الذى ينظر إلى بدايات الثورة، يجد أن الميدان كان موحداً لأننا كنا نعرف عدونا جيداً, وفى نفس الوقت، كنا ندرك حاجة بعضنا إلى البعض فى الموقف العصيب ضد نظام مبارك الذى أفسد وظلم وتعدى, مما جعل الهدف الرئيس هو خلعه فاجتمعنا على ذلك دون تردد.. والناظر فى تسلسل الأحداث التى وقعت بعد الثورة لا يخفى عليه أنها أثرت سلباً على وحدة الميدان, إذ نشأت الطلبات الفئوية والمواقف الخاصة دون تنسيق, وحرصت بعض الفصائل على الدعوة بشكل انفرادى فى محاولة منها لعزل الآخرين أو التقليل من شأنهم أو إثبات أنهم ليسوا شركاء فى الثورة!! كل هذا شجع الفلول وأعداء مصر على التفكير فى العودة إلى المشهد بعد أن لاذوا بالفرار يبحثون عن مأوى لهم.. وكى يعود الميدان إلى وحدته فى هذه المرحلة الحاسمة علينا بالآتى: 1- أن ندرك أن الفضل فى هذه الثورة مرجعه لله وحده بعد أن وصل الجميع إلى حالة الاستيئاس من إمكانية إزاحة هذا النظام, بل إن بعضنا بدأ يُسلّم بأن الوريث قادم بما هو أسوأ مما كان عليه أبوه. 2- أن نضع نصب أعيننا دماء الشهداء التى أريقت فى الميادين من أجل حرية هذا الوطن, وبالتالى فإن المحافظة على الثمرة هو من واجبنا نحو بلادنا كى ننهض بها إلى ما نصبو إليه. 3- أن نعلم أن التنازع مقدمة الفشل، قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}، فعلينا بالصبر على ما يقع بيننا من خلافات واحتوائها سريعاً وعدم تضخيمها كى لا تصير عقبة أمام المسيرة. 4- أن نجرى التشاور بين الفصائل قبل الإعلان عن المليونيات حتى يتم تحديد التوقيت المناسب، وكذلك عنوان المليونية، لأنه ربما كان العائق عن المشاركة هو انشغالات أخرى فى هذا التوقيت أو أن العنوان لا يناسب فكرتهم فى المرحلة، وهذا من السهل ترتيبه إذا امتدت جسور التفاهم والتعاون بين الجميع, ولم يعمد فصيل إلى محاولة إقصاء الآخر عن الميدان بالمسارعة إلى الانفراد بالدعوة ظناً منه أن ذلك يجعله قائداً للميدان!! 5- من المعلوم أن طول المدى الزمنى وتتابع الأحداث يؤثر سلباً على العلاقات لوقوع الخلافات فى وجهات النظر، مما يترتب عليه الاختلاف القلبى, ثم إلقاء الاتهامات وتبادل التراشق الإعلامى بشكل يحول دون التواصل, وهو ما يتمناه سكان طره، فلزم أن نعى ذلك ونعالجه. 6- تقديم الأعذار على الاستنكار، فمتى تغيب فصيل عن إحدى المشاركات علينا أن نعذره ولا نزجره, فنشكر من حضر ونتغافل عمن تخلف ونسأله الدعاء, فهذا هو المنهج الذى يحفظ التواصل ويفجع الخصوم ويرهب الأعادى. 7- إن الالتفاف حول مشروع موحد تجتمع عليه القلوب خير من الفرقة التى يظن أطرافها أن كل واحد منهم على الصواب، ولهذا فإن حالة التوافق تتم إذا ما جرى الاجتماع على الحد الأدنى من القضايا التى تهم الجماهير، قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}، وقال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}. 8- إن نشر الوعى بما يدور حولنا من مخاطر على المستوى المحلى والدولى تجعلنا نهتم بتوحيد الصفوف لمواجهة الخطر ونتناسى الخلافات والشقاقات التى تفرق الصفوف. 9- إن المحافظة على الخط السلمى للثورة هو أحد ركائز النجاح، وهو السبيل إلى وحدة الميدان، لأن من يتسبب فى الاشتباكات أو الصدام مع مؤسسات الدولة يجعل المشاركين يعزفون عن الذهاب إلى الميدان تجنباً لوقوع حوادث لا يرون صواب وقوعها. 10- إن إنشاء مجلس تنسيقى على مستوى عالٍ بين الكيانات المختلفة والائتلافات المتنوعة وشتى القوى الوطنية والأحزاب السياسية له دور أساسى فى توحيد وجهة النظر بما يصب فى صالح وحدة الميدان من حيث الرؤية والحركة. إن ما ذكرته هو مجرد فكرة لعودة الوحدة إلى الميدان، لأن فى عودتها ضماناً لتمام النجاح وقطعاً للطريق على من يحاول العبث بأمن مصر ومستقبلها, مع تأكيدى على أن كل الأطياف مسئولة عن حالة الفرقة، كل بقدر إسهامه فيها، وأن ترسيخ القناعة بالنقاط العشرة فى الأذهان هى سبيل واضح نحو وحدة الميدان, ولعلنا شعرنا بالخطر حين خرج علينا عمر سليمان ليرشح نفسه رئيساً للبلاد, وهو أمر ليس بغريب على الشعب المصرى الذى يتوحد عند الشدائد، فعلينا أن نواصل مسيرة الإصلاح الثورى حتى تتحقق الأهداف, وأن يكون استخدامنا للميدان رشيداً فلا يخرج عن سلميته التى هى مكمن قوته, ولا نسمح لأحد أن يفرض على الميدان تحركات صدامية دموية لا يرضاها المشاركون, ويأباها العقلاء الحريصون على البلاد وأمنها ومستقبلها. ثم إننى فى الخاتمة أؤكد على أن التأليف بين القلوب إنما هو محض فضل من الله تعالى اختص به نفسه دون غيره، إذ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فى القرآن الكريم: {لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم}، وقال الإمام على رضى الله عنه: {لنقل الجبال أهون على من تأليف قلوب الرجال}، ولهذا فإننا ندعو الله مخلصين أن يؤلف بين قلوبنا ويوحد صفوفنا وينصرنا على عدونا الذى يعترض طريق الإصلاح والنهضة إن الله على كل شئ قدير.