كشف المستشار أحمد سليمان، رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة، ورئيس نادى القضاة بالمنيا، عن أن المجلس العسكرى ورئيس الوزراء ووزير الداخلية مسئولون مسئولية كاملة عن إخفاء الأدلة لتبرئة الرئيس المخلوع، وحبيب العادلى ونجليه ومساعدى وزير الداخلية، موضحًا أن من سمح لزكريا عزمى بالتواجد فى قصر الرئاسة بعد الثورة مسئول عن اختفاء الأدلة. وقال سليمان فى حوار خاص مع "المصريون" إن إدانة مبارك والعادلى بالمؤبد يمكنها أن تلف حبل المشنقة على رقاب مساعدى الداخلية فى النقض، مبينا أن القاضى لا يستطيع أن يعتمد على تغطية التليفزيون لأحداث التحرير كدليل إدانة لأنه خارج ملف الدعوى. وأوضح أنه يرفض محاكمة مبارك محاكمة ثورية رغم أنه ساهم فى خراب مصر، خاصة أن المحاكمة العادية ستكون أشد قسوة وتمهيدًا لدولة القانون، مشيرا إلى أن القضاة فى حاجة ماسة إلى قانون السلطة القضائية لاستعادة هيبتهم المفقودة حتى يصبح أمرهم بأيديهم، وأن محاسبة المستشار عبد المعز ستكون البداية لاحترام القضاة.
وإلى نص الحوار:
** فى البداية.. هل تعتقد أن الأحكام الصادرة فى محاكمة القرن جاءت نتيجة ضغط الرأى العام؟
قبل كل شىء.. لابد أن نثق فى القضاء، لكن إذا كنا سنقيم أنفسنا حكاما على القضاة، فهذه مسألة فى غاية الخطورة، لأنه إذا خرجت المحكمة عن نطاق ما هو معروض عليها من أدلة ومستندات، ونظرت إلى أى ضغط من أى جهة حاكمًا كان أو محكوما فسندمر القضاء.
** ولكن الرأى العام يرى أنها مسرحية هزلية لتبرئة مبارك؟
هذا الكلام غير صحيح.. لأن الحكم سيتم الطعن عليه من قبل النيابة العامة.
** فقهاء القانون أكدوا أن الحكم به عوار قانونى، لأنه منح البراءة للجهات التنفيذية، وبالتالى سيتم الحكم بالبراءة لصالح مبارك والعادلى فى النقض؟
من قال هذا.. ليس معنى أن الجهات التنفيذية قد أخذت حكمًا بالبراءة إن مبارك ستتم تبرئته، فهذا الحكم لا يؤسس عليه البراءة لمبارك، وعلى افتراض أن وجهة نظرك صحيحة فيمكننا أن نقول بما أن مبارك والعادلى تمت إدانتهما، فبالتالى يجب أن تتم إدانة مساعدى وزير الداخلية فى النقض.
** معنى هذا أن الأحكام التى أصدرها المستشار أحمد رفعت عادلة؟
أنا لا أستطيع من الناحية العلمية التعليق على الحكم إلا بعد قراءة ملف القضية، وأسباب الحكم، وإذا كانت متسقة مع الوقائع والأدلة والمستندات الموجودة فى ملف الدعوى أم لا.
**معنى هذا أنك لن تستطيع أن ترشدنا على الثغرات القانونية الموجودة بالحكم؟
بالطبع.. فحكمى على الحكم لا يكون إلا بمراجعة ملف الدعوى، ومراجعة أسباب الحكم غير ذلك تكون مجرد تكهنات.
** إذا كنت أنت القاضى فى هذه المحاكمة.. كيف سيكون حكمك؟
كان حكمى سيكون نابعًا من الأدلة الموجودة أمامى، فأنا لا أستطيع أن أقضى إلا بدليل وإن كان شعورى كمصرى وعاطفتى شيئا آخر.
** إذن كنت ستصدر نفس حكم المستشار أحمد رفعت؟
ليس بالضرورة.
**كيف وهى نفس الأدلة؟
نعم نفس الأدلة، ولكن ليس نفس التقدير، وليس نفس الاستنتاج، فأى قضية فى الدرجة الأولى تأخذ حكمًا، ثم يُطعن عليها وينقض الحكم ويقضى بخلافه، ولكن هناك حالة واحدة يمكن أن نتفق فيها جميعًا عندما يخلو ملف الدعوى من أى دليل.
** هل تعتقد أن الحكم بالبراءة لمساعدى وزير الداخلية صدر لأن النيابة قامت بإخفاء بعض الأدلة، التى قد تدين المتهمين؟
النيابة لم تخف الأدلة.. ولكنها عجزت عن تقديم الأدلة، لأن هناك جهات لها مصلحة مرتبطة بالنظام السابق فى إخفاء الأدلة وطمسها فقد كانت هناك أدلة صوتية تم محوها.
** ومن هم هؤلاء؟
رئيس الوزراء فى هذا التوقيت الفريق أحمد شفيق مسئول بلا شك، ووزير الداخلية اللواء منصور العيسوى، مسئول عن جمع الأدلة، وتقديمها للنيابة العامة ومساعدة النيابة العامة فى كشف الحقيقة، ولكن لم يكن هناك وزارة داخلية عقب الثورة.
** وماذا عن المجلس العسكرى.. هل تعتقد أنه مسئول أيضًا عن إخفاء الأدلة؟
نعم المجلس العسكرى مسئول، فالذى سمح لزكريا عزمى بالتواجد فى قصر الرئاسة بعد الثورة يتحمل مسئولية ما حدث، ويجب أن يحاسب سواء كان رئيس الوزراء أو المجلس العسكرى.
** أدلة هذه القضية كنا نشاهدها بشكل مباشر على شاشات التليفزيون، فلماذا لم يعتمد القاضى على هذه الأدلة؟
لأنى لا أستطيع أن أستند على أى دليل خارج ملف الدعوى.
** وفى النهاية خرج الحكم بشكل لم يرض المصريين، فهل تعتقد أنه كان من الأفضل أن يحاكم مبارك محاكمة ثورية؟
لا أنكر أن حسنى مبارك بلا أدنى شك مسئول عن خراب مصر والقهر والظلم وعشرات الآلاف من الذين قتلوا وعذبوا فى السجون ويستحق ما حدث له، لكننى رغم ذلك أنا ضد أن نحاكمه محاكمة خاصة أو محاكمة ثورية، ولكنى مع تقديمه للقضاء المدنى وبالأدلة ليكون عبرة وتمهيدًا لدولة القانون.
** ولماذا لم تتم محاكمته محاكمة سياسية بما أنه كان مسئولا عن خراب مصر؟
نعم يجب محاكمته على جرائمه السياسية، ولكن المشكلة أن الجرائم السياسية غير مؤثمة ففى قانون العقوبات غير معاقب عليها، وفى قانون العقوبات لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، لذلك يجب أن يكون هناك نص بمقتضاه يعاقب على الجريمة.
** ما الفرق بين المحاكمات الثورية والمحاكمات المدنية؟
المحاكمة المدنية تتيح الفرصة للمتهم كى يدافع عن نفسه، والقاضى فيها مقيد بالأدلة المادية المعروضة عليه، وإذا لم تكن كافية سيتم تبرئة المتهم، أما المحاكمة الثورية لا تهتم كثيرًا بالأدلة أو الدفاع.
** وماذا كان رد فعل النادى على الحكم؟
نحن لا يجوز أن نعترض على أحكام القضاء، ووسيلة الاعتراض على الحكم هو الطعن عليه فقط، ونقده علميا، لكن لا يجوز للنادى أن يدين أو ينتقد حكمًا.
** ألا تعتقد أن كل هذه الأحداث ستؤثر على تعجيل قانون السلطة القضائية الجديد؟
القانون كان مطروحًا أمام مجلس الشعب، وبسبب هذه الأحداث المتلاحقة كان من الممكن أن يصدر خلال الفترة الماضية، فهذا القانون سيعيد هيبة القضاء، لأن محاسبة القضاة ستكون لمجلس القضاء الأعلى وليس لوزير العدل، ولذلك لن يكون هناك تدخل من السلطة التنفيذية، بمعنى آخر أن مجلس القضاء الأعلى يملك إحالة المستشار عبد المعز إبراهيم إلى الصلاحية، هذا الإجراء كان قد تم فور الإبلاغ عن الواقعة.
** وكيف سيعيد قانون السلطة القضائية الجديد هيبة القضاء بعد أن اهتزت لدى الشعب المصرى خاصة بعد قضية...؟
مقاطعًا.. يجب أن تعلمى، أن أول من ثار ضد المستشار عبد المعز هم القضاة، وقد تقدمنا ببلاغات للنائب العام ووزير العدل ومجلس القضاء ضد المستشار عبد المعز، لكن السلطة التنفيذية وعلى رأسها وزير العدل يتقاعس عن اتخاذ أى إجراء ضد المستشار عبد المعز، لذلك نطالب بتعديل قانون السلطة القضائية ليصبح أمر القضاة بأيديهم، فإذا كانت السلطة فى يد مجلس القضاء الأعلى، لكنا اتخذنا موقفًا ضد المستشار عبد المعز.
**وهل إصدار قرار ضد المستشار عبد المعز هو الذى سيعيد هيبة القضاء؟
بالتأكيد.. لابد أن يصدر قرار ضد المستشار عبد المعز، ولا تترك هذه القضية بأى حال من الأحوال، وإلا سيظل هذا الباب مفتوحًا إلى الأبد.
** ولماذا تم تجديد الثقة له فى الجمعية العمومية؟
لا تعتقدى أن القضاة يلتمسون له العذر تحت أى ظرف من الظروف، وإن كنت أعترض بشكل شخصى على ذلك التعاطف، فقد كان يجب أن يوقع على عبد المعز عقاب فورى لأنه أضر بصورة القضاء، حتى وإن كان لن يمثل جزاء بالمعنى الدقيق، وإنما مجرد صورة تؤكد للرأى العام أن القضاة لا يقبلون هذا الأمر ويحاسبون مرتكبه مهما كان شأنه.
** وهل من المتوقع أن يتم اتخاذ أى إجراء ضده؟
نعم.. من المتوقع أن يحصل على جزاء، لأن التحقيقات انتهت، وانتهت إلى إدانة المستشار عبد المعز والمسألة الآن فى يد وزير العدل وعليه أن يتخذ قرارًا فى الأيام القليلة القادمة فى التحقيقات وفى الواقعة.
** هذا يأخذنا إلى تعديل قانون العقوبات..؟
مقاطعًا.. لقد اقترح نادى القضاة تعديل قانون الإجراءات الجنائية لمواجهة ما حدث فى قضية التمويل الأجنبى، فوجدنا أن المادة 105 مكرر تشير إلى أن التدخل لدى القاضى ليصدر قرارًا بناء على رجاء أو توصية، عقوبتها أقل من المتوسط لدى الموظف العام.
** وكيف كان ذلك؟
اقترحنا تشدد العقوبة لمن يتدخل لدى المحكمة، كما شملنا النيابة العامة وجهات التحقيق، وأضفنا العزل كعقوبة على من يثبت عليه التدخل لدى المحكمة، بالإضافة أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ويجوز تحريك الدعوى الجنائية فيها دون توقف على الأذن.
** هذا يأخذنا إلى المشاكل التى يعانى منها القضاة...؟
مقاطعًا.. القاضى مواطن عادى يعانى من المشاكل التى يعانى منها المواطن.
** وماذا عن مشاكل النادى؟
النادى بلا ميزانية وبلا دعم، قائم فقط على اشتراكات القضاة الرمزية.
** هل يقوم النادى بحل مشاكل القضاة؟
عندما نتعرض لأمر يكون لنا دور، مثل ما حدث عندما تم إحالة مستشارين للتحقيق بشأن اعتراضهم على محاكمة إحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية.
** ولماذا صرح لبعض أن انتخابات النادى كانت هزلية؟
لأن لدينا 12 ألف قاض، حضر فقط 2000 قاض، وهذه النسبة لا تعبر عن إرادة القضاة، فالذين انتخبوا مجلس الإدارة الحالى قلة، ولكن يجب علينا احترام نتيجة الانتخابات مهما كانت.
** وبالنسبة لإحالة المدنيين الذين تمت محاكمتهم أمام محاكمة عسكرية هل يجوز إعادة محاكمتهم أمام محاكم مدنية؟
يجوز أن يتم العفو عنه لكن لا يجوز إعادة المحاكمة أمام محكمة مدنية فلا يجوز أن يحاكم مرتين.
** ولكنها محاكمة غير قانونية؟
لكنها كانت قانونية فى الفترة التى تم فيها إصدار الحكم.
** وهل عدم تطبيق قانون العزل على شفيق قانونى؟
هذه أكبر خطيئة وقعت فيها اللجنة العليا للانتخابات، فاللجنة تطبق قانونًا، ونحن لدينا قانون صدر بالعزل، فليس من حقها أن تسمح لأحمد شفيق فى الدخول إلى الانتخابات لأنها لجنة إدارية حتى لو كانت لجنة إدارية ذات اختصاص قضائى.
** ماذا تقصد؟
اللجنة الرئاسية لم تتقيد بهذا، لا تقيدت بالقانون الصادر بعزل المسئولين السابقين على العزل السياسى ولم تطبق قانون المحكمة الدستورية تطبيقًا صحيحا، حيث إنها لجنة إدارية توقف الفصل فى التظلم وتحيل القانون إلى المحكمة الدستورية، ولكن أن تقبل التظلم خطأ فادح فقبول التظلم قرار بعدم دستورية هذا القانون، هكذا تكون قد حكمت.
**ولماذا تصرفت اللجنة هكذا؟
ليس هناك مبرر لتصرف اللجنة إلا المواءمة السياسية.
**هل تعتقد أن المجلس أعطى أوامر للجنة لقبول شفيق..؟
مقاطعًا.. لا أعرف إذا كان المجلس أعطى أوامر أم لا أو قاموا من تلقاء أنفسهم، ولكن قرار اللجنة مخالف لنص القانون بنسبة 100%، لأن القانون بمجرد التصديق عليه يكون ساريا وواجب تنفيذه، لذلك كان من المفروض عدم دخوله سباق الرئاسة لأن هناك قانونًا مطعونًا عليه لعدم دستوريته وكان واجبا عليهم أن ينتظروا حتى تفصل المحكمة الدستورية.
** هذا يؤكد ما قلناه فى البداية أنها محاكمة هزلية؟
أنا أدين تمامًا كل من يدخل القضاء فى صفقات أو مفاوضات.
** اللجنة العليا أليست قضاء؟
هو محاسب بذاته.. القضاء ليس له دخل، مسألة التعميم مسألة فى غاية الخطورة.
**هل هذه هى كل أخطاء اللجنة العليا فقط؟
لا.. هناك مسألة خطيرة أخرى فمسألة الطعن فى عدد الناخبين مصيبة أخرى إذا كانت دعوة الناخبين لانتخابات مجلس الشعب كانوا 46 مليونًا ثم بعدها بعدة أشهر أقوم بدعوة الناخبين لانتخابات الرئاسة 50 مليونًا أى بزيادة بلغت 4 ملايين صوت، ولا أبدى أى أسباب لذلك.
** وهل هذا يدين اللجنة العليا للانتخابات أم وزارة الداخلية التى قدمت الكشوف؟
يدين اللجنة بالطبع فهى لم تحقق فى العدد الزائد فى كشوف الناخبين، فوضعت نفسها موضع شبهات.
** بعض القضاة ينادون بعدم الإشراف على الانتخابات فى الدستور الجديد...؟
أنا أنضم لهذا الرأى، ولقد ناديت به من قبل، حيث كنا نعيش فى ظل نظام فاجر يعمد إلى التزوير بكافة الطرق، فكانت تغلق المنازل على أصحابها وكان فيها مرضى لا يستطيعون الذهاب للطبيب.
** ولماذا كانوا يغلقون هذه المنازل؟
لأنه كان هناك إشراف قضائى على العملية الانتخابية، لأن القضاة هم الذين كانوا يستطيعون مواجهة هذا النظام، فالحل أن يمنعوا الناخبين من الذهاب إلى اللجان، وهذا نوعًا من التزوير.
** وما الضمان من عدم تزوير الانتخابات فى المستقبل؟
النظام الجديد حريص أن تكون الانتخابات تتم فى إجراءات نزيهة، وفى هذه الحالة يمكن لأى جهة أن تشرف على الانتخابات.