لم تكد تمر ساعات على تهديدات رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني بأن الأكراد لن يقبلوا العيش في ظل حكم ديكتاتوري، مهما كان الثمن، إلا وحذر كثيرون من الأزمة السياسية في بلاد الرافدين باتت مفتوحة على كافة السيناريوهات، خاصة في ظل إصرار رئيس الوزراء نوري المالكي على الاستقواء بإيران ضد خصومه السياسيين. وكان البارزاني قال خلال المؤتمر الأول ل"التجمع العربي لنصرة القضية الكردية" الذي عقد في أربيل في 4 مايو بحضور مثقفين وأكاديميين وسياسيين محليين وعرب:" نحن نقول لكل من يعنيه الأمر إننا لن نقبل العيش تحت ظل الديكتاتورية مهما كلفنا الأمر، من حق الشعب الكردي أن يقرر مصيره، ودعوتنا للآخرين ألا يسلبونا هذا الحق، ولا شيء يهدد وحدة العراق غير الديكتاتورية، وكردستان ستسلك جميع الطرق لحل المشاكل بطرق أخوية ديمقراطية وبلغة الحوار". وذكرت وكالة "فرانس برس" أن رئيس إقليم كردستان العراق وصف حق تقرير المصير الذي نادى به مراراً بأنه حق مشروع، واعتبر أن الأكراد يتصدون في المرحلة الراهنة لهجمة شرسة، محذراً من عودة ثقافة قمع وقتل الكرد. وجاءت تصريحات البارزاني السابقة لتؤكد عمق الخلافات بين إقليم كردستان وبين الحكومة المركزية في بغداد برئاسة المالكي، الذي بات متهماً من قبل السنة والأكراد وقسم من الشيعة بأنه يعيد إنتاج حقبة صدام حسين ويعمل على إقامة نظام ديكتاتوري من خلال جمعه جميع السلطات في يده بدعم من النظام الإيراني. ويبدو أن الأسوأ مازال بانتظار العراق، خاصة أن البارزاني هدد أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة بإقامة دولة كردية في حال عدم حل الخلافات بين أربيل وبغداد حول توزيع عائدات النفط والثروة. كما هدد أربعة من الزعماء السياسيين في الائتلاف الحاكم في العراق بالتصويت بحجب الثقة عن حكومة المالكي ما لم توقف سياسة التسلط في اتخاذ القرار. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر سياسية عراقية القول إن رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني وزعيم القائمة العراقية إياد علاوي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بعثوا برسالة إلى ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي تحدد ثمانية مطالب يتعين تنفيذها بحلول 13 مايو لضمان استمرار تأييد الزعماء الأربعة لحكومة المالكي، ومنها الكف عن التدخل في عمل قوات الأمن وعمل البرلمان، ووقف الاستبداد في اتخاذ القرار. كما طالبت الرسالة بعدم تولي رئيس الوزراء منصبه لأكثر من فترتين، حيث يقضي المالكي حاليا فترة ولايته الثانية رئيسا للوزراء ويسعى لولاية ثالثة، قائلة:" إن هذا أمر ضروري لضمان انتقال سلمي للسلطة وإرساء أسس ومبادئ الديمقراطية لعدم السماح بتهيئة الأجواء للديكتاتورية". وهدد الزعماء الأربعة في الرسالة بأنه في حالة رفض المالكي تنفيذ المطالب الثمانية، ستتخذ خطوات عملية خلال فترة لا تتجاوز 15 يوما لإجراء اقتراع في البرلمان حول سحب الثقة من حكومته. والرسالة مؤرخة بتاريخ 28 إبريل الماضي، وهو اليوم الأخير من قمة مصغرة عقدها الزعماء الأربعة لمدة ثلاثة أيام في أربيل عاصمة إقليم كردستان لبحث كيفية التصدي ل"ديكتاتورية" المالكي. وكان الائتلاف الحاكم الهش، الذي يضم الشيعة والسنة والأكراد، بدأ في التصدع في ديسمبر من العام الماضي بعد رحيل قوات الاحتلال الأمريكية وذلك عندما سعت حكومة المالكي لتهميش رموز الطائفة السنية عبر محاولة إقالة صالح المطلك نائب رئيس الوزراء، وإصدار مذكرة اعتقال بحق طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، كما تصاعد الخلاف المحتدم منذ سنوات بين الحكومة العراقية والمنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق بسبب تقاسم عائدات صادرات النفط، هذا بالإضافة إلى اتهام بعض الزعماء الشيعة وعلى رأسهم الصدر للمالكي بأنه أصبح ديكتاتورا. ورغم أنه ليست هناك صعوبة في الحصول على النصف زائد واحد في البرلمان العراقي لسحب الثقة من المالكي في حال تشكلت تحالفات جديدة داخل مجلس النواب، إلا أنه بالنظر إلى أن حكومة المالكي تشكلت في أعقاب انتخابات 2010 غير الحاسمة بتوافقات إقليمية ودولية معقدة، فإن تلك التحالفات الجديدة قد لا ترى النور بسهولة. صحيح أن هناك اعتراضات على سياسات المالكي داخل التحالف الوطني الشيعي من قبل زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم وعادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية السابق وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إلا أن إيران تدعم المالكي بقوة ضد خصومه الشيعة، كما أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حريصة على استمرار المالكي على الأقل حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية العام الجاري لتجنب دخول العراق في دوامة الفراغ السياسي. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن العامل الإقليمي والدولي هو الذي يرجح كفة المالكي على خصومه السياسيين، ولذا فإن الأزمة السياسية في العراق في طريقها للتصعيد أكثر وأكثر.