يستحيل أن تقف القوى العالمية، وكذلك المجلس العسكرى على الحياد حتى نختار رئيسًا حرًا وطنيًا، فمصر إذا تم ضبط البوصلة الحضارية فيها لابد أن تتغير تدريجيًا الأوضاع الإقليمية بل العالمية لصالح العرب، يعتقد البعض أن أمريكا ضد نجاح أى رئيس إسلامى، لكن العكس صحيح حيث تفضل رئيسًا إسلاميًا متحفظًا فى سياساته الاجتماعية ليكون قريبًا من ثقافة الشعب، وبالتالى يكون قادرًا على صياغة شرعيته فى الحكم وتمكنه من دعم التوجهات الأمريكية (السياسية والاقتصادية) فى مصر والمنطقة وهى أولاً: حصر المسار الديمقراطى بمصر بعيدًا عن التحالفات الإستراتيجية (إسرائيل- إيران)، ثانيًا: استمرار التبعية الاقتصادية الاستهلاكية للغرب بعيدًا عن إنتاجنا للسلع الإستراتيجية, أما الخطوط الحمراء للعسكر (المتحالفين مع أمريكا) فهى أولاً: حماية قياداتهم من المحاكمات على قتل المتظاهرين سلميًا, ثانيًا: حماية المكتسبات الاقتصادية للعسكر من الرقابة البرلمانية الشعبية, فمن الذى سيلعب هذا الدور وكيف؟؟ - لاحظنا إجراءات وتلميحات من العسكر (بتنسيق أمريكى) تبدو متفرقة، وذلك للضغط على المسار الثورى والديمقراطى. 1— تلميحات بحل البرلمان بحكم قضائى لإعادة الفرصة لغير المنتخبين من (عسكر شرطة، رجال مال وإعلام نخب فلول) للتأثير على مجريات الأمور. 2— رفض إعادة هيكلة الشرطة والتمسك بالجنزورى للسيطرة على المناخ خصوصًا أثناء الانتخابات (لتزويرها جزئيًا) وعمومًا لدفع الأحوال سلبيًا ليكفر الشعب بنتيجة الثورة. 3— استبعاد أبو إسماعيل والشاطر من الرئاسة وتغطية ذلك باستبعاد عمر سليمان المستبعد يعد أصلاً شعبيًا. 4— الإصرار على المادة 28 المحصنة لقرارات لجنة الرئاسة, لتدفع التيار الشعبى فى حالة عدم نجاح مرشحه وعدم ثقته فى نزاهة الانتخابات, ليضطر للنزول للشارع (طالما البديل القضائى مغلق) مما يعطى الفرصة لتدخل العسكر بما يرونه مناسبًا لهم!!, كل هذه التدابير لتخليق مناخ عام بنقاط ضعف خطيرة مجتمعيًا يتم استغلالها بالتفاوض لوضع خطوط حمراء ضد الشعب فى اختيار رئيسه. - نحن أمام مرسى وأبو الفتوح فى معسكر سيادة الشعب ضد وصاية العسكر والتبعية الأمريكية ثم موسى وشفيق فى معسكر الفلول والدولة العميقة الموالية للعسكر وأمريكا, والملاحظ أن موسى من وجهة نظر الشعب أقل خطورة من شفيق. - حل البرلمان غالبًا مستبعد (حاليًا) لضعف المجلس العسكرى وخشيته من مواجهة احتجاج الشارع والأرجح هو التدخل المحسوب فى عملية الانتخابات، غالبًا لمصلحة موسى، الذى يستطيع محاولة الجمع بين الدولة العميقة وبين شعبية من كفروا بالثورة وتبعاتها من (تدهور أمنى وغلاء أسعار) حيث يقوم فى الشهور الأولى لرئاسته بإنجازات أمنية بمعاونة العسكر والشرطة، وكذلك إنجازات اقتصادية بمعاونة أمريكا ودول الخليج, مما يمكنه من استخدام حكم قضائى بحل البرلمان والدعوة لجمعية تأسيسية لصياغة الدستور أولاً ثم الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة موجهة بشكل جزئى وغير مفضوح, وذلك عن طريق إعادة بناء النظام البائد من جديد تدريجيًا الذى يتأسس على التبعية المذكورة فى مقابل الدعم الغربى للرموز الجديدة لهذا النظام، هذا السيناريو يفترض أن الثورة وشبابها خارج الحسابات، حيث تم إضعاف مركزها مجتمعيًا على مر الشهور السابقة. - فهل كان الخطأ، كما يدعى البعض هو اختيار "نعم" فى استفتاء مارس 2011 بالانتخابات البرلمانية أولاً قبل الدستور, كلا وألف كلا...... وهل كان العسكر بهذا الذكاء، بحيث دُفعوا فى اتجاه الانتخابات البرلمانية أولاً وهم يريدون العكس فى النهاية، وذلك لتفتيت القوى السياسية لأحكام الوصايا العسكرية, كلا وألف كلا... لأن التفتيت كان سيحدث فى كل الأحوال نتيجة للحوار الذى يدور فى فلك الصراع البائس بين "الدينى والمدنى", وصراع على مصطلحات غير محددة أصلاً, ناتج عن التغريب الثقافى بالعقود السابقة, وصراع بين قوى ونخب معظمها متفقة ومتجمعة أصلاً ضد الوصايا العسكرية, وصراع على الهوية فى بلد محسوم فيه جذريًا هوية الشعب ومرجعيته الإسلامية, كان لابد أن يكون الحوار حول تحقيق مطالب الثورة والشعب من حيث حرية الرأى والاعتصام، وكذلك العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والبطالة وهى الأمور، التى تمثل مسئولية الحكم الأولى حتى لو اضطر الحاكم ليأخذ من أموال الأغنياء ليعطى الفقراء عن طريق سياسات ضريبية جديدة. - لن تستطيع أى قوة من منع انطلاق قطار الانتخابات التى ستبدأ فى موعدها فى وجود المادة 28 وبدون دستور لكن العبرة بمحطة وصول القطار, كل الاحتمالات مفتوحة والعبرة بالوعى الشعبى وإعلاء المصلحة الوطنية فى لحظات فارقة فى تاريخ دولة من أهم دول العالم. [email protected]