يمكن استخلاص بعض الأمور من نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، أول هذه الأمور يعود بنا إلى استفتاء التعديلات الدستورية، فلا يجب رد التصويت بنعم فى ذلك الاستفتاء إلى استخدام الدعاية الدينية كما روج الإعلام، فقد كان الذين وافقوا على التعديلات يبررون ذلك بالرغبة الملحة فى الوصول إلى أى بر وتحقيق الاستقرار فى مصر، والآن تأتى النسبة الكبيرة التى حصل عليها أحمد شفيق وعمرو موسى؛ لتقول لنا إن فكرة الاستقرار أيضًا كانت العامل المؤثر فى اختيار كثير ممن اختاروا أيا منهما، فجزء ممن أرادوا الاستقرار فى الموافقة على التعديلات كانوا يبحثون عنه عند موسى أو شفيق، وكنت ألحظ أن كثيرًا من موظفى المصالح الحكومية وكما قال البعض موظفى المحليات، وكثيرًا من أصحاب الأعمال الصغيرة من بقالة وخردوات ومحلات حلاقة وبيع أجهزة كهربية، بل وبعض السواقين، وأمثال هؤلاء، كانوا مؤيدين لأحمد شفيق وعمرو موسى، ويضاف إليهم بعض كبار السن وأصحاب المعاشات وكثير من المزارعين فى محافظات الدلتا، بالإضافة إلى كثير من أبناء الطبقات الراقية ذات الوفرة التى ترغب فى استمرارية مستوى معيشتها. لقد دفع أكثر هؤلاء حرصهم على أعمالهم الصغيرة (ولا نذكر رجال الأعمال الكبار الذى دعموا شفيق صراحة) وعلى وظائفهم، وقوت أولادهم، ومستويات معيشتهم كما هى وأرادوا الاستقرار كما تصوروه بغض النظر عن مقتضياته أو كونه يعود بنا إلى الماضى، ولم يعودوا مستعدين للاستمرار فى المغامرة بعد العام والنصف المنقضيين، وبالتأكيد فجزء كبير من ذلك نتج عن الأزمات المعيشية وحالة الانفلات الأمنى، والكوارث التى صاحبت كثيرًا من المظاهرات، والتى نكاد نجمع على أنها مفتعلة ومتعمدة لتشويه الثورة والمستقبل الذى تعد به. لقد استطاعت السياسات المعادية للثورة أن توجه رغبة المصريين الأصيلة فى الاستقرار، إلى الاتجاه الخاطئ، ووجود هذه الرغبة منبعه طبيعة المصريين المسالمة لظروف البيئة النهرية، والتى كذلك استساغت الاستسلام لطغيان الحكام منذ المماليك، ويقويه حب المصرى لولده ولبلده إلى الحد الذى قد يرضى فيه بالظلم من أجل ضمان حياة أولاده ومن أجل ضمان سلامة هذا البلد الذى يعيش فيه مهما كانت هيئة هذه الحياة، ومشهد المصرى المبتسم فى أسوأ الظروف الراضى بأدنى حياة هى صورة يتغنى بها الإعلام أحيانًا، بل نضحك منها جميعًا عندما نقول إن المصريين تظاهروا أمام كمين الأمن، مطالبين أن يكون "ضرب القفا" بمعدل أسرع حتى لا يتأخروا على أعمالهم، وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا. أمر ثانٍ نراه فى النتائج وهو انقسام التيارات الثورية على أنفسها ورغبة كل منها فى تولى القيادة، ليس لأنه الأصلح، ولكن لأن الآخرين لا يصلحون، وهذا فى حد ذاته انهزام، ولا يمكن أن يجد بين المصريين البسطاء أى دعم، بل إن المناظرة بين موسى وأبو الفتوح قد أفقدتهما كثيرًا من التأييد عندما دخل فيها التجريح الشخصى، والتنافس غير الطيب الذى لا يحبه المصريون بالطبيعة، ولذلك ينجح أعداء الثورة فى اجتذاب الكثيرين بإثارة حب الاستقرار والسلامة فى نفوسهم. وأمر ثالث، هو أن النسبة الأعلى التى حصل عليها شفيق وليس عمرو موسى - باعتبار عمرو موسى أبعد عن النظام السابق نسبيًا - تقول لنا بوضوح إن كثيرًا من المصريين قد صاروا لا يرغبون فقط فى الاستقرار بعيدًا عما جرته عليهم تلك الثورة!! إنما هم يرغبون فى ذلك النوع من الاستقرار الذى كان يفرضه النظام السابق بالتحديد. د. مجدى هلال - جامعة بنها [email protected]