لم يكن قرار الكونجرس الأمريكي بإيقاف نحو 290 مليون دولار من المعونة الأمريكية التي تسلمها إلي مصر سنويًا وليد الصدفة، فقد جاء بعد مباحثات عدة وجلسات عقدتها المعارضة المصرية في الخارج مع أعضاء بالكونجرس ومستشارين للرئيس دونالد ترامب, بالإضافة إلى جماعات الضغط داخل المجتمع الأمريكي. وفي جلسة استماع عقدها الكونجرس في أواخر أبريل الماضي، قال توم إليوت إبرامز، كبير الباحثين في المجلس الأمريكي للعلاقات الدولية، وميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد كارنيجي الأمريكي، إن الانتهاكات غير المسبوقة لحقوق الإنسان والقمع السياسي في مصر يفاقمان من حدة الأوضاع في البلاد. وخلال مشاركته في يونيو الماضي، في مؤتمر بعنوان "محاربة الإرهاب دون التضحية بحقوق الإنسان"، بمقر الكونجرس ، بمشاركة أعضاء من الكونجرس ودبلوماسيين والعديد من الأكاديميين، قال بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن الحركة الديمقراطية الليبرالية المصرية، بما فيها منظمات حقوق الإنسان تتعرض لهجمات ضارية متواصلة منذ عام 2011. وتتمثل العقوبات الأمريكية في إيقاف ما يقرب من 290مليون دولار أمريكي من مجموع المعونة الأمريكية في مصر, جزء منها كمساعدات عسكرية بقيمة 65,7 مليون دولار,30 مليون لتحسين الاقتصاد , بالإضافة إلى إيقاف تسليم 195 مليون دولار حسب اتفاق مشروط بين البلدين . ويأتي قرار خفض المساعدات الأمريكية لمصر بعد أن سجل تقارب في العلاقات بين القاهرة وواشنطن منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة مطلع العام الحالي. وقال بهي الدين حسن، عبر حسابه على موقع "تويتر"، إن "انتهاكات حقوق الإنسان بصوره المختلفة لن تتسبب فقط في إيقاف جزء من المعونة الأمريكية, وإنما ستمتد لتشكل المعونة بشكل عام وخفضها من 1,3 مليار دولار إلى أقل من مليار دولار سنويًا". وأضاف:" إذا لم يتم تقديم أي حلول جديدة بنهاية شهر سبتمبر المقبل في ملف حقوق الإنسان من المتوقع أن تسوء العلاقة بشكل اكبر بين الإدارة المصرية والأمريكية, فيما يحاول الرئيس السيسي الضغط علي الإدارة الأمريكية بحماية الحدود مع إسرائيل لغض البصر عن ملف حقوق الإنسان, بينما تضغط أمريكا على السيسي من اتجاه آخر بسبب علاقاته الجديدة مع نظام كوريا الشمالية المعادي للولايات المتحدة. وقال الدكتور معتز الفجيري, الناشط بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ل "المصريون", إن "الجلسات المتكررة مع مراكز الضغط في الولاياتالمتحدة، وتوضيح وجهة النظر، وحجم ما تتعرض له حقوق الإنسان في مصر من ترد هي السبب وراء القرار, خاصة وأن الأمر ممتد منذ فترة كبيرة, وبعد إقرار قانون الجمعيات الأهلية الذي رفضه الجميع, ومع ذلك أقره مجلس النواب". وأضاف الفجيري: "العقوبات على النظام المصري لن تقتصر على حجب جزء من المساعدات الأمريكية لمصر، وإنما قد يشمل تخفيض المعونة بشكل عام خلال هذه السنة، حتى تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، وهو ما أكده بيان الخارجية الأمريكية بعد تسريب خبر خفض المساعدات الأمريكية للقاهرة". وأوضح, أن "حالة حقوق الإنسان في مصر أصبح يرثى لها, وأصبح لزامًا علة السلطة إيقاف حالات الاختفاء القسري والإفراج عن المعتقلين وإلغاء الحجب عن المواقع الصحفية". من جهته, قال السفير جمال بيومي, مساعد وزير الخارجية الأسبق, إن "إيقاف ضخ جزء من المعونة الأمريكية في مصر جاء في وقت صعب بالنسبة للإدارة المصرية, خاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة, بالإضافة إلى محاولات تعديل الدستور بما يسمح بمد فترة الرئاسة إلى 6 سنوات بدلاً من أربع, مع مطالبات للولايات المتحدة بإعطاء مزيد من الحرية للمعارضة السياسية وعدم الاعتداء على حقوق الإنسان". وأضاف: "قانون الجمعيات الأهلية كان القرار الخطأ للسلطة السياسية، وخاصة مجلس النواب, حيث حذر الجميع وقتها من أنه يمثل ضررًا كبيرًا على الحياة الحقوقية في مصر, وخرجت بعض الدول لتحذر من ذلك, وبالتالي كان لزامًا أن يتم تأجيله أو تعديله بما يجعله يحصل على نسبة من الرضا من المجتمع الدولي". وتحصل مصر على مساعدات عسكرية الأمريكية قيمتها 1,3 مليار دولار سنويًا منذ توقيعها أول معاهدة سلام بين دولة عربية وإسرائيل في العام 1979. كما تحصل منذ ذلك الحين على مساعدات اقتصادية تتناقص سنويًا. وتعهدت إدارة ترامب، التي أعلنت عزمها على خفض المساعدات الخارجية بنسبة كبيرة، بأن تبقي على مساعدة «قوية» لمصر. إلا أنها لم تلتزم برقم محدد. وجمدت إدارة اوباما المساعدات العسكرية السنوية لمصر في 2013 بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.