن عدمه عدمه . انظر : " أصول الفقه " للشيخ عبد الوهاب خلاف ( ص : 117، ط . دار القلم ). وقال الإمام ابن النجار في " شرح الكوكب المنير" (1 / 434، ط . مكتبة العبيكان ) : { ( خِطَابُ الْوَضْعِ ) فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ : ( خَبَرٌ ) أَيْ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ ، بِخِلافِ خِطَابِ التَّكْلِيفِ ، ( اسْتُفِيدَ مِنْ نَصْبِ الشَّارِعِ عَلَمًا مُعَرِّفًا لِحُكْمِهِ ) ، وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ خِطَابِهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ وَاقِعَةٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، حَذَرًا مِنْ تَعْطِيلِ أَكْثَرِ الْوَقَائِعِ عَنْ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ، وسُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ شَيْءٌ وَضَعَهُ اللهُ فِي شَرَائِعِهِ ، أَيْ جَعَلَهُ دَلِيلًا وَسَبَبًا وَشَرْطًا ، لا أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ عِبَادَهُ ، وَلا أَنَاطَهُ بِأَفْعَالِهِم ْ، مِنْ حَيْثُ هُوَ خِطَابُ وَضْعٍ ، وَلِذَلِكَ لا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ فِي أَكْثَرِ خِطَابِ الْوَضْعِ، كَالتَّوْرِيثِ وَنَحْوِهِ ] اه. كما أن الميراث يدخل في ذمة الوارث إجباريًّا ؛ أي اضطراريًّا لا يستطيع دفعه ، وليس اختياريًّا كالهبة والوصية مثلًا يملك فيهما الموهوب له والموصى له دفع المال ولا يقبله. وبمثل هذا صرح بعض أهل العلم ؛ ففي " رد المحتار" ( 6 / 758 ، ط . دار الكتب العلمية ) : [ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالضَّرُورِيِّ ) أَي الْإِرْثِ ، وَالِاخْتِيَارِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ } اه. وقد وردت مسألة مشابهة لفضيلة مفتي الديار المصرية في وقته الشيخ / بكري الصدفي ، في ربيع الأول 1331 هجرية ، ونص السؤال : " رجل مسيحي تزوج بامرأة مسيحية ، اتفقا في أثناء محضر الخطوبة قبل التكليل عليها شرطًا كتابيًّا محررًا من نسختين نصه : إذا مات أحدهما قبل الآخر لا يرثه الحي الباقي منهما ، فشرطها يكون ميراثها لإخوتها بعد وفاتها إذا لم تعقب ذرية بدون دخول زوجها المذكور في ميراثها ، وشرطه إذا توفي قبلها يكون ميراثه لأولاده الذين يموت عنهم سواء كان من زوجته المتوفاة أو منها بدون دخولها في ميراثه ، فهل هذا الشرط المحرر بينهما يسري ويعمل به إذا دعت الحال تقاضي أحدهما بعد وفاة الآخر أمام الشريعة الغراء أو لا يعمل به ؟ أفيدوا الجواب ، ولكم من الله الأجر والثواب " . فأجاب رحمه الله : " الإرث جبري لا يسقط بالإسقاط مطلقًا ، كما هي النصوص الشرعية ، وعلى ذلك فالشروط المذكورة بين الزوجين في حادثة هذا السؤال لا يعول عليها . والله تعالى أعلم " انتهى نص الفتوى . وقد صرَّح بعض أهل العلم في بطلان هذه المسألة إن ذكرت شرطًا في عقد النكاح ؛ قال الخطيب الشربيني في " مغني المحتاج " ( 3/ 226، ط . دار الفكر ) : [ ( وَإِنْ أَخَلَّ ) الشَّرْطُ بِمَقْصُودِ النِّكَاحِ الْأَصْلِيِّ ( كَأَنْ ) شَرَطَ أَنْ ( لَا يَطَأَهَا ) الزَّوْجُ أَصْلًا ، وَأَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً مَثَلًا فِي السَّنَةِ أَوْ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا لَيْلًا فَقَطْ أَوْ إلَّا نَهَارًا فَقَطْ ( أَوْ ) أَنْ ( يُطَلِّقَهَا ) وَلَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ ( بَطَلَ النِّكَاحُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ ، وَلَوْ شَرَطَ هُوَ أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ أَوْ أَنَّهُ لَا يَرِثُهَا أَوْ أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ أَوْ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ بَطَلَ أَيْضًا ، كَمَا قَالَهُ فِي " أَصْلِ الرَّوْضَةِ " عَنْ الْحَنَّاطِيِّ ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي ، وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الصِّحَّةَ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ } اه. وقال الشيخ العلاًّمة الدردير في " الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي " ( 2/ 238 ، ط . دار الفكر ) : [ ( وَ ) فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ وُجُوبًا ( مَا ) أَيْ : نِكَاحٌ ( فَسَدَ لِصَدَاقِهِ ) إمَّا لِكَوْنِهِ لا يُمْلَكُ شَرْعًا ؛ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ، أَوْ يُمْلَكُ وَلا يَصِحُّ بَيْعُهُ ؛ كَآبِقٍ ، ( أَوْ ) وُقِعَ ( عَلَى شَرْطٍ يُنَاقِضُ ) الْمَقْصُودَ مِن الْعَقْدِ ؛ ( كَأَن لا يَقْسِمَ لَهَا ) فِي الْمَبِيتِ مَعَ زَوْجَةٍ أُخْرَى ، ( أَوْ ) شَرَطَ أَنْ ( يُؤْثِرَ عَلَيْهَا ) غَيْرَهَا ؛ كَأَنْ يَجْعَلَ لِضَرَّتِهَا لَيْلَتَيْنِ وَلَهَا لَيْلَةً ، أَوْ شَرَطَ أَن لا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا ، أَوْ نَفَقَةً مُعَيَّنَةً كُلَّ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ ، أَوْ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهَا وَعَلَى أَبِيهَا ، أَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهَا أَوْ عَلَى أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا ، أَوْ شَرَطَتْ زَوْجَةُ الصَّغِيرِ أَو السَّفِيهِ أَو الْعَبْدِ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْوَلِيِّ أَو السَّيِّدِ فَإِنَّ النِّكَاحَ يُفْسَخُ فِي الْجَمِيعِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيُلْغَى الشَّرْطُ كَمَا قَالَ ، ( وَأُلْغِيَ ) الشَّرْطُ الْمُنَاقِضُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ } ومما تقدم يتبين عدم جواز اشتراط عدم التوريث بين الطرفين في عقد النكاح ، وأنَّ الراجح إذا تم الاتفاق على هذا الشرط حصول صحَّة العقد وبطلان الشرط ؛ فيجري التوارث بين الزوجين بحسب ما هو مشروع ومعلوم من الدين الإسلامي الحنيف . والله سبحانه وتعالى أعلم . } ا.ه الصورة الثانية : التنازل عن الإرث قبل قبضه : قد تعتاد بعض المجتمعات تعنيف المرأة وتوبيخها إذا أخذت حقها في الميراث مما يجعل النساء يتنازلن عن ميراثهن ابتداءً لعلمهن بما يترتب على أخذ حقهن من اللوم ، واعتبارهن خارجات عن التقليد الجاهلي المتبع في المجتمع . وهذا التنازل لا يجوز ، ولا عبرة به ، ولا يصير به مال المرأة المتنازلة حلالاً لأنه تنازل عن غير طيب نفس ، وقد قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } ( النساء : 29 ) ، وعنْ حَنِيفَةَ الرَّقَاشِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } ( رواه أحمد وصححه الألبانى ) . وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ردا على سؤال مفاده : { رجل توفي والده وله ثلاث إخوة وأختان ، ولما جاء أخوهم الكبير ليقسم بينهم الميراث قالت له إحدى أختيه : أنا سامحة في حقي لكم ، وأنا لا أعلم هل هي سامحت هذه الأخت في حقها استحياء منها أم سامحت عن طيب نفس ؟ ماذا نفعل ، هل نقبل منها أم لا ؟ وهذا الميراث الذي سامحت فيه هو قطعة أرض بها أشجار تين أو زيتون ؟ أفتونا جزاكم الله خيرا . فأجابت : إذا عُلِم أن المرأة سَمَحَت عن نصيبها مِن ميراث والِدها لإخوتها عن طيب نفس ، فلا بأس بذلك ، وإن كانت نفسها لم تَطِب بذلك دُفِع إليها نَصيبها من الميراث . } اه . إذا تقرر هذا فإن تنازل الوارث - ذكراً كان أو أنثى -عن ميراثه جائزٌ شرعاً بالشروط والضوابط التالية : أولاً: يصح التنازل عن الميراث بعد موت المورِّث فقط : وليس حال حياته ، أي بعد استحقاق الميراث لا قبله . ومعنى الاستحقاق أن يثبت الحقُ ويجب ، وثبوت الميراث للوارث لا يكون إلا بعد موت المورث . وبناءً على ذلك لو تنازل بعضُ الورثة عن ميراثهم قبل وفاة المورث ، فالتنازل باطلٌ لا يصح . ثانياً : يشترط فيمن يتنازل عن ميراثه أن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً : فلا يصح التنازل من الصغير– من هو دون البلوغ -ولا من المجنون أو المعتوه ، لأن التنازل عن الميراث قد يعود بالضرر عن المتنازل ، فلا بد أن يكون راشداً ، لقوله صلى الله عليه وسلم :{ رُفع القلمُ عن ثلاثةٍ ، عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ،وعن المجنون حتى يفيق } ( رواه أبو داود ، وصححه الألباني ) ثالثاً : يجب أن يكون التنازل عن الميراث بإرادة المتنازل وبدون إكراه : فلا يصح تنازل المكرَه ، وفي معنى الإكراه تعنيفُ المرأة المطالبة بميراثها وتوبيخها ، واعتبارها خارجةً عن تقاليد العائلة أو القبيلة . فإن حصل التنازل في حالة الإكراه والتعنيف ، فهذا التنازل لا عبرة به ولا يصير به مال المرأة المتنازلة حلالاً ، لأن التنازل وقع بدون رضاً ولا طيب نفسٍ ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :{ لا يحل مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيب نفس منه } ( رواه أحمد وصححه الألباني ) وعن أبي حميدٍ الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل للرجل أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفسه ، وذلك لشدة ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال المسلم على المسلم } ( رواه أحمد وصححه الألباني ) . رابعاً : أن يكون التنازل صريحاً لا حياءً : لأن ما أُخذ بسيف الحياء فهو حرام ، فلا يجوز للمسلم أن يأخذ مال غيره بالحياء ، ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الحديثين السابقين . خامساً : يشترط أن يكون التنازل في حال الصحة : لا في حال مرض الموت ، لأن تصرفات المريض مرض الموت لها أحكامٌ خاصةٌ ، ومرض الموت هو : المرض المخوف الّذي يتّصل بالموت ، ولو لم يكن الموت بسببه ، وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، قال ابن المنذر :{ أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب : حكم الوصايا } ا.ه . سادساً : إذا كان الميراث المتنازَل عنه عقاراً ، فلا يصح التنازلُ عنه إلا بقبضه : وقبض العقار يكون بالتخلية والتمكين من التصرف فيه باتفاق الفقهاء ، لأن التنازل عن الميراث يُعدُّ هبةً ، والهبةُ لا تلزم إلا بالقبض ، وإن كان عقاراً فقبضه بالتخلية بينه وبين المشتري ، بلا حائل دونه ، وتمكينه من التصرف فيه ، بتسليمه المفتاح إن وجد ، بشرط أن يفرغه من متاع غير المشتري عند الشافعية ، واعتبر الحنفية التخلية – وهي : رفع الموانع والتمكين من القبض - قبضاً حكماً على ظاهر الرواية ، وروى أبو الخطاب مثل ذلك عن أحمد وشرط مع التخلية التمييز ، ( الموسوعة الفقية الكويتية ) . إذا تحققت شروط التنازل عن الميراث ، فلا يجوز الرجوع فيه لأنه هبةٌ ، والهبةُ لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض ، ويدل على حرمة رجوع الواهب في هبته أحاديث منها :عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العائد في هبته كالعائد في قيئه } ( رواه البخاري ومسلم ) وعنه أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس لنا مَثلُ السَّوْء ، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه } ( رواه البخاري ) . قال الإمام البخاري في صحيحه : { باب لا يحل لأحدٍ أن يرجع في هبته وصدقته } ، وقال الإمام النووي : { باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده ،وإن سفل } واستثني الوالد من الحكم السابق ، فيجوز للوالد الرجوع فيما وهبه لولده ، كما هو مذهب جمهور الفقهاء ، لما صح في الحديث عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل للرجل أن يعطي عطيةً أو يهب هبةً فيرجع فيها ، إلا الوالد فيما يعطي ولده ، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب ، يأكل فإذا شبع قاء ، ثم عاد في قيئه } ( رواه أصحاب السنن وأحمد ، وقال الترمذي حسن صحيح وصححه العلامة الألباني ) . ويؤيد ذلك أيضاً ما ورد في إحدى روايات حديث النعمان بن بشير أنه قال : { إن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { إني نحلت ابني هذا غلاماً كان لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا ، فقال : لا ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأرجعه } ( رواه البخاري ومسلم ) وفي رواية عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير: ( فاردده ) . قال الحافظ فى الفتح : { وحجة الجمهور في استثناء الأب أن الولد وماله لأبيه ، فليس في الحقيقة رجوعاً ، وعلى تقدير كونه رجوعاً ، فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك } . وقد ألحق أكثرُ الفقهاء الأمَّ بالأب في جواز الرجوع في الهبة . قال الشيخ ابن قدامة المقدسي : { وظاهر كلام الخرقي أن الأم كالأب في الرجوع في الهبة ، لأن قوله " وإذا فاضل بين أولاده " يتناول كل والد . ثم قال في سياقه " أمر برده "فيدخل فيه الأم ، وهذا مذهب الشافعي ، لأنها داخلة في قوله { إلا الوالد فيما يعطي ولده } ولأنها لما دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم { سووا بين أولادكم } ينبغي أن يتمكن من التسوية والرجوع في الهبة ، طريق في التسوية ، وربما تعين طريقاً فيها إذا لم يمكن إعطاء الآخر مثل عطية الأول ، ولأنها لما دخلت في المعنى في حديث بشير بن سعد ، فينبغي أن تدخل في جميع مدلوله لقوله ( فاردده )وقوله ( فأرجعه ) ، ولأنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به تخليصاً لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب ، والمنصوص عن أحمد أنه ليس لها الرجوع ، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله الرجوع للمرأة فيما أعطته ولدها كالرجل ؟ قال ليس هي عندي في هذا كالرجل لأن للأب أن يأخذ من مال ولده والأم لا تأخذ وذكر حديث عائشة : { أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه } أي كأنه الرجل ، قال أصحابنا : والحديث حجة لنا ، فإنه خص الوالد وهو بإطلاقه إنما يتناول الأب دون الأم ، والفرق بينهما أن للأب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث والأم بخلافه ، وقال مالك للأم الرجوع في هبة ولدها ما كان أبوه حياً فإن كان ميتاً فلا رجوع لها ، لأنها هبة ليتيم ، وهبة اليتيم لازمة كصدقة التطوع ، ومن مذهبه أنه لا يرجع في صدقة التطوع } اه . ( يراجع المغني لإبن قدامة ) سادسا : تفضيل النساء على الرجال فى الإرث : وقد يحدث تفضيل للمرأة على الرجل فى الإرث ، وقد يستمد هذا التفضيل أصله من الشرع ، أو ينبنى على فتوى خاطئة ، أو إتباع الهوى ، وذلك على التفصيل الآتى : 1- التفضيل المبنى على نصوص الشرع : ويكون التفضيل مبنيا على نصوص الشرع ، فى الحالتين الآتيتين : أ - إرث النساء أكثر من الرجال : وقد سبق ذكر هذه الحالة عند الحديث عن حالات " إجتماع الرجال والنساء فى الإرث " ، فيرجع إليها . ب - إرث النساء وحرمان الرجال : وأيضا سبق ذكر هذه الحالة عند الحديث عن حالات " إجتماع الرجال والنساء فى الإرث " ، فيرجع إليها . 2- التفضيل المبنى على الخطأ فى الفتوى : كثير من الأمهات يوصين بذهبهن الذى يمتلكنه لبناتهن دون أبنائهن بزعم أن الذهب محرم على الرجال ، ولا تلبسه إلا النساء ، فتوصى الواحدة منهن قبل وفاتها لبناتها ، دون أبنائها ، وذلك بناء على إفتاء نفسها بجواز فعلها هذا ، ولا تدرى هذه المسكينة ، أن هذا الفعل لا يجوز ، ويحرم عليها فعله ، وهو من باب تفضيل النساء على الرجال فى الإرث المخالف للشرع ، وذلك للآتى : أولا : لأنه وصية لوارث : وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عنه ، فعن أبى أمامة الباهلى رضى الله عنه قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ في خطبتِه عامَ حجَّةِ الوداعِ : { إنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى قد أعطى كلِّ ذي حقٍّ حقَّهُ فلا وصيَّةَ لوارثٍ } ( رواه الترمذى وصححه الألبانى ) . ثانيا : لأنه وصية بأكثر من الثلث : فقد لا يكون للمرأة مال تتركه لورثتها سوى ذهبها ، فإذا أوصت به كله لبناتها ، فقد خالفت الحد المسموح به بالوصية ، وهو ثلث التركة فقط ، فعن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه قال : { كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَعودُني عامَ حجَّةِ الوَداعِ ، مِن وجعٍ اشتدَّ بي، فقُلتُ : إنِّي قد بَلَغ بي منَ الوَجعِ ، وأَنا ذو مالٍ ، ولا يَرِثني إلَّا ابنةٌ ، أَفأتصدَّقُ بِثُلُثي مالي ؟ قال : لا . قُلتُ : بالشَّطرِ ؟ فَقال : لا . ثُمَّ قال : الثُّلثُ ، والثُّلثُ كَبيرٌ ، أو كَثيرٌ إنَّك أن تَذَر وَرَثتكَ أَغنياءَ ، خيرٌ مِن أن تَذرَهُم عالةً يَتَكفَّفونَ النَّاسَ . } ( رواه البخارى ) 3- التفضيل المبنى على إتباع الهوى : وهذه الحالة لها عدة صور منها : أ – تفضيل الأب لبناته على إخوانه وأخواته : فبعض الرجال أو النساء قد لا يرزق بالذكور ، ويرزق بالإناث فقط ، وتكون له تركه كبيرة ، ويعلم أنه إن مات ، فسيأخذ إخوانه من التركة بعد زوجته وبنته ، فيعمد إلى تفضيلهما على إخوانه وأخواته ، بكتابة كل تركته لهما ، حتى لا يرث إخوانه وأخواته شيئا من الإرث ، ومن يفعل هذا فقد رد حكما على الله تعالى ، وهو داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : { وإنَّ الرجلَ ليَعمَلُ بعملِ أهلِ الجنةِ ، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ ، فيَسبِقُ عليه الكتابُ ، فيَعمَلُ بعملِ أهلِ النارِ ، فيَدخُلُ النارَ } ( رواه البخارى ) ب – مساواة النساء بالرجال فيما لا تجوز فيه المساواة : وقد يقع فيها بعض أولياء أمور النساء ، فيسوون بين أبنائهم وبناتهم فى الإرث بزعم أن الكل أبناؤهم ، وقد تقع فيها بعض الدول ، كما وقعت فيها دولة عربية أصدر برلمانها قانونا بتسوية النساء بالرجال فى الإرث ، وأيدته فى ذلك دار الإفتاء بها ، بزعم أنه يؤدى إلى تدعيم مكانة المرأة ويضمن ويفعل مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات ، التى نادى بها الدين الإسلامى فى قوله تعالى { ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف } ، فضلا عن المواثيق الدولية التى صادقت عليها تلك الدولة التى تعمل على إزالة الفوارق فى الحقوق بين الجنسين . وهذا الكلام مبنى على إتباع الهوى ، ومخالفة الشرع ، فهذا التشريع لا يؤدى إلى تدعيم مكانة المرأة فى المجتمع ، بل يؤدى إلى إنقسام المجتمع وزرع الأحقاد بين شقيه ، وإستدلالهم بالآية إستدلال فى غير موضعه حيث إجتزؤا الآية ، ولم يتموها ، فقد قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } ( البقرة : 228 ) ، ففى الآية وللرجال عليهن درجة ، وهذه الدرجة لم تأت من الهوى ، وإنما أتت من الشرع ، فكل ما فضل الله به الرجال على النساء مستند إلى الشرع ، وليس إلى الهوى ، والأصل عدم التفرقة ، ولا يجوز التفضيل بغير نص ، وقد ورد النص بالتفضيل فى بعض الحالات ، قال تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ? نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } ( النساء : 6 – 7 ) ، وقال : { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ( النساء : 32 ) . سابعا : الحلول العملية لهذه النازلة : يكمن الحل لهذه النازلة التى عمت البلاد ، فى الآتى : 1- نشر التوعية بين المسلمين بخطورة حرمان النساء من الإرث ، أو تفضيلهن على الرجال ، وأن هذا من تعدى حدود الله التى بينها فى آيات المواريث . 2- السعى إلى إستصدار قانون يجرم هذا الفعل ، ويشدد العقوبة عليه حرمان النساء من الإرث ، أو تفضيل النساء على الرجال فى الإرث بالهوى ، لما ثبت عن عمر ، وعثمان رضى الله عنهما أنهما قالا : { إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن } . 3- العمل على معالجة الأسباب التى تؤدى إلى حرمان النساء من الإرث السابق ذكرها . والله الموفق .