دون شك فأن التطورات السياسية المتلاحقة داخل اسرائيل قد أفرزت واقعاً جديداً وسم صلب الخريطة الحزبية الاسرائيلية وفرص الأحزاب السياسية الاسرائيلية الكبيرة في الوصول لسدة الحكم : * فإعلان رئيس وزراء اسرائيل أريك شارون عن الانسحاب من الحكومة وتشكيل حزب جديد يضم أربعة عشر عضو كنيست مع احتمال ضم شمعون بيرس لهذا الحزب شكل ضربة قوية لفرص الليكود للعودة للسلطة .. هذه العودة التي كانت قبل اسبوع واحد فقط مضمونة تماماً ، فانسلاخ يسار الوسط الاسرائيلي عن الليكود ضمن خسارته للكثير من الاصوات اليمينية الديموقراطية والمعتدلة وأسهم بإظهار الليكود كحزب يميني متطرف معادي لفرص صنع السلام ، الأمر الذي سيؤدي دون شك للنيل من فرص الليكود الانتخابية . * ووجود عمير بيرس على رأس حزب العمل شكل ميزة من حيث كونه يهودياً شرقياً ( سفاردي ) ، بمكنته حصد الكثير من الاصوات التي كانت تاريحياً تمنح صوتها لليكود وحزب شاس الديني الشرقي ، كما شكل ميزة من حيث كونه كان سكرتيراً عاماً لنقابة العمال الاسرائيلية العامة ( الهستدروت ) ، وبالتالي سيحظى بدعم وتعاطف الطبقة العاملة الاسرائيلية والكثير من الطبقات الفقيرة ، فبيرتس من دعاة الضمان الاجتماعي ودعم الطبقة العاملة الاسرائيلية والاسر كثيرة الاولاد .. الخ .. لكن علينا أن نشير هنا الى أن الناخب الاسرائيلي عادة ، بسبب عقلية الغيتو ، وحالات الذعر الأمني التي تسم الوجدان اليهودي عبر التاريخ ، هو بطبيعته يميل لانتخاب أحد الجنرالات في الحكم ، ولعل أسوأ ما في شخصية عمير بيرتس هو كونه ليس خريج المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ، ويقال بأن سبب هزائم شمعون بيرس الدراماتيكية التاريخية في الانتخابات في اسرائيل ، كمنت في كونه بعيداً عن المؤسسة العسكرية الاسرائيلية رغم بداياته السياسية كإبن مدلل لديفيد بن غوريون مؤسس الدولة العبرية .. ويعتقد بأن عمير بيرتس بسبب ميل الجمهور الاسرائيلي لليمين بشكل طردي مع العمل العسكري الفلسطيني في سنوات الانتفاضة إضافة لماضيه غير العسكري ، يحتاج لقوة دافعة إضافية ليستطيع النجاح في الانتخابات كأكبر الاحزاب التي تناط بها مهمة تشكيل الحكومة ، وقد تكون هذه القوة الدافعة هي عودة الجنرال أيهود براك للعمل السياسي ، ولكن ، هل يقبل براك أن يعود كرجل ثاني في حزب العمل ؟.. وهل يقبل بيرتس التخلي عن كونه الزعيم الأول لحزب العمل ؟.. سؤال قد تجيب عليه الاسابيع القليلة القادمة . * أريك شارون شخصية عسكرية من الدرجة الاولى ، حكم قطاع غزة في أوج العمل الفدائي المقاوم في مطلع السبعينات ، ويعزى له انه تمكن من إنهاء هذا العمل الفدائي في حينه ، وهو الذي قاد ثغرة الدفرسوار على الجبهة المصرية إبان حرب أكتوبر ، وقد كاد أن يطوق مدينة الاسماعيلية توطئة لاحتلالها ، لكنه أخفق في ذلك ، وشارون هو بطل حرب لبنان واجتياح بيروت وطرد الثورة الفلسطينية والجيش السوري من جنوب لبنان حتى بيروت ، وهو بالتأكيد بطل مذابح صبرا وشاتيلا الشهيرة . * ورغم البداية المتطرفة للغاية التي بدأ بها شارون تاريخه السياسي ، حيث كان يحسب بأنه على يمين مناحيم بيغن رجل الليكود الأول والمؤسس ، إلا أنه بالأعوام الأخيرة شهد نضجاً سياسياً ، وأخذ يميل للدهاء في أطروحاته السياسية ، وهو صاحب فكرة الخروج من قطاع غزة وتحييده من الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، الأمر الذي جعل أقطاب يمين الليكود يتكالبون عليه لصالح غريمه الكلاسيكي بنيامين نتنياهو ، ورغم أن شارون قد حظي مؤخراً بدعم مركز الليكود بنسبة بسيطة ، إلا أن انسحاب عمير بيرتس من الائتلاف الحكومي منحهم فرصة تاريخية للإنقضاض على اريك شارون .. ولكون شارون يعي تماماً بأن فرص بنيامين نتنياهو أوفر حظاً منه في قيادة الليكود فضل الانسحاب من الليكود والبحث لنفسه عن فرصة جديدة في حزب جديد .. غير أن واقع الحال في إسرائيل يفيد بأن أيٍ من الأحزاب الاسرائيلية التي سبق وانشقت عن حزبي الليكود والمعراخ ، لم يكتب لها الصمود والنجاح لفترة طويلة ، فحالة التقاطب بالخريطة الاسرائيلية موضوعية ، ومن الصعب على أي حزب أن يبرر نفسه موضوعياً أمام الناخب الاسرائيلي ، وعلى ذلك ، فنحن نرجح فشل أريك شارون في حصد أصوات تمكنه من تشكيل حكومة اسرائيلية جديدة عقب الانتخابات الاسرائيلية العتيدة .. وفي الوقت الذي سيخسر فيه الليكود الكثير والكثير جداً من الأصوات ، يبقى لموقف الأحزاب الاسرائيلية الأخرى دوراً كبيراً في تحديد من هو رئيس وزراء اسرائيل القادم ، ومن الصعب علينا أن نتوقع أن تتحالف حركة شاس الدينية الشرقية مع حزب آخر سوى حزب العمل الذي يقوده اليهودي الشرقي عمير بيرتس ، غير أن حركة شينوي الديموقراطية اليمينية يبقى وضعها كمن يجلس بين كرسيين ، فهي سياسياً أقرب لليكود ، وهي ديموقراطياً واجتماعياً أقرب لحزب العمل ، ومن البديهي بأن حزب اريك شارون لن يأتلف بالمطلق مع الليكود بحكومة يقودها بنيامين نتنياهو ، وكان يقودها شارون .. والحال ، ورغم أن فرص حزب العمل قد تبدو أوفر ، الى أن هذه النتيجة قد تكون خادعة في ظل الميل النسبي للجمهور الاسرائيلي صوب اليمين ، إلا أن نجاح حزب العمل قد يشكل فرصة تاريخية قد لاتتكرر للوصول الى حل سياسي لأزمة الشرق الأوسط . [email protected]