ذات يوم لاحظت أن نمو تلك الشجيرات التي تزين حديقة بيتي يسير ببطيء، ففكرت ملياً أنني اذا ما أضفت اليها قليل من السباخ الطبيعي سيتغير الحال الي الأحسن وسيتحسن نمو تلك الشجيرات التي تتعرض يومياً لكثير من المضايقات الآدمية قبل البيئية. أتتني فكرة أكثر فاعلية أنني لم أكتفي بالنمو الطبيعي الذي أحدثته تلك السباخ فأردت أن أسرع من هذا النمو فأضفت اليها السماد الكيميائي ( اليوريا – الفوسفات)، لكن للأسف بكميات كبيرة أكثر من اللازم، فقد ظننت أنني لو أكثرت من وضع الكمية المطلوبة ستؤدي ضعف الغرض المطلوب لكني صدمت بالنتيجة ففي اليوم التالي فقد وجدت أوراقها قد تساقطت وفروعها قد ذبلت وألياقها قد حرقت، لقد آذيت تلك الشجيرات بيدي نتيجة جهلي، ظننت انني أحسنت التعامل معها إلا أنني في الحقيقة قد تسبب في موتها فحق عليَ المثل الشعبي القائل " جه يكحلها عماها" فعلي سبيل القياس وليس التشبيه نستيقظ صباح كل يوم علي محاولات فاشلة " إفتكاسات " كثيرة لتطوير تراثنا الثقافي بحيث أصبح كل " من هب ودب" يفتي بما لا يعلم فيما يخص تراث أمة وليس تراث شخصي. حتى أصبح تراثنا الثقافي وحيداً في مهب الرياح يتعرض وبشكل يومي لهجمات شرسة وبكل أسف من أصحابه، من أناس كان من يفترض أنهم أحرص الناس علي حمايته والمحافظة عليه وتطويره بل والاستفادة منه مادياً من خلال تسويقه حتي يصبح مورداً من موارد الدخل القومي بدل من أن نكون نحن المطرقة التي يهدر بها هذا التراث غدراً. جعلت وزارة الزراعة من المتحف الزراعي حقلاً للتجارب، إذ تجرب فيه تلك الإفتكاسات التي تود من خلالها تطويره ولم تضع في حسبانها ان المتحف التي أنشأه الملك أحمد فؤاد معدلاً في قصر الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل عام 1930 كان جزءاً من الحديقة التراثية التي تحيط به فالمتحف وحديقته كيان واحد لا يتجزأ ، فقد أسند الملك فؤاد الأول الي الدكتور إيفان ناجي مدير متحف بودابست تنظيم المتحف فقام مقلداً لمتحف بودابست الزراعي و أطلق علي المبني والحديقة لفظ " متحف فؤاد الأول الزراعي" تأتي محاولات وزارة الزراعة لتطوير المتحف الزراعي بالدقي إستجابةً لمناقشات نواب الشعب الذين طرحوا مبادرة " التفكير خارج الصندوق" للتعامل مع موارد الدولة وتنميتها " حيث طالب عدد كبير من نواب البرلمان، بضرورة استغلال موارد الدولة الاستغلال الأمثل من أجل إيجاد حلول خارج الصندوق، تساهم فى سداد عجز الموازنة العامة، ويرفع من إيرادات الهيئات والوزارت المختلفة وعلى رأسها وزارة الزرعة والتى تمتلك عددا كبيرا من المنشآت والمتاحف التى لتستغل الاستغلال الأمثل وعلى رأسها المتحف الزراعى بالدقى والتى تبلغ مساحته ما يقرب من30 فدانا، أى ما يقرب من 126000 متر، دون استغلال حقيقى، مما يعتبر إهمالا حقيقيا لثروات مصر، لهذا دعا عدد من نواب البرلمان لاستغلال هذه المساحة الكبير للمتحف الزراعى مع الحفاظ عليه.. انتهي البيان". كانت إستجابة وزارة الزراعة لتلك المناقشات سريعة، فقدمت الوزارة، المتحف الزراعي قرباناً من أجل إرضاء هؤلاء النواب تسترضي به الشعب علي حساب تراثه، فهي تهدف بهذا التطوير المحافظة علي هذا الكيان الثقافي العظيم بعد محاولات ثمة للتغول علي حرمه سواء بعد قيام المسؤلين عليه " وفقاً لصفحة المتحف علي الفيس بوك" بهدم جزء من السورفكانت النتيجة ان التكاتك والعربات الميني باص قامت بانتهاك حرمة المتحف. وكما يقول المثل الشعبي " المال السايب يعلم السرقة" فإن الإهمال التي يعاني منه المتحف الزراعي قد دفع بعض اللصوص لسرقة سقالات الترميم الموجودة داخل حرم المتحف الأمر الذي ينبئ بالخطر القادم علي مجموعاته المتحفية. كانت محاولة نواب الشعب هلامية تفتقر الي الشفافية في طرح خطة التطويراو آلية التنفيذ فتصريحاتهم تختلف مع تصريحات وزير الزراعة، فأيهما نصدق .... ففي صباح يوم الجمعة، 09 يونيو 2017 ، أعلن نائب وزير الزراعة، الدكتور عصام الحداد تحت مانشت عريض ببوابة اليوم السابع مقالاً بعنوان "الزراعة" تعيد إحياء المتحف الزراعي لتوثيق ذاكرة مصر الزراعية. رصد 22 مليون جنيه لأعمال التطوير وتركيب كاميرات مراقبة. وأضاف، دعوة رجال الأعمال لاستغلال 105 ألف متر في إنشاء ساحة انتظار للسيارات ومطاعم"... انتهي العنوان من الجيد أن تتحرك الدولة لتطوير متاحفها بإعتبار تلك المتاحف هي المؤسسات الثقافية المنوط بها حفظ التراث الثقافي للشعوب وأن هذه المؤسسات هي الجهة المنوط بها وضع خطط التطوير التي تحقق هدفين لا ثالث لهما أولهما الأثر وثانيها البشر فعن الهدف الأول تسعي المتاحف بكافة أشكالها وأنواعها في دول العالم المختلفة ان تقوم بتطوير نفسها بنفسها، اذ يشمل هذا التطوير نواحي مختلفة تشمل توفير البيئة المتحفية الملائمة للمقتنيات المتحفية ولخدمة الزوار أيضاً ويأتي هذا من خلال تطوير المنشأة المتحفية نفسها من إعادة ترميم المباني والبنية التحتية التي قد تكون تأثرت نتيجة عوامل الزمن وهذا ما يخص المبني المتحفي ذاته او يطول التطوير التحفة المتحفية ذاتها او فيما نسميه نحن المتحفيون " إدارة المجموعات المتحفية " فيشمل التطوير نواحي متنوعة مثل تقديم رؤية ورسالة المتحف وأهدافه الي جانب نشر سياسات المتحف التي سيتعامل بها المتحف مع الدولة او الجمهور تلك السياسة التي ستوضح توجه المتحف في التعامل مع المجموعات المتحفية من خلال توضيح مصادر اقتناءه للمجموعات المتحفية التي سيحتفظ بها في مخازنه او تلك التي سيعرضها كما ستوضح تلك السياسة المتحفية أساليب تعامل المتحف مع تلك القطع التي لا يحتاجها المتحف، كما ستقدم تلك السياسة أساليب توثيق تلك القطع المتحفية وأي البرامج والسجلات سيتبعها المتحف في توثيق وتسجيل مقتنياته المتحفية وخصوصاً أن هناك قطع أثرية ترجع للعام 5000 قبل الميلاد، كما ستوضح أيضا تلك السياسة الإجراءات المتبعة في أنشطة البحث العلمي التي سيجريها المتحف والتي سيحصل من خلالها علي مقتنياته بإعتبار المتحف الزراعي أكاديمية علمية متخصصة في الشأن الزراعي، كما ستوفر تلك السياسة التطويرية المتحفية الإجراءات المتحفية التي سيتبعها المتحفية في تخزين مقتنياته المتحفية وفق الإجراءات التي إعتمدها المجلس الدولي للمتحف وهو الجهة الرسمية المنوط بها التحدث باسم المتاحف في أنحاء العالم، كما ستعتمد تلك السياسة تقنيات الصيانة الوقائية وكيف سيوفر المتحف البيئة اللازمة للحفظ والتخزين والعرض المتحفي منم خلال التحكم في درجة الحرارة والرطوبة النسبية والتكاثر الحشري والإضاءة كما ستعتمد تلك السياسة الإجراءات المتبعة في إدارة المخاطر التي قد يتعرض لها المتحف في المستقبل. تمنيت أن أقرأ في خبر تطوير المتحف الزراعي إعتماد المتحف الي جانب تطوير المجموعات المتحفية، تطوير نظام العرض المتحفي ووسائله او إعتماد سياسات واضحة المعالم لتطوير إدارة الزوار او الإعلان عن خطط تسويقية جديدة تستهدف دمج المجتمع المحلي لبيئة المتحف، تمنيت أن يبدأ التطوير من الداخل الي الخارج بحيث تكون القطعة المتحفية هي محور التطوير بشكل يحقق الاستفادة المزدوجة في تطوير العرض المتحفي بشكل لا يخل بتراثية المبني ذاته ثم إدراج الخدمات والمرافق كجزء مكمل وليس محوراً للتطوير. تمنيت ان تلك الخطط تضع في إعتبارها القطعة المتحفية والمبني المتحفي بإعتباره مبني مسجل كأثر رقم 725 فالتعامل مع المباني الأثرية يختلف عن غيره من كافة المباني الأخرى إذ تخضع تلك المباني الي اشتراطات معينة بحيث لا يطغي التطوير عن كينونة الآثر وسياقاته التاريخية. لكن قد يسألني أحدكم سؤال، لما هذا الغضب الشعبي من محاولة وزارة الزراعة تطوير متحفها أليس هذا توجه جيد؟ أقول لحضراتكم بحكم تخصصي في هذا المجال. هذا التطوير كما نقول " حق أريد به باطل" او كما نقول في أمثالنا الشعبية " كالذي وضع السم بالعسل" فالتطوير خطوة جيدة تلجأ اليها المتاحف لتطوير مجموعاتها المتحفية او لزيادة مواردها من خلال استقطاب اعداد كبيرة من زوارها او لتطبيق أنظمة حديثة في العرض المتحفي ، ونحن نثمن ذلك اذا ما كانت الخطط المطروحة تستهدف ذلك بالفعل لكن مصطلح " تطوير" مصطلح مطاط قد يفهم من شكله الظاهري كل ما ذكرت. لكن إذا ما دققت في المتحف ستجده خاوياً من أي تطوير وإنما وفقا لما نشر في نفس البوابة الإلكترونية لليوم السابع من مقالات عديدة تحاول وزارة الزراعة تسويق مخطط " تطوير المتحف الزراعي" ان تضع السم في العسل للمجتمع المصري المحب لتراثه الثقافي فقد تابعت وبشدة رد اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولي للمتاحف (أيكوم مصر) وهي اللجنة المتخصصة والتي تمثل المجلس الدولي للمتاحف في مصر إستنكارها لتوجهات التطوير غير الواضح للمتحف الزراعي وأن هذا التطوير سيهدر تراث المتحف ويدمره ، بل ونادت الرأي العام للتصدي لمحاولات وزارة الزراعة لتدمير الحديقة التراثية وتحويلها لجراج سيارات ومرافق تخدم الزوار. فحينما تتبعت تلك المقالات التي نشرتها وزارة الزراعة وجدت التخبط في نشر خطط التطوير الذي ينم علي انه ليس هناك الا هدف واحد تسعي اليه تلك الوزارة الا ان تطمع في استغلال الحديقة التراثية و وتحويلها لجراح خاص .بغض النظر عما سيحدثه هذا الجراج من مخاطر علي البيئة المتحفية ومخاطر سيكون المتحف في غني عنها بإعتبار ان الحديقة التراثية هي جزء من بيئة العرض المتحفي للمتحف وأن الملك فؤاد الأول قد ألحق بها مجموعة نادرة من النباتات والأشجار التي قتل كثر منها الإهمال وسيقتل ما تبقي إذا ما تم تدمير تلك الحديقة بغية التطوير. كان للنداء الذي أطلقته أيكوم مصر يوم الثلاثاء 20 يونيو 2017 05:12 م، صدي علي صفحات وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فجاء رد وزير الزراعة سريعاً (بعد ساعة)علي ذلك بتاريخ الثلاثاء، 20 يونيو 2017 06:13 م حيث حاول ان يوضح خطة الوزارة في تطوير المتحف فما كان عليه إلا أنه " فسر الماء بالماء" كما نقول فتحت مانشيت عريض صال الوزير وجال وأعلن عن خطة الوزارة لتطوير المتحف الزراعي نافياً لكلام نائبه الذي نشر في الجرائد الرسمية يوم 9 يونيو 2017 قائلاً " ننفي ما تردد حول نية الوزارة إنشاء ساحة انتظار للسيارات وكافتيريات ومحلات تجارية بالمتحف الزراعى المصرى بالدقى، لافتاً الى أن المتحف واحد من أهم وأفخم المتاحف الزراعية فى العالم، حيث يشهد على ريادة مصر فى المجال الزراعى .. انتهي العنوان " وكأن مشكلة تطوير المتحف تكمن في إنشاء تلك المحال التجارية او خدمات الزوار. كان لمقال وزير الزراعة صداً لدي خبراء وزارته فكانوا أكثر تخوفاً من ذاك التطوير مطالبين بإسناد إدارة المتحف الزراعي لوزارة الآثار لخبرتها في إدارة المتاحف المصرية ولوجود متخصصين في ذلك. ففي يوم الأربعاء، 21 يونيو 2017 ، وتحت مانشت عريض " خبير يطالب بضم المتحف الزراعى لوزارة الآثار بعد فشل الزراعة فى إدارته" حيث طالب الدكتور عادل الغندور، الخبير الزراعى، بضم المتحف الزراعى إلى وزارة الآثار بدلا من الإشراف عليه فقط، حفاظا على تاريخ مصر الزراعى والحضارة الزراعية، خاصة بعدما بدأت الحكومة حاليا بتطوير المتحف.. إنتهي العنوان". فكيف لوزارة فشلت طوال عقود في إدارة متحف أن يؤتمن لها في تطويره. وكان رد وزارة الآثار علي هذا الخبير صادماً، ففي يوم الثلاثاء 20 يونيو 2017 ، فردت علي كلام وزير الزراعة " المتحف الزراعى ليس تابعا لنا ولا نملك إلا الإشراف" حيث قال الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن وزارة الآثار تشرف فقط على المتحف الزراعى لما يحتويه من مقتنيات مسجلة فى عداد الآثار، وأوضح الدكتور مصطفى أمين، فى تصريحات خاصة ل"اليوم السابع"، أن أعمال التطوير داخل المتحف الزراعى ليس من شأن وزارة الآثار، وتابع لوزارة الزراعة، ولكن يوجد إشراف من قبل الآثار على المقتنيات المسجلة كأثر فقط لا غير.. إنتهي البيان ". أي أن وزارة الآثار قد نفضت يدها من خطة التطوير غير واضحة المعالم التي تستند اليها وزارة الزراعة في تطويرها لهذا الكيان التاريخي العظيم . لهذا ولتخبط البيانات الصحفية التي تطلقها وزارة الزراعة صباح مساء دون وضوح، نطالب وزارة الزراعة بإعلان خطة تطوير المتحف بكل شفافية للرأي العام وان يكون هذا في مؤتمر صحفي يدعي اليه المتخصصين في مجال المتاحف من وزارة الاثار وغيرها وان تدعي ايكوم مصر أيضاً حيث تضم 320 متخصص في مجال المتاحف من شتي أقاليم مصر لندلي بدلونا بدورنا كمتخصصين نحو هذه القضية التي تخص تراث أمة وان نتشارك في وضع رؤية مشتركة لتطوير هذا المتحف العظيم الذي هو ملك لكل مصري. وفي المقال القادم سوف أطرح على حضراتكم بعض التجارب العملية التي وضعتها بعض المتاحف العالمية في اليابان والصين لتطوير متاحف مشابهه لهذا المتحف بشكل لا يطغي التطوير على سياسة المتحف واهدافه ولكن كان عاملاً من عوامل المحافظة علي تراثه وزيادة عدد زواره ومن ثم زيادة الدخل المادي للمتحف نفسه. ** أمين المتحف القومي للحضارة المصرية