أسوان تستعد لإطلاق حملة «اعرف حقك» يونيو المقبل    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي والزمالك في دوري المحترفين لكرة اليد    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    العاهل الأردني يؤكد ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته لتكثيف إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    يورو 2024 - رونالدو وبيبي على رأس قائمة البرتغال    مفاجأة مدوية.. راشفورد خارج يورو 2024    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محكمة بورسعيد تقضي بالسجن 5 سنوات مع النفاذ على قاتل 3 شباب وسيدة    ضبط 4 أشخاص بحوزتهم 6 كيلو حشيش فى الدقهلية    زوجة المتهم ساعدته في ارتكاب الجريمة.. تفاصيل جديدة في فاجعة مقتل عروس المنيا    الإعدام لعامل رخام قطع سيدة 7 أجزاء بصاروخ لسرقتها فى الإسكندرية    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    النطق بالحكم على مدرس الفيزياء قاتل طالب الثانوية العامة بعد قليل    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    السيسي يستقبل مجلس أمناء مكتبة الإسكندرية ويؤكد على دورها في نشر وتعميق المعرفة والعلم    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    كيت بلانشيت.. أسترالية بقلب فلسطينى    محافظ الفيوم يترأس اجتماع اللجنة الاستشارية للسلامة والصحة المهنية    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    الجلسة التحضيرية الرابعة للمؤتمر العام للصحافة مع القيادات الصحفية، اليوم    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أسعار طن الحديد فى مطروح وسيوة اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب ومصر مَنِ الأقرب إلى الطوارئ......؟
نشر في المصريون يوم 25 - 11 - 2005

لعل مصطلح "الطوارئ"كثير التداول في حقل العلوم السياسية، كما يختلف حوله العديد من المنظرين بين مؤيد ومعارض لحق اللجوء إليه،لكن تبقى أهم رقعة جغرافية في العالم يكثر فيها استعمال هذا المصطلح ،هي الرقعة العربية، حيث تنعت بعض الأنظمة السياسية بأنها في حالة طوارئ بينما تعتبر دولا أخرى مستغنية عن هذا الوضع، ولن تلجأ لهذه الحالة إلا في ظروف استثنائية يستدعيها الحفاظ على الأمن الداخلي للبلاد. هذه المقالة تحاول أن ترصد حالة بعض الدول العربية التي تعيش حالة شبيهة بالطوارئ ، وأخرى تتململ في اتجاه نفض يديها من هذا الوضع المأزوم ، والانتفاضة من أجل إسقاط الأنظمة المترتبة عنه ، نخص بالنوع الأول حالة المغرب، نظرا لضيق المجال، أما الحالة الثانية فنفرد لها دولة مصر. المغرب وحالة الطوارىء: يحاول الخطاب الرسمي المغربي أن يخلق الاعتقاد بأن المغرب يعيش استقرارا وانتقالا نحو الديمقراطية متجنبا حالة الطوارئ التي كان الراحل الحسن الثاني قد لجأ إليها 1965 بعد الظروف الاضطرارية ، لكن مؤشرات عديدة تقلب هذا التصور وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن المغرب وفي حالة لجوئه للطوارئ فإنه لن يتغير الشيء الكثير عن ما هو سائد حاليا، و الدليل على ذلك المؤشرات التالية : المؤشر الأول: تهميش المواطن فالحرية في المغرب لا زالت تعرف تقييدا وتقنينا غير مبررين ، إذ يحرم المواطنون من حقهم في ممارسة حريتهم كما هي متعارف عليها عالميا وكما صاغتها المواثيق الدولية ،حيث المواطن المغربي ما زال لم يرقى في عرف السلطة إلى مستوى المواطنة ، فهو مجرد رعية غير ناضج لكي يتحمل مسؤولياته في إبدائه رأيه بكل حرية و مشاركته في تدبير شأنه اليومي، فكم من القرارات الهامة تتخذ دون الرجوع إلى المواطن أو حتى "ممثليه"وخير دليل على ذلك اتفاقية التبادل الحر التي أبرمت مع الولايات المتحدة الأمريكية و التي لا محال ستمس الواقع المعيشي لهذا المواطن ، حيث ستتعرض أنشطته التجارية والفلاحية للمنافسة وستعرف بعض مستلزماته غلاء لا طاقة للفرد العادي بها ، كارتفاع سعر الأدوية، النموذج الآخر الذي عرف تذبيره تهميش المواطن يتعلق بقضية الصحراء، فهذا الملف ظل بعيدا عن النقاش العمومي وحرم من الخوض فيه المجتمع المغربي بما فيه "ممثليه"، وكل من تكلم في الموضوع أذيع السجن(عبد الرحيم بوعبيد)،وحتى الكلام مؤخرا عن إشراك الأحزاب في هذا النقاش فيبقى بروتوكوليا على أساس أن الإطار محدد سلفا ، أما مسألة الدستور فهي الحلقة الأقوى في مسلسل تهميش المواطن المغربي ، فجميع "الإصلاحات"التي أجريت على الدستور الممنوح أصلا اتخذت في معزل عن الشعب ، إذ اكتفى المواطن بالتصديق و قول "نعم" في يوم محدد الذي هو يوم الجمعة بما فيه من رمزية وفي إطار خطاب سياسي محترف لا يدع مجالا للمواطن العادي و الذي ساهمت سنوات تغييبه عن شؤونه السياسية في أن لا يقول "لا" مادام غير واعي بطبيعة ال"نعم" التي سيدلي بها و لا مطلعا على مضمون ما سيصوت عليه. المؤشر الثاني: محاصرة المجتمع المدني : يدخل في إطار محاصرة الحريات هذا التقييد المفروض على حركية المجتمع المدني ، فحرية تأسيس الأحزاب لا زالت في تراجع حيث تمنع أحزاب من وصلها القانوني (حزب النهج الديمقراطي) أو تفرض عليها شروطا لا علاقة للعمل السياسي بها(حزب البديل الحضاري )، أما القانون الجديد المتعلق بهذه النقطة (قانون الأحزاب)فهو يكرس الأزمة من خلال شروط مجحفة يجب توفرها في الحزب المراد تأسيسه، وكذلك فرض تبعيته للسلطة انطلاقا من حسابات التمويل ، وعندما يحاول المجتمع المدني تجاوز محدودية المردود الحزبي، فإن القيود تأتيه من كل جانب ، فالجمعيات الحقوقية بالمغرب وعلى قلتها يفرض عليها أن تسير في خدمة السلطة و إلا تعرض نفسها للحصار و الاختراق وتفعيل لعبة الانشقاقات ، وفي المقابل تيسير طريق جمعيات السهول و السواحل والجمعيات التي يغتني أصحابها من الهبات الدولية والبعيدة عن هموم المواطنين. المؤشر الثالث: تحويل السلطة الرابعة إلى سلطة تابعة يحاول النظام السياسي المغربي أن يجعل جميع السلط تدور في فلكه بما فيها سلطة الصحافة، فبعد ترويض الصحافة المرئية و المسموعة والتي تنهك جيوب المواطنين بما في ذلك تحرير هذا المجال لصالح السلطة طبعا ، وبعد ارشاء الصحف الموالية وخلق أخرى تعبر عن السياسية الرسمية ، تظهر حالة الطوارئ مرة أخرى من خلال محاصرة الصحافة المستقلة والتي تشكل المتنفس الوحيد الذي يعبر من خلاله الإنسان المغربي عن هواجسه ، فالصحافة المستقلة التي تحاول أن تقول "لا" إذا استدعى الأمر ذلك، تحاك ضدها المؤامرات وتحرم من التمويل بما في ذلك منع الشركات من التعامل معها فيما يخص الإشهار ، وكذلك الاتهامات الجزافية الموجهة إليها ، إذ وصفت غير ما مرة بأنها تمارس المعارضة الممنهجة وبأنه تشجع نظرة اليأس و تتلقى التمويل من أعداء البلاد ، بل اعتبرت في أكثر من مناسبة بأنها ترعى أفكار الإرهاب غداة أحداث 16 ماي ، و الغريب هو هذه السرعة التي يتم البث من خلالها في القضايا المرفوعة ضد الصحف المستقلة( تيل كيل،الصحيفة ، إغلاق صحف المرابط.....)والأحكام المبالغ فيها ضدها ، وفي المقابل تماطل مطلق في تنفيذ أو حتى البث في القضايا المرفوعة ضد السلطة من طرف هذه الصحافة كأحداث الاعتداء على الصحافيين(رشيد نيني ، عواد ، مكريم ، بلوط ، تحذير الجريدة الأخرى.......) . إذن و كنتيجة فرعية هل بعد هذا توجد حالة طوارئ أخرى؟ المؤشرالرابع : فساد القضاء إن أهم قرار يتخذه أي نظام سياسي بعيد الإعلان عن حالة الاستثناء هو تجميد القوانين المعمول بها واللجوء إلى التدابير الاستثنائية بما في ذلك انتشار المحاكم العسكرية ، وفي المغرب ورغم أنه لا يعيش حالة الطوارئ ، إلا أن جميع المعطيات تدل على أن القضاء المغربي أقرب إلى حالة الطوارء منه إلى الحالة العادية ، فالقضاة وخاصة في القضايا الكبيرة يكتفون بالنطق بالأحكام ، والأمثلة على ذلك كثيرة كالأحكام التي أطلقتها المحاكم بعيد أحداث 16 ماي الإرهابية حيث فرضت ألاف السنين من السجن على أشخاص لم تعطاهم فرصة للدفاع عن أنفسهم بل منهم من قضى أثناء التحقيق في ظروف غامضة ، وكذلك ماعرف بقضية ندية ياسين حيث فتح و أغلق ملفها في ظل حيثيات مريبة ، أضف إلى ذلك قضايا الفساد المالي وتجار المخدرات الكبار، وغيرها من القضايا التي أثبت فيها القضاء عدم استقلاليته في القضايا الكبرى وتفشي الرشوة في القضايا الصغرى ، هذا مع حرمان االقضاة من حقهم في العمل النقابي والجمعوي، حيث يتعرضون لإجراءات لا ديمقراطية(نموذج ما حصل للقاضي في المجلس الأعلى)، وكذلك عدم استقلالية القضاء عن السلطة التنفيذية إذ يرأس وزير العدل المجلس الأعلى، بما في ذلك استغلال المسطرة التأديبي و الترقية لمعاقبة القضاة الخارجين عن طوع إملاءات السلطة. المؤشر الخامس: تبعية النخبة تتميز النخبة في المغرب بالقابلية للاختراق بشتى أنواعه ، فالسياسة المتبعة في هذا البلد فيما يخص هذه النقطة تتركز حول ثلاث سبل: أولا: الادماج: إن أغلب ما يؤرق المواطن المغربي هو هذا النزيف الذي يصيب النخبة ، حيث أبانت عن عدم صمودها أمام الإغراءات ،فكم من المناضلين و المثقفين ثم إدماجهم داخل سياسة السلطة وأصبحوا بوقا دعائيا لها سواء في وزارة الداخلية أو الإعلام أو الأوقاف و الأمثلة على ذلك واضحة ومتعددة. ثانيا: الارشاء: إن ظاهرة إرشاء النخب ليست بالجديدة ولا يشكل فيها المغرب الفرادة ، لكن الأخير يتميز بأن الظاهرة فيه قد تتخذ طابعا جماعيا في الكثير من الأحيان ، فكم من الهيئات تم التعويل عليها لكي تقود قاطر التغيير لكن تم التغرر بها عن طريق عدة أشكال كمنحها مقرا هنا أو هناك، أو السماح لها بإقامة أنشطتها دون مضايقة، مما خفت من صوتها مراعاة للنتائج الوهمية التي تجنيها، أو تمكينها من المنفعة العامة أو استدعائها في جلسة من الجلسات الرسمية ، هذه وغيرها من الطرق الملتوية، أما في الحالات التي تظهر فيها الرشوة بشكل جلي فأملثها كثيرة كالمنح و الإضافات في رواتب الوزراء و البرلمانيين الذين انتخبهم المواطنين للدفاع عن مصالحهم فتحولوا عن هذا الهذف النبيل نحو الانتفاع الشخصي، بحيث لم تعد تهمهم مصلحة من انتخبوهم، أضف إلى ذلك تلك الضيعات التي تفوت لبعضهم ، والسيارات الفاخرة التي يحصلون عليها حسب ما استجد من فنون الموضى، التي أخرصتهم عن الكلام ، أو عبر الرعاية الصحية التي يحضى بها الرموز لحظة إصابتهم بنزلة برد أو غيرها ، أليس المثل يقول أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم. ثالثا: التهميش: أما فيما يخص المثقفين المناضلين العصيين على الهضم فمصيرهم التهميش و المحاصرة و التعتيم الإعلامي، مما يجعلهم معروفين في العالم ومجهولين في الداخل،يحرمون من الالتقاء بالجماهير و أمتلثهم قلة للأسف. المؤشر السادس: تفشي البطالة و لاديمقراطية التوزيع يعيش المغرب حالة من التوتر والقلق حيال الوضع الاقتصادي المتدهور فكثير من المصانع أغلقت وسرح عمالها، أما مسلسل الهجرة السرية فلازال يحصد المئات من المواطنين ، في الوقت الذي أرخت فيه الدعارة سدولها في الداخل والخارج، بعد أن حطم المغرب جميع الأرقام فيما يتعلق بتجارة المخدرات ، ويبقى الفساد المالي ضاربا في عمق أعتا المؤسسات وأكبرها إذ احتل المغرب آخر المراتب في ما يخص الرشوة سواء في التقارير الدولية أو الوطنية ، وتبقى بطالة حملة الشواهد في استمرار متزايد مع ما يترب على ذلك من معاناة يومية تعيشها هذه الفئة من المواطنين خاصة المعتصمين منهم أمام البرلمان، و الاعتداءات التي يتعرضون لها على يد الباشا" ركراكة"، في ظل هذه الظروف تبقى مؤشرات التغير ضعيفة ، إذ الإرادة في توزيع الثروة بشكل عادل شبه منعدمة، فالفرق كبير بين الحد الأدنى للأجور وبين أجور الموظفين الكبار، إضاقة إلى الامتيازات التي يحصلون عليها والتعويضات المسكوت عنها ، والتي لا رقابة عليها ،بما في ذلك عرقلت القوانين التي من شأنها المساهمة في تغيير هذه الوضعية كالقانون المحتجز من لدن الأمانة العامة للحكومة لأكتر من ثلاث سنوات المتعلق بتصريح الموظفين بممتلكاتهم،مع بطئ شديد في تحريك قضايا الفساد الكبرى ،حيث لازال مسلسل تهريب العملة في تصاعد، والتهرب الضريبي لم تحد منه مبادرة العائلة المالكة التي بدأت بنفسها في هذا المجال، وكذلك لازالت الكثير من الملفات الاقتصادية تعرف تدبيرها خارج الفضاءات المحددة لذلك، كالصيد البحري ورخصه التي يستفيد منها الأغنياء دون الفقراء، وملف الفوسفاط ، كما أن دخول المؤسسة الملكية كقطب اقتصادي من خلال مؤسسة" أونا" عرضها لكثير من النقد ، كما أن هذه الظروف وغيرها خلفت نفسية مؤزومة لدى المقاولات المغربية الكبرى(التي هي في الأصل ضعيفة المواطنة في أغلبها)، مما افقدها الثقة في السوق المغربية والرغبة في المخاطرة ، إذ تفضل نقل السيولة والاستثمار في الخارج. إذن في ظل جميع هذه المؤشرات وغيرها ، هل من مقارنة بين المغرب ومصر ، هذا البلد الذي يعلن الطوارئ منذ سنوات؟ مصر من الطؤارئ إلى الديمقراطية: حتى تتضح الصورة أكثر، فما أعني بمصر ليس النظام المستبد الذي يكتم أنفاس المواطنين ويحاصر المجتمع المدني ويستمر في مراكمة الثروات على حساب المقهورين، هذا النظام الذي يحاول جاهدا أن تستمر حالة الطوارئ ،بل المقصود هو المجتمع المصري وقدرته على انتزاع التحول نحو الديمقراطية رغم ممانعة النظام، فهذا الأخير اضطر لتقديم تنازلات فرضها المجتمع المدني وليس برغبة منه، وكما تطرقنا فيما يتعلق بالمغرب لما أبرزنا المؤشرات التي توضح الحالة الاستثنائية التي يعيشها المغرب فالأمر نفسه نسلكه في دراسة تحول مصر من الطوارئ إلى الديموقراطية رغم النظام وحاشيته. المؤشر الأول:نزاهة القضاء يعتبر القضاء في مصر مسألة مميزة في الساحة المصرية، فالقضاء في هذا البلد يعرف نزاهة لا مثيل لها في الوطن العربي في ظل الاستبداد، حيث ظل عصيا على الهضم، إذ لديه جمعياته ومسؤوليه المنتخبين، في ظل ديمقراطية داخلية يشهدها نادي القضاة، فرغم أن النظام المصري لازال يرفض إقرار نظام أساسي خاص بالقضاة، إلا أن الواقع في طور التشكل وقد يكون في صالح القضاة إذا ما استمر هذا الوعي الطالع، كما أن ظاهرة الرشوة تظل محدودة ،
فالقضاة في مصر لهم دور كبير في الحياة السياسية، فهم من يشرف على مراقبة الانتخابات، وإن كانت هذه النقطة تعرف نقاشا حادا بسبب احتجاج القضاة على حرمانهم من نظامهم الأساسي ، كما أنه يمكن لبعض الأحكام الجائرة التي تصدر عن المحاكم المصرية أن تشكل نقطة سوداء في سجل القضاء المصري ، إلا أن السبب يعود إلى القانون المطبق والذي صاغه الجهاز التشريعي الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم، وليس للقضاة أنفسهم. المؤشر الثاني : انتزاع تعديل الفصل 71 من الدستور كان هذا الفصل يحول النظام المصري، والذي هو جمهوري في الأصل، إلى وضع شبيه بالأنظمة الملكية حيث التوريث بدل الانتخاب ، غير أن تفاعلات المجتمع المصري عرضت النظام لمزيد من الإحراج الداخلي و الخارجي اضطر معه الحاكم المصري لتعديل هذه المادة لصالح المنافسة على منصب الرئيس ، وإن كان التعديل قد جاء مخيبا للآمال بسبب الشروط اللاديمقراطية التي يشترطها في المرشح للمنافسة على منصب الرئاسة، إلا أن هذا الحراك السياسي الذي يعرفه المجتمع كفيل بأن يحقق أهدافه وينتزع المزيد من المكاسب. المؤشر الثالث:صحافة لها صفة السلطة الرابعة إلى جانب الصحافة الرسمية المرئية و المسموعة التي تدور في فلك النظام وتسبح بحمده بما فيها تلك الصحف التي تنعت بالقومية، استطاعت الصحف المستقلة أن تحقق لها مصداقية لدى الشارع المصري ، وكذلك لها تأثير كبير على الحياة السياسية حيث استطات اسقاط الكثير من رموز الفساد وقوضت صورة النبل التي يحاول النظام تسويقها عن نفسه ، هذا مع العلم أن النظام المصري حاول محاصرة هذا النوع من الصحافة و الحد من حريتها ، إلا أن تضامن المجتمع المصري ومصداقية المحررين جعلت السلطة تسلم بالأمر الواقع، و تقر رفع الطوارئ عن الصحافة الخارج عن طوعها، إن لم يكن رفعا قانونيا فعلى الأقل رفعا عمليا. المؤشر الرابع: فاعلية المجتمع المدني هذه أهم نقطة فاصلة بين الواقعين المغربي والمصري ، فمعلوم أن حالة الطوارئ ترفع أي عمل سياسي أو مدني ، إلا أن ما يجري في الساحة المصرية لا يظهر من خلاله الكثير من مؤشرات الطوارئ ، فالأحزاب مستمرة في معارضتها ونقدها للنظام (وإن كانت قدرتها على التأطير محل نقاش) ، والجمعيات المدنية واعية بطبيعة المرحلة مدركة بأن لا سبيل للتغيير في ظل التشردم والتمزق المجتمعي و في غياب وحدة استراتيجية ، مما دفعها للتوحد تحت يافطة حركة "كفاية" ،هذه الحركة التي استطاعت أن تحقق نتائج لا بأس بها ، فتحت الباب من خلاله لحركية المجتمع المدني بما في ذلك الجماعات الدينية المحظورة في عرف النظام وخاصة جماعة الأخوان المسلمون، هذه الجماعة التي يعتبرها أغلب المراقبون القوة الأولى في مصر بعد الحزب الحاكم . إذن لقد استطاع المجتمع المصري خلق فضاء عمومي يشهد التظاهر السلمي و النقاش في القضايا الحساسة ، لا يعكر صفوه إل ممارسات رجال الأمن وبلطجية الحزب الحاكم، المنبوذة وطنيا ودوليا، هذه الممارسات التي من شأنها تقويض النظام المصري نهائيا. أظف إلى هذا التنافسية الحرة التي تعرفها النقابات المهنية وقدرتها على التأطير وممانعتها للادماج و الارشاء. فبعد هذه المؤشرات التي من شأنها كما قلنا إفقاد النظام أي مصداقية وخير مثال على ذلك تراجع الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لصالح المعارضة القومية منها و الاسلامية، تراجعا لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا الحزب، هل يمكن الحديث عن حالة طوارئ ممكن أن تستمر في ظل هذا الوعي المجتمعي الصاعد وكذلك هذه الرغبة الملحة للنظام السياسي في استمرار الطوارئ ومراكمة المزيد من الثروات؟ وهل النظام السياسي المغربي واع بطبيعة المرحلة مدرك للتحديات ولديه الرغبة للخروج من هذه الأزمة نحو ديمقراطية تشاركية، الكل فيها سواسية لا فرق بين موظف سامي وآخر عادي ولا بين جنرال وصياد صغير ؟ هذه الأسئلة وغيرها تبقى الأيام كفيلة بالاجابة عنها؟ ملاحظة مهمة يجب إبداؤها في هذا الصدد ، حيث ان موضة انتشرت هذه الأيام في الأوساط الرسمية المغربية ، مفادها أن كل منتقد للسياسة الرسمية أو المتضامن مع المحرمين فهو بالضرورة يشجع نظرة اليأس ويمارس المعارضة الممنهجة، لكن أقول أن حماية النظام العام وبث الاستقرارلا يكون بالخطابات و الأقوال والتزلف في المناسبات والظهور بمظهر المحب للشعب ، هو الذي سيحقق ذلك ، بل الأفعال والممارسة هي من يخرج المواطن المغربي من اليأس ومنحه الثقة التي فقدها في المؤسسات ،عبر سياسة تحررية تنبني على المساواة وحقوق الانسان كممارسة في الواقع اليومي، فعيب أن يكون الخطاب في جهة والواقع في منحى مضاد، فهلا نزل الذين يتهمون المنقدين إلى الأرض لمعايشة المواطن، حتى يكتشفوا ما يدعو الانسان إلى اليأس، بعد أن يروا تصرف الشرطة مع المواطنين ،وحراس السجون مع السجناء ،و القضاة في المحكمة والمستشفيات التي أفرغت من محتوياتها. آنذاك سيصدقوا بأن الفقر هو من يدفع الناس إلى اليأس وليس الخطاب المنتقد الذي قد يكون بالعكس مساهم في تأجيل بروز أعراض هذا اليأس كما حدث في ضواحي فرنسا ، نظرا لقدرته على التنفيس كالمصل الذي يساهم في الحد من الأمراض. هامش : الأستاذ / عبد الرحيم العلام ، كاتب مغربي وقد أرسل رسالته مرفقا بها الرسالة التالية : إلى السيد رئيس التحرير: أتقدم لكم أنا عبد الرحيم العلام ، باحث في العلوم السياسية ،من المغرب ، بهذه المقالة قصد نشرها ،وذلك لتدعيم روابط الأخوة بين الشعبين المصري والمغربي، وكذلك حتى نبرز رؤية بعض الباحثين المغاربة لما يجري في مصر ،بما في ذلك إطلاعكم على أحوالنا في المغرب. ولكم جزيل الشكر مع المزيد من العطاء

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.