أعلنت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الأمريكية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، أن الأحكام الصادرة في محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك تبعث برسائل مشوشة ومضطربة، فعلى الرغم من أن الإدانات طالت رأس الدولة وأعلى قياداتها الأمنية لتؤكد على أن لا أحد فوق القانون، إلا أن الفشل في تحديد مسئولية القيادات الأمنية التي أصدرت الأوامر بقتل المتظاهرين يضع الإدانات بحق مبارك والعادلي في محل شك وقابلة للسقوط عند الطعن عليها، كما يسلط الضوء على آلية عمل ماكينة القمع داخل الدولة. وقال جو ستورك نائب مدير المنظمة لشئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "إن المراقبين أشادوا بالتزام القاضي أحمد رفعت بالمبادئ الدولية للمحاكمة العادلة، غير أن أحكام الإدانة والبراءة تعكس قصوراً خطيراً في الدعوى المقدمة من مكتب النائب العام، وهو ما اعتبرت المنظمة أنه يبرر أسباب الفشل في إدانة أي من القيادات الأمنية التي تم تقديمها لمحاكمات منفصلة في مختلف أنحاء البلاد بتهمة قتل المتظاهرين أثناء الثورة". وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن المحاكمة وتداعيتها تعكس مشكلة الإفلات من العقاب التي تعاني منها مصر منذ فترة طويلة، معتبرة أن جزء كبير من هذه المشكلة يكمن في مكتب النائب العام الذي يترأسه المستشار عبد المجيد محمود الذي وضعه مبارك في هذا المنصب قبل فترة طويلة. واتهمت المنظمة النائب العام بأنه لا يتكلف عناء تأمين أدلة قوية يمكن إستخدامها في أحكام الإدانة في التحقيقات الجنائية التي تتعلق بتجاوزات جهاز الشرطة. وقالت بأن ذلك يعكس بشكل جزئي السبب في عدم تعاون قطاعات من الأجهزة الأمنية في التحقيقات. ولفتت المنظمة إلى أن دفاع مبارك جادل في المرافعة الختامية أن الإدعاء لم يقدم دليلاً واحداً على تورط أشخاص بعينهم في قتل المتهمين، لا في وثائق الإتهام ولا في غيرها من الأوراق التي قدمها للمحكمة. كما لمحت المنظمة في تقريرها إلى إمكانية قيام المجلس العسكري الحاكم بإصدار أوامر لجهاز المخابرات العامة بعدم التعاون مع جهات التحقيق في هذه القضية، نظراً لأن عمر سليمان، وهو رجل عسكري، كان يرأس الجهاز حتى يناير 2011، مشيرة إلى أن الإدعاء في القضية أكد تعمد وزارة الداخلية وقسم الأمن الوطني بجهاز المخابرات تقديم الوثائق والأدلة المطلوبة لجهات التحقيق. واعتبر التقرير أن الأمر المذهل هو أحكام البراءة التي حصل عليها أربعة من كبار القيادات الأمنية بوزارة الداخلية وقت الثورة وخاصة قائد قوات الأمن المركزي، ومدير أمن القاهرة، قائلة أن رؤيتهم في أماكن الإشتباك كانت أمراً معتاداً لدى العديد من النشطاء المصريين، مشيرة إلى أنهما كانا متواجدان في أماكن المواجهات على الأرض لتوجيه قوات الأمن. وأوضح التقرير أن المحاكمة لم تلبي مطالب المصريين بالمحاكمة الشاملة على جرائم النظام الممنهجة التي شهدتها سنوات حكم مبارك، مشيرة إلى أن المحاكمة إقتصرت فقط على الجرائم التي ارتكبها النظام في الأسبوع الأول من الثورة المصرية، ولا تزال هناك حاجة لإجراء تحقيقات نزيهة ومحاكمات عادلة في قضايا التعذيب والإختفاء القسري، وغيرها من إنتهاكات حقوق الإنسان في عهد مبارك. واختتم التقرير قائلاً: "إنه في الوقت الذي يحاكم فيه مبارك أمام محكمة مدنية جنائية، فإنه منذ تولي المجلس العسكري إدارة البلاد واجه أكثر من 12 ألف مدني محاكم عسكرية في إتهامات عادية وجرائم أقل خطورة بكثير من تلك التي إرتكبها نظام مبارك".