كان الرئيس الأسبق جيمي كارتر شديد الإعجاب بالرئيس السادات، والأخير بدوره تميز بسياسة الصدمات التي تشبه مهارة النجم الأرجنتيني ميسي في طريقة تسجيله للأهداف. في ذلك الوقت كانت مصر في مركزها كقائد للعالم العربي وكبير لهم. ولم تكن ظهرت قوى إقليمية منافسة وفعالة كالسعودية وإيران وتركيا. بعد رحيل السادات وفي عهد مبارك خاصة في عشريته الأخيرة، تراجعت مصر عن مكانها لأسباب كثيرة من أهمها انزواء قيادتها للداخل ومشكلاته مع الاقتصاد والإرهاب، ومن ثم تخلى عن المفتاح للخليج، السعودية بصفة خاصة، لتقوم بالدور المصري الإقليمي. قوة النفط والمصالح الأمريكية والغربية في الخليج سهلت انتقال الدور والمكانة رغم الفوارق السكانية مع مصر. بين زمن كارتر والسادات وبين زمن ترمب والسيسي تغيرت الدنيا كثيرا. لم يعد النفط محتفظا بقوته السابقة، ولم تبق المصالح الأمريكية والغربية في الخليج وهي مرتبطة بالنفط على ما كانت عليه. عندما قال ترمب إن هناك كيمياء تجمعه بالسيسي، هو يقصد طريقة التفكير والانسجام لا سيما في نظرة كل منهما إلى الحرب على الإرهاب. في الواقع.. ليست كيمياء فقط، بل ديناميكا وهي من علوم الرياضة التطبيقية التي تبحث في تأثير القوى على حركة الأجسام. ترمب يعتقد أن مصر بكتلتها البشرية الهائلة ونظامها شبه العلماني هي القوة القادرة على تحريك العالم العربي، لكنها تحتاج إلى استرداد الهيبة والكرامة، وأنه كقوة عظمى يمكنه أن يفعل ذلك بالنسبة لعلاقاتها مع الخليج. ترمب لا يرى أن السعودية حاليا مؤهلة لأداء دور قيادي إقليمي. في الحقيقة ينظر إليها نظرته نفسها المعادية للإسلام، ولم تكن حملته الانتخابية مبشرة للعلاقات بينهما، وواجه انتقادات هائلة من كتاب سعوديين كبار والذين كانوا يتمنون فوز هيلاري كلينتون. في لقاء السيسي بترمب أثناء حملته الانتخابية قال له الأخير إنه في حال فوزه بالرئاسة ستكون الولاياتالمتحدة صديقا وفيا لمصر وليس مجرد حليف، وأن الدولتين لديهما عدوا مشتركا وهو إسلام الإرهابيين المتطرفين. موقع بولتيكو ذكر عن ذلك اللقاء: "أمطر مرشح الرئاسة الجمهوري دونالد ترامب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بكلمات حنونة". في لقائهما أمس تكرر الثناء والمدح من ترمب للسيسي، ولكن بصفته رئيس الولاياتالمتحدة وليس مرشحا. صحيح أنه مغضوب عليه من الإعلام في بلاده وأن السيسي تعرض لانتقادات شديدة في الإعلام نفسه خصوصا صحيفة واشنطن بوست، إلا أن الكيمياء والديناميكا قد تجنيان فوائد كثيرة للسيسي إذا أجاد استغلالهما سياسيا خلال السنوات الأربع الأولى لترمب والتي حتما لن تتكرر بفترة ثانية، فالناخبون الأمريكيون سيسقطونه غالبا. الصحافة العالمية تحدثت عن لقاء الملك سلمان والسيسي على هامش قمة البحر الميت بأنه تم بضغط من ترمب على السعودية. ويوم الأحد 2/4 كتبت معلقة الشئون العربية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلا عن مصادر سياسية وصفتها بأنها رفيعة المستوى في تل أبيب "أنه خلال الاجتماع الذي جرى مؤخرا في واشنطن بين الرئيس الأمريكي وبين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قام ترمب بتوبيخه بسبب العلاقة الفاترة بين المملكة ومصر وطلب منه العمل فورا على إعادة المياه إلى مجاريها، وأن التوبيخ أثمر في القمة العربية حيث تمت المصالحة". بعد ذلك اللقاء أعادت أرامكو شحنات البترول بعد قطعها عدة شهور. المعلقة تضيف "الشرط الأمريكيّ كان: إذا أرادت السعوديّة الحصول على دعمٍ أمريكيٍّ والمُشاركة في الحلف الذي يتبلور لوقف ما أسمته المصادر الإسرائيليّة بالتمدّد الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط، فيتحتّم عليها، أيْ على السعوديّة، أنْ تفتح جيوبها وتعود لتقديم المُساعدات لمصر، التي تُعاني من وضعً اقتصاديٍّ صعبٍ، وهذا ما كان". ما يهمنا هنا هو ما ورد عن الحلف الذي يتبلور، وأن واشنطن اشترطت شرطا على السعودية لكي تسمح لها بالمشاركة في ذلك الحلف، والذي ذكر محللون عرب وغربيون أنه سيكون حلفا سنيا. ترمب يريد تغيير الأدوار إو إعادتها إلى سابق عهدها في الخمسينات وحتى مطلع الثمانينيات. الكراسي الموسيقية لعبة سياسية أيضا. هل ينجح تصور ترمب وهل يمسك السيسي بالفرصة في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة؟