الحكومة تحاول إنقاذ المركب وتجس نبض الشارع.. مستشار «المالية» يؤكد.. والوزير ينفى «اقتصادية البرلمان»: أعضاء تقدموا بمشروع قانون.. واقتصاديون يحذرون من كارثة أكبر محاولات إجبار المواطنين على وضع أموالهم بالبنوك ستدفعهم إلى شراء عقارات ارتفاع جنوني في الأسعار وانخفاض كبير في القيمة الشرائية حال تغيير شكل العملة تكلفة التغيير ستكون بالدولار والمواطن هو مَن سيعاني من آثارها أشعل مستشار وزير المالية عبدالمنعم مطر جدلاً كبيرًا بإعلانه دراسة الوزارة تغيير شكل العملة المحلية، في محاولة للسيطرة على الفساد وحصر أموال المصريين خارج الجهاز المصرفي، وهو ما قوبل بسخطٍ كبيرٍ من المصرفيين والاقتصاد والمواطنين. إلا أن وزير المالية والبنك المركزي، سرعان ما نفيا وجود نية على الإطلاق لتغيير شكل العملة المحلية المصرية، وإن كل ما يتردد حول هذا الشأن مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة، وقال البنك المركزي إن جميع فئات أوراق النقد المتداول حاليًا بالأسواق لها ذات قوة الإبراء وهي المعتمدة لدى البنوك. وعلى الرغم من النفي الذي خرج أيضًا به وزير المالية لتغيير العملة إلا أن التوقعات تشير إلى سعي الحكومة إلى جس نبض المواطنين ومن ثم تطبيق هذا القرار، وذلك لعدة شواهد أهمها؛ أنها أنكرت في مرات عديدة تصريحات لمسئوليها ثم نفذتها بعد ذلك مثل قرار تعويم الجنيه ورفع سعر تذكرة المترو ورفع الدعم عن المواطنين هذا إلى جانب إنشاء مجلس للمدفوعات وإطلاق مبادرة الشمول المالية للقضاء على التعاملات النقدية وتوسيع الحسابات المصرفية، وزيادة أسعار الفائدة لجذب أموال المصريين وتقليل السيولة في السوق، ومواجهة الارتفاعات المتواصلة في معدلات التضخم وهو ما تهدف الحكومة لتنفيذه عبر تغيير شكل العملة. يقول أحمد مبروك، الخبير الاقتصادي، إن تغيير شكل العملة المصرية يهدف في المقام الأول للضغط على المواطنين المصريين؛ لإخراج مدخراتهم المالية من الأماكن التقليدية وحصرها من قبل الدولة، وإدخالها في الجهاز المصرفي. وأضاف في تصريحات خاصة ل"المصريون" أن معرفة الدولة بحجم أموال المصريين يهدف إلى مواجهة عمليات غسيل الأموال والحد من عمليات الفساد ومعرفة مصادر حصول المواطنين على الأموال ووضع الخطط والبرامج الحكومية لمواجهة التضخم الحقيقي، وذلك بعد سحب السيولة من السوق، ومعرفة الحجم الحقيقي للسيولة. وأضاف أن معرفة حجم أموال المصريين سيسهل من عملية تقييم أموال الشركات والأفراد، ومن ثم غلق منافذ الإرهاب وتهريب الأموال للخارج ومنع العمل في التجارة الممنوعة. ولفت إلى أن الأساليب التي اتبعتها الحكومة في الماضي من إصدار شهادات قناة السويس وفوائد ال20% كان هدفها الحد من السيولة المالية للمصريين واستخدام الدولة لها في مشروعات ذات عائد قومي، لكن تحرك المصريين كان هدفه الأول الربح، وذلك على الرغم من استمرار عمليات التبرعات. وأشار إلى أن إحجام المصريين عن التعامل مع الجهاز المصرفي يرجع إلى عدة أسباب أهمها؛ المعتقدات الدينية التي تمنع التعامل مع البنوك وأيضًا ضعف ثقافة الادخار في القطاع المصرفي وتفضيل الاستثمار في مشروعات عقارية وتجارية، لافتًا إلى أن نحو 40% من مدخري القطاع المصرفي هم من فئة العائلات. وفى نفس السياق، تقول ثريا الشيخ، عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب, إن قرار تغيير العملة في الوقت الراهن يمثل صعوبة كبيرة, نظرًا لما تشهده البلاد من تدهور في الجوانب الاقتصادية, مشيرة إلى أنه تم إعداد قانون لتغيير العملة، وتم رفضه من قبل البرلمان، وذلك بعد مناقشة الجوانب السلبية والإيجابية لهذا القرار مع وزير المالية، مضيفة أن تغيير العملة سيعمل على انهيار الاقتصاد؛ نظرًا لأن البعض سوف يلجأ إلى شراء الأصول الثابتة بديلاً للنقدية. وأضافت ل"المصريون": "خلال السنوات الأخيرة الماضية، اضطرت عدة دول إلى تغيير شكل عملتها المحلية، على الرغم من الدوافع والأسباب التي اختلفت من دولة إلى أخرى، ومن أبرز هذه الدول الهند، فنزويلا، تركيا، الأرجنتين، البرازيل، أستراليا، تركمانستان، إنجلترا، وعربيًا السعودية والمغرب". وأشارت إلى أن وضع مصر يختلف كثيرًا, وأنها لن تستطيع تحمل النتائج السلبية كما حدث في الهندوفنزويلا, في حين أنها نجحت بشدة ولم تشكل عبئًا على المواطنين في تغيير العملة القديمة إلى العملة الجديدة، كما حدث في تركيا والسعودية. وفى سياق متصل، يقول عبدالمنعم مهران، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان, إن تغيير العملة ينقسم لشقين؛ الأول مرتبط بشكل العملة وتصميمها؛ حيث تلجأ الدولة لتغيير شكل العملة مع الإبقاء على قيمتها القديمة، وفى تلك الحالة لن يؤثر مطلقًا على السياسات النقدية وحجم السيولة في السوق, وتلجأ إليه الدول إذا تعرضت عملتها للتزييف، أو أصبحت غير مواكبة للعصر, مشيرًا إلى أن مصر قامت بتغيير شكل العملة 3 مرات, وكان آخرها وجود ورقة من فئة ال200 جنيه والتي كانت غير موجودة منذ 10 سنوات فأكثر . وأضاف ل"المصريون", أن أمريكا سبق وغيرت تصميم الدولار الأمريكي وشكله، مع الاحتفاظ بنفس قوة الإبراء ونفس القيمة ونفس الغطاء, موضحًا أن الشق الثاني تغيير قيمة العملة نفسها؛ حيث يتم إصدار عملة جديدة لها قيمة جديدة وغطاء جديد، قائلاً: "إذا كان هذا ما قصدته الحكومة من تصريحاتها فهذا يمثل نذير خطر؛ لأنها في هذه الحالة يعلم المسئولون جيدًا أن الجنيه المصري لم يعد قادرًا على التماسك أمام ارتفاع الأسعار في الداخل، أو أن قيمته الحقيقية تراجعت أمام العملات الأخرى على نحو مقلق، أو لأن الدول والمؤسسات المصرفية العالمية ترفض قبوله كأداة للإبراء أو الوفاء بالالتزامات" . وأشار إلى أن السودان سبق واستبدل الجنيه بالدينار عام 1991، وأصبح هذا الدينار يساوي عشرة جنيهات؛ أي أن القيمة الاسمية للعملة الجديدة أصبحت عشرة أضعاف القيمة الاسمية للعملة القديمة، ولكنه استطاع تحمل تكلفة تغيير العملة والتي تقدر بقيمة 70 مليار جنيه، ونظرًا لأنه كان يمتلك ذهبًا وغيره استطاع النهوض بالجنيه, أما في مصر فالوضع يختلف وأضراره أكثر من فوائده أن مصر ستعلن إفلاسها رسميًا لأن السيولة النقدية لديها صفر, مشيرًا إلى أنه إذا كان الهدف أخذ أموال المصريين وإجبارهم على وضعها في البنوك, فهذه الخطوة ستُفقد حائزي الجنيه المصري الثقة فيه، وستدفعهم إلى التخلص منه بسرعة، والتكالب على شراء أصول أو ذهب أو عملات أجنبية؛ الأمر الذي قد يحدث بلبلة في الاقتصاد المصري. من جهته، شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، يعتقد أن محاولات الحكومة لإجبار المواطنين على التخلي عن مدخراتهم ستعرضها لأزمات اقتصادية كبيرة، لاسيما أنها غير مؤهّلة في الوقت الحالي لتغيير العملة التي قد تكلفها أعباء إضافية لن يتحملها الاقتصاد المصري في ظل الأزمات التي يعاني منها. وأوضح في تصريح خاص ل"المصريون" أن حصر الأموال له جانب إيجابي ويساعد في التحول من النظام الورقي إلى النظام الإلكتروني الذي أنشأ له جهاز المدفوعات الإلكترونية لكن هذا الاتجاه يتطلب أولاً عودة ثقة المواطنين في الحكومة وجهازها المصرفي، وهو ربما لا يكون موجودًا في الوقت الحالي.