يختلطُ على الكثيرين بشأن المصريين المعاصرين، وأصلهم القديم، وجذورهم الحقيقية منذ بداية التاريخ وحتى يومنا هذا. فالبعض يعتقد أن المصريين من أصول عربية خالصة، بينما يرى آخرون أنهم ينتسبون لجذور فرعونية قديمة دون ريب، وآخرون يذهبون إلى إتجاهات أخرى حتى اختلط الأمر على الجميع بين مؤيد لرأى هذا أو ذاك. وحتى نُفند تلك الإشكالية تفنيدًا علميًا دقيقًا لنصل إلى غايتنا، وأن نُميط اللثام عن هذه الإشكالية. فإننا سنعود إلى البداية الأولى، فالمؤرخون يتفقون على أن البشر جميعًا ينتسبون إلى أبناء النبي نوح عليه السلام الذين عاشوا بعد الطوفان، وهم: سام جد الساميين، وحام جد الحاميين، ويافث جد الآريين (الشعوب الآرية)، وهو ما تؤكده التوراة: "وهذه مواليد بنى نوح. سام وحام ويافث.." (تكوين-10). فقد سكن سام بن نوح الجزيرة العربية، وتُنسب له الشعوب السامية التى عاشت فيها، ومنهم: العرب، واليهود، والآراميون، والبابليون، والآشوريون، والعموريون..إلخ. أما حام بن نوح فقد سكن أفريقيا، وأنجب أبناء منهم: مصرايم وهو جد المصريين القدماء، وكذلك كوش وهو جد الشعوب الأفريقية الأولى، وكذلك الزنوج وشعوب البانتو وغيرهم، ولهذا فاسم كوش ينتشر كثيرًا فى أفريقيا، وكان اسم كوش يُطلق على بلاد النوبة قديمًا، وكذلك السودان، وأثيوبيا، أوعلى الأراضى التي تقع جنوب أرض مصر. تقول التوراة: "وبنوحام كوش ومصرايم وفوط وكنعان.." (تكوين- 10). أما الابن الثالث ل "نوح" عليه السلام فهو يافث، وهو جد الآريين الذين سكنوا شمال الأرض عند بحر قزوين بالقرب من روسيا. وقد اتجه بعض الآريين إلى آسيا، ومنهم: الفرس والحيثيون، والعيلاميون، والهنود، وغيرهم. بينما ذهب آخرون منهم إلى أوروبا، وسكنوها مثل: اليونانيين، والشعوب اللاتينية (كالفرنسيين، والإيطاليين، والأسبان) وشعوب الأنجلوسكسون والجرمان (كالإنجليز والألمان)، وكذلك الشعوب الإسكندنافية، والسيلتيك، والفايكنج، والشعوب السلافية (كالروس، والصرب،والبولنديين، وغيرهم). ولآن أبناء يافث وهم الآريون سكنوا آسيا وأوروبا، لذا عُرفوا باسم (الهندو- أوروبيين). وعلى هذا، فالمصريون القدماء أو الفراعنة هم حاميو الأصل، فهم أبناء مصرايم بن حام بن نوح عليه السلام. وبمرور الزمن بدأوا يختلطون ببعض القبائل السامية، لكنهم ظلوا يحتفظون بأصلهم الحامى إلى حد كبير. ثم جاء اليونانيون (وهم آريون) وسكنوا مصر بعد سقوط الأسرة الفرعونية الأخيرة. وحدث بعض الإمتزاج، لكنه لم يكن مؤثرًا فى إحداث تغيير عرقي كبير، ثم جاء الرومان واحتلوا مصر. وبعد قرابة أربعة قرون من الوجود الرومانى، تحولت مصر إلى المسيحية فى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى أيام الإمبراطور قسطنطين (280- 337م)، وهذا يعنى أن أكثر المصريين من بقايا العصر الفرعونى تحولوا إلى الديانة المسيحية. ثم جاء العرب إلى أرض مصر حوالى سنة 20 ه/640م، ثم أخذ المصريون يتحولون إلى الإسلام بمرور الزمن، كما بقى الآخرون على دينهم الأصلى وهو المسيحية. كما قدم إلى أرض مصر بعد الفتح كثيرٌ من القبائل العربية التى سكنت أرض مصر، مثل ربيعة، وجهينة، وبلي، وقريش، بني هلال..الخ، ومن ثم استقر بعضهم فى مدن وقرى الدلتا، بينما سكن آخرون صعيد مصر، في حين آثر البعض منهم الاستقرار في مناطق الواحات والصحارى، ومنهم جماعات البدو فى أرض سيناء، أو فى واحات الصحراء الغربية. ولاريب أنه حدث بعض الامتزاج بين المسيحيين المصريين وبعض العرب بالمصاهرة، لكن ذلك لم يُحدث تغييرًا جذريًا فى أصل كل منهم حتى يومنا هذا. وعلى هذا فالمصريون المسيحيون حتى يومنا هذا هم في الغالب حاميون ذوو الأصول القديمة التى ترجع إلى العصر الفرعونى، على ألا يكونوا من أصول يونانية، أو رومانية، أو أرمينيين..الخ. لأنهم ظلوا على دينهم الأصلى، ولم يندمجوا مع قبائل العرب. أما الإشكال العرقى حاليا فهو يرتبط بالمسلمين ذاتهم، فهم بين احتمالين رئيسيين، إما أن يكون المصرى المُسلم ينتسب لإحدى القبائل العربية التى سكنت مصر بعد الفتح، وهذا هو الغالب، وعلى هذا يكون من أصل سامى، فالعرب هم من نسل سام بن نوح مثلهم مثل اليهود وغيرهم من الشعوب السامية. ولا ريب أن أسماء القبائل العربية لا تزال ذائعة بين المصريين، مثل: بنى عدّى، وجُهينة، وبنى هلال، وأولاد على، بني حسن..إلخ، وهو ما يبدو أيضاً في كثير من أسماء وألقاب المصريين من ذوي الأصول العربية حتى يومنا هذا، مثل: الحجازي، الكناني، القُرشي، الهلالي، العدوي، الجُهني، البلوي، والهواري...الخ. وعلى هذا، فإن كل من ينتمى لتلك القبائل العربية الأصيلة، فهو عربى الأصل دون شك. أما المسلمون الآخرون، خاصة ممن لا يُعلم نسبهم على وجه التحقيق، فإنهم إما أن يكونوا من أصل مصرى قديم، أي أنهم ليسوا من العرب بشكل واضح، وهم في الغالب أبناء المسيحيين الذين تحولوا إلى الإسلام بعد الفتح العربى، أو قد يكونوا من مزيج مصرى - عربى، أى يكون الأب (أو الأم) من أصل مصرى قديم، ثم صاهر من القبائل العربية، وتحول إلى الإسلام، أو يكون العكس. وعلى ذلك يكون هذا المصرى مزيجًا من الأصول الحامية والسامية، لأنه يجمع بين العرق المصرى الحامى من جانب، والعرق العربى السامى من جانب آخر في ذات الوقت. وللحديث بقية إن شاء الله... ** باحث فى التاريخ الإسلامي ومقارنة الأديان