بعيدًا عن الاستطلاعات المضروبة، والتى تتوالى الآن شبه يومية بجنون وهستيريا، والتى يروج لها إعلام الفلول أو بقايا الفلول المعششة فى مجلس الوزراء وملحقاته، دعونا نتأمل بهدوء شديد وعلمية أشد المعادلة الانتخابية المفترضة لانتخابات الرئاسة، فى ضوء ما شهدته مصر خلال العام الأخير من استحقاقات تصويتية كشفت عن خريطة أعتقد أنها الأكثر علمية ودقة فى مصر. الخريطة السياسية المصرية شعبيًا لا تحمل تعقيدات استثنائية، وهى ستظل كذلك إلى سنوات عديدة مقبلة ومساحة التغيير فيها ستكون محدودة وبطيئة، ونحن نملك استطلاعات علمية موثقة ومعلنة ونهائية، تمثلت فى الاستفتاء الدستورى ثم فى الانتخابات البرلمانية، وكلاهما خرجت نتائج التصويت شبه متطابقة، حيث حقق التيار الإسلامى أكثر من سبعين فى المائة بقليل، مقسمة بين التيار السلفى وتيار الإخوان المسلمين، فى المقابل حصل الليبراليون على ما يقرب من خمسة عشر فى المائة، ثم المستقلون سواء منهم من نزلوا مع أحزاب أو مستقلين بالكامل ما يتجاوز العشرة فى المائة و"نثريات" أخرى توزعت بين اليسار وقوى مختلفة، ويلاحظ فى تلك الانتخابات، كما فى الاستفتاء، أن كل القوى حشدت فيها بضراوة، حتى أن الكنيسة المصرية شاركت بكل قوة وحشدت طوابير طويلة من الناخبين أمام لجان التصويت، وكذلك فعل الإسلاميون، أى أنه كان استحقاقًا انتخابيًا دقيقًا جدًا للقاعدة الانتخابية فى مصر، وسوف نفترض صحة التقارير، التى تتحدث عن تراجع فى شعبية الإسلاميين فى الأشهر الأخيرة بعد حملة التشهير، التى قام بها المجلس العسكرى والإعلام الرسمى وإعلام الفلول ضد مجلس الشعب، وأعتقد أنها مبالَغ فيها إلى حد كبير وهى قصف إعلامى بالمقام الأول ولن يصيب إلا الكتلة الانتخابية السلبية، التى لا تشارك أساسا فى التصويت، لكن لنفترض صحتها، بالمقابل فمن المؤكد أن عبد المنعم أبو الفتوح سوف يحصد حصة لا بأس بها من القوى المؤيدة للثورة وخاصة القوى الليبرالية، وهذا مشاهَد بوضوح من خلال حملاته والرموز المؤيدة له، وهو ما يعوض نسبة الفقد المفترضة فى التيار الإسلامى الداعم لأبو الفتوح، وهذا يعنى فى المحصلة أن التيار الإسلامى يستطيع أن يحقق نسبة 70% أو أكثر قليلاً أو أقل قليلاً فى الانتخابات الرئاسية، وهذه النسبة سوف تنقسم بين المرشحين الأبرز، عبد المنعم أبو الفتوح ومحمد مرسى، وهى نسبة تسمح لهما بالقول إنهما قادران على حسم الانتخابات من الجولة الأولى، فكلاهما حسابيًا يملك فرصًا حقيقية لتحقيق ذلك، وإن كانت فرصة أبو الفتوح أكبر بطبيعة الحال لاصطفاف قوى إسلامية عديدة معه وقوى أخرى، لكن مرسى علميًا يملك تلك الفرصة أيضًا، فإذا نجح أحدهما فى تجاوز الخمسين فى المائة زائد واحد من الجولة الأولى فالإشكال انتهى، وإذا لم يحقق ذلك فإن التقسيم الرياضى البحت بعد ذلك يعنى أن الإعادة ستكون حصرًا بين الاثنين؛ لأنه إذا حصل أحدهما على 40% فسيحصل الآخر على 30%، وإذا زادت على ذلك هنا مقابل إنقاصها هناك، فإن الميزان الإجمالى سيعطيك نتيجة واحدة، وهى أن الإعادة محصورة بين الاثنين، بالمقابل هناك نسبة 30% تقريبًا مقسمة بين عمرو موسى وأحمد شفيق وحمدين صباحى وبقية المرشحين، ونظرًا لاستحالة أن يتنازل أحدهم للآخر، فإننا أمام حقيقة بديهية، وهى أن هذه النسبة ستقسم بين الثلاثة بشكل أساسى، وهذا يعنى أن أحدًا منهم لن يمكنه تخطى حاجز نصف هذه الحصة التصويتية، وهو 15% فى الجولة الأولى، وهذا يعنى أنهم سيكونون جميعًا خارج سباق الإعادة، لأنها تقتضى أن يحصل أحدهم على أكثر من 20% على الأقل ليكون منافسًا لمرشح الإعادة الثانى فى التيار الإسلامى، أبو الفتوح أو مرسى؛ لأن المقطوع به رياضيًا أن مرسى أو أبو الفتوح لن يخرج أحدهما من الإعادة إلا إذا حصل الآخر على 50% زائد واحد، وهو ما يعنى حسمه النتيجة من الجولة الأولى. والحقيقة أنه حتى مؤشرات تصويت المصريين فى الخارج فى الانتخابات الحالية أتت متطابقة تقريبًا مع الخريطة التصويتية شبه الثابتة، فقد حصل كل من أبو الفتوح ومرسى مجتمعين على ما يقرب من أقل قليلاً من سبعين فى المائة من الأصوات، وصحيح أن التصويت فى الخارج ليس دليلاً دقيقًا على خريطة التصويت فى الداخل، ولكنه عمليا أتى متطابقا مع الخريطة المعروفة وداعما لصحتها، كما أن هناك دلالتين مهمتين فى تصويت الخارج، الأولى أن أعلى نسبة تصويت على الإطلاق كانت فى دول الخليج العربى وحصل فيها الإسلاميون على أعلى الأصوات بتفوق واضح جدًا، وهذا مؤشر على أن قدرات الحشد التصويتى ما زالت لدى التيار الإسلامى، الدلالة الثانية أن واحدة من أقل نسب التصويت فى الخارج كانت فى أمريكا وكندا، وهما الدولتان اللتان تشهدان حضورا كبيرا للأقباط، وهذا يعنى أن الصورة غامضة أمام الناخب المصرى من إخواننا الأقباط وأن الحماسة لها أقل، وأعتقد أن هذا انعكاس حقيقى للوضع فى مصر؛ لأن الاتجاهات القبطية قلقة وموزعة على أحمد شفيق أو عمرو موسى أو حمدين صباحى، وإن كان قطاع من الأقباط أعلن دعمه لأبو الفتوح، وهذا مع الأخذ بالاعتبار أن أصوات الأقباط لو تم حشدها وتوحيدها بنفس الزخم الذى عرفناه فى الاستفتاء أو انتخابات البرلمان، لن تغير من المعادلة شبه الثابتة للخريطة التصويتية فى مصر. وفى المحصلة فإن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، لن تخرج عن فرضيتين، الأولى أن يفوز أبو الفتوح أو مرسى من أول جولة، والثانية أن تكون هناك إعادة، وستكون محصورة على سبيل القطع بين أبو الفتوح ومحمد مرسى. [email protected]